طالعتنا الصحف بأنباء عن حالات تسمم جماعي بالشرقيه نتيجة لشرب مياه ملوثة, وعن تبادل الاتهامات بين جهات حكومية, وقطاع خاص قام ببيع المياه, وليست هذه أول مره تتبادل الحكومة الاتهامات مع جهات اخري ففي سبتمبر2012 طالعتنا الصحف بأخبار عن تلوث مياه قرية صنصفط بالمنوفية وتسمم عدد كبير من مواطني القرية ووقتها تبودلت الأتهامات بين جهات حكومية وأخري خيرية قامت بتوفير محطة آبار من تبرع أهالي القرية القادرين. ورأينا وقتها مظاهرات تنادي بكوب مياه نظيف. وبحكم تخصصي أود ان اذكر الحقائق الأتية: لكي يصل للمواطن كوب مياه نظيف فلابد من توفر منظومة متكاملة تبدأ بمصدر نقي للمياه هو غالبا نهر النيل يليه محطة تنقية تقوم حقا بدورها في تنقية المياه, ثم يجب أن تمر المياه المنقاة بأمان داخل مجموعة من الشبكات والخزانات حتي تصل إلي المنزل. قد تتمكن محطات تنقية المياه, لو أدت وظيفتها بكفاءة, ان تتخلص من البكتريا و الفيروسات والمواد العضوية الموجودة في مياه النيل, ولكنها لن تستطيع ان تتخلص من المعادن الثقيلة( مثل الكادميوم والزئبق والرصاص) التي قد تصل إلي النيل من الصرف الصناعي. و تتراكم المعادن الثقيلة بمقادير ضئيلة داخل الجسد البشري, ولكنه لا يستطيع التخلص منها, وباستمرار التراكم البطيء تبدأ أمراض متنوعة في الظهور من فشل بأجهزة الجسم المختلفة, وسرطانات وأمراض تصيب الجهاز العصبي والقدرات العقلية. ونخلص من هذا أن خطور التلوث الصناعي علي مياه النيل هي أضعاف خطورة التلوث بمياه الصرف الصحي( مع التسليم بأن كليهما ضار). أخيرا إذا خرجت المياه بحالة جيدة ومطابقة للمواصفات من محطة التنقية فلا يزال هناك إمكانية لتلوثها في رحلتها إلي المواطن من خلال الشبكات والخزانات. و في القري التي لا يوجد بها صرف صحي متكامل غالبا ما يكون تلوث شبكات المياه سببه هو التربة المشبعة بمياه الصرف الصحي. لابد من وجود جهة رقابية مستقلة لهذه المنظومة تكون لديها معامل مرجعية, وتقوم بالتفتيش. وقد كانت الرؤية الاستراتيجية عند انشاء الشركة القابضة لمياه الشرب, والصرف الصحي هي وجود جهاز رقابي آخر مستقل وهو الجهاز التنظيمي لمياه الشرب. وأنشيء بالفعل هذا الجهاز في2005 ولكن الصراعات السياسية الصغيرة وقتها جردته من الاستقلالية. وتلك قصة أخري وربما حان الوقت لاعاده النظر في تمكين هذا الجهاز وفك تبعيته لوزارة الاسكان لتضارب المصلحة. وأخيرا لا يوجد حل سحري لمشاكل متشابكة و شديدة التعقيد ولكن هناك مقترحات ستساعد وتشمل: انشاء جهة عليا رقابية تقوم بحماية نهر النيل من أي تعديات مثل الصرف الصناعي والصحي والزراعي و النفايات الصلبة. لا بد من تمكين و توفير استقلالية تامة تلك الجهة, ويا حبذا لو تكون مستقله تماما عن الوزارات وتتبع مباشرة رئاسة مجلس الوزراء مع توفير جميع الامكانات البشرية والتقنية والتدريبية اللازمة لها. فنقاء مياه نهر النيل, والحفاظ علي صحه المصريين هما قضيتا أمن قومي بأمتياز. ومن الملفت انه في الدول المتقدمة التي تعتمد علي انهارها كمصدر للشرب نجد ان حرم النهر محاط في أذهان مواطنيها بما يشبه القدسية فلا يمكن تلويثه بل كثيرا ما تسن قوانين تمنع حتي النقل النهري, وللاسف نفتقر هنا تلك الثقافة. النظر السريع في حلول للصرف الصحي بالقري, وفي الواقع فإن معظم قري مصر تعوم علي مياه الصرف الصحي, وهو وضع خطير يؤثر علي صحة المواطنين وأساسات المباني أيضا. وربما يحتاج هذا الموضوع إلي مقال منفصل. لا بد من مراجعات شاملة ومتجردة للهياكل التنظيمية التي تتحكم في تنفيذ وتشغيل والإشراف علي البنية الاساسية لهذا القطاع. ختاما أعتقد أن الحفاظ علي صحة المواطن هو أفضل مشروع عملاق للمصريين, وسيكون له عائد اقتصادي أيضا من خلال تقليل فاتورة العلاج ورفع انتاجية المواطن والله الموفق.