غيب الموت اليوم الشاعر السوداني محمد مفتاح الفيتوري, في المغرب, حيث أمضي سنواته الأخيرة, عن عمر يناهز85 عاما, بعد معاناة طويلة مع المرض. وقد حمل الشاعر الكبير محمد الفيتوري الهم الإفريقي, وبدا هذا واضحا من خلال البعد الأفريقي في شعره, وشخصيته فكتب دواوين عديدة عن القارة السمراء ك أغاني إفريقيا,1956 وعاشق من إفريقيا,1964 وكذلك اذكريني يا إفريقيا,1965 كما كتب مسرحية أحزان إفريقيا. يعتبر الفيتوري جزءا من الحركة الأدبية العربية المعاصرة, ويعد من رواد الشعر الحر الحديث, فنجده تحرر في قصيدة تحت الأمطار من الأسلوب القديم كالوصف والغزل, وهجر الأوزان والقافية, معبرا عن وجدان وتجربة ذاتية يشعر بها. غالبا ما ركز شعره علي الجوانب التأملية, ليعكس رؤيته الخاصة المجردة تجاه الأشياء من حوله مستخدما أدوات البلاغة والفصاحة التقليدية والإبداعية. نال الزعيم الراحل جمال عبد الناصر نصيبه من شعر الفيتوري, فكتب عنه قائلا: عبد الناصر..أيدي الفقراء علي ناقوس الثورة.. والفقراء غرباء ومصلوبون..زحموا الباب العالي..ومشوا فوق البسط الحمراء وحاكم مصر يطأطئ هامته بعد الخيلاء..إذ أنت عرابي الواقف تحت الراية.. ذو الصوت الآمر..إذ أنت الراية يا عبد الناصر..إذ أنت الثورة والشعب الثائر. تحدث الكثير من النقاد والأدباء عن محمد الفيتوري وشعره, وقال عنه الناقد صلاح فضل لقد كان محمد الفيتوري شاعرا فحلا, فهو الذي تغني منشدا لإفريقيا في فورة الخمسينيات والستينيات من القاهرة, وجعل من إفريقيته رمزا للتحرر والمجد الأدبي وجمع إلي جانب هذا الوعي العميق بالطابع الاثني والثقافي الممتزج بدمائه العربية في السودان ومصر أساسا لموجة شعرية عارمة احتلت موقعها في الإطار حركة التحرير التي كان يقودها الزعيم جمال عبد الناصر, واستطاع الفيتوري أن يلمع في المجتمع المصري والأوساط الأدبية وأن يتقدم الصفوف ويثبت جدارته بقلب شاعر أفريقا الأول. قد واجهت الفيتوري في مسيرته كثير من الصعاب لأسباب سياسية, فقد اختلف مع نظام الرئيس السوداني الأسبق جعفر نميري في فترة السبعينيات وهاجر إلي ليبيا وحصل علي جنسيتها وأصبح ممثلا ثقافيا لليبيا في عدة بلدان. لكن تواصل الفيتوري مع السودان لم ينقطع, وعاد عقب الإطاحة بالنميري في ثورة شعبية عام1985, وغني له الفنان الراحل محمد وردي أغنية( عرس السودان) التي مجد فيها انتفاضة الشعب السوداني ضد نظام نميري. وفي السنوات الأخيرة طالب كثير من الأصوات الثقافية برجوع جنسيته وجوازه السوداني بعدما سحبهما النميري, وتحقق ذلك أخيرا. وكان الفيتوري وصديقاه الراحلان الدكتور جيلي عبد الرحمن والبروفيسور الراحل تاج السر الحسن قد أحدثوا زلزالا شعريا في فترة الخمسينيات أثر علي كثير من الشعراء العرب. وللفيتوري مدرسته الخاصة في كتابة القصيدة, وإضافة إلي تغنيه بأفريقيا كان له صوت واضح من أجل قضايا الأمة العربية.