عندما أعلن زين العابدين بن علي في خطابه الأخير للشعب التونسي يوم الخميس الماضي إدخال إصلاحات سياسية واجتماعية استجابة لرسالة شعب تونس التي قال إنها قد وصلته كان الوقت قد فات وكانت مطالب الناس وشهيتهم للتغيير قد تجاوزت هذه المطالب وأصبحوا يطالبون بأشياء لا يستطيع بن علي تقديمها لهم إلا بالرحيل. خطيئة بن علي الكبري أنه كان يقف وراء شعبه وليس أمامه يقوده ويوجهه, كما هو الواجب علي كل قائد سياسي. كان الناس في تونس يطالبون بالإصلاح منذ زمن, لكن الرئيس تردد, معتمدا علي أن المطالبين بالإصلاح هم قلة من السياسيين محترفي المشاغبات السياسية الذين تسهل السيطرة عليهم أو احتواؤهم. الانشغال بالمعارضين السياسيين لم يتح لبن علي الفرصة لملاحظة التغيرات الجارية في أوساط الجماهير الأوسع. مزاج الجماهير الأوسع كان يأخذ منحي ثوريا غاضبا, مرة بسبب معاناتهم المباشرة, ومرة أخري بسبب المناخ والأفكار التي روج لها المعارضون الذين نجح بن علي في عزلهم. لم يلاحظ بن علي أن المعارضين التونسيين, وهم أقلية, قادرون رغم الحصار علي صياغة المزاج العام لشعب قصر النظام في تونس طويلا في مخاطبته والتحدث إليه. نجح بن علي في تحييد النخبة المعارضة في تونس حتي إن الأحداث عندما اشتعلت لم يكن لأحد من المعارضين صلة بها. الجماهير التي خرجت إلي الشارع كانت رأسا بلا قيادة, فكان التخريب, ولكن الأهم من هذا أنه لم يكن هناك أحد يمكن التحدث إليه والتوصل معه إلي اتفاقات تضع حدا للاضطرابات. إضعاف المعارضة السياسية وحصارها سلاح ذو حدين, فبينما يؤدي إلي حرمان المعارضة من فرصة تعبئة المؤيدين, ويحد من قدرة المعارضة علي منافسة نخبة الحكم, فإنه يجعل انفجار الجماهير إذا حدث مفاجئا ومدمرا, وربما استحال إيقافه, وهذا هو ما حدث في تونس. إذا كانت الإصلاحات ممكنة كما وعد بن علي في خطابه الأخير, فقد كان من الأفضل له أن يقوم بها مبكرا مستبقا مطالب المعارضة وانفجار الجماهير. الإصلاحات التي يمنحها الحاكم دون ضغط تمنحه مصداقية وتزيد شعبيته, أما تلك التي تأتي بعد انفجار المطالبات فإنها تخصم من رصيده, وتظهره في موقف ضعف يشجع علي طلب المزيد. القيادة السياسية الرشيدة تستبق الأحداث, لكن بن علي تخلف كثيرا وراءها, فكانت نهاية حكمه.