قضي الطبيب النابه الدكتور هشام حجازي, أكثر من عشرين عاما خارج مصر, متنقلا بين العديد من المراكز الطبية الكبري في الخارج, قبل أن يعود إلي جامعته أستاذا ورئيسا لقسم أمراض القلب بكلية الطب جامعة قناة السويس, ويفتتح مركزا متخصصا لعلاج أمراض القلب, هو الوحيد من نوعه في منطقة القناة بأسرها. لا يشبه الدكتور حجازي, هؤلاء الأساتذة الكبار الذين يمكن أن تدفعك الظروف إلي التعامل معهم في كثير من المراكز الاستثمارية الشهيرة, أو هؤلاء الذين تملأ لافتات عياداتهم الخاصة منطقة وسط البلد في القاهرة, حيث فيزيتا الكشف تتجاوز مئات الجنيهات, لكنه يشبه بدماثة خلقه وعلمه الوافر- ومن قبل ذلك كله إنسانيته المفرطة- تلك الفئة المنقرضة من الأطباء, هؤلاء الذين كنا نطالعهم قبل سنوات بعيدة علي شاشات السينما, وهم يسهرون الليل علي خدمة مرضاهم, لا يبتغون من وراء ذلك جزاء ولا شكورا, إنما خدمة إنسانية راقية لا تفرق بين غني أو فقير, أو بين قاطني القصور المنيفة, وساكني السطوح. ربما يفسر ذلك إقدام هذا الطبيب النابه علي إنشاء مثل هذا المركز الطبي المتميز, بعيدا عن صخب العاصمة وفلوسها, وهو القاهري المولد والنشأة, وما يقدمه من خدمة متميزة بأسعار لا تكاد تقارن بغيرها من مراكز القاهرة, وكثير منها تحول إلي سلخانات, كل وظيفتها عصر دماء المرضي حتي آخر قطرة, دون وازع من إنسانية أو رحمة. ويحار المرء كثيرا, عندما يحاول فهم الأسباب التي تقف وراء إجفال كثير من أطبائنا النابهين, عن الانتشار في الأقاليم, وتقديم خدماتهم الطبية للمحتاجين من ساكني الأطراف, وكثيرين منهم غير قادرين علي تحمل مشقة الانتقال ووعثاء السفر إلي القاهرة, لكن الحيرة تزيد عندما يبحث المرء عن سؤال أهم, وهو ذلك المتعلق بالانهيار الكبير والشامل للخدمة الصحية في مصر, وهو انهيار يتجلي في أبشع صوره في الأقاليم, وبعضها- من عجب- لا يبعد عن قلب القاهرة سوي نحو ساعة ونصف الساعة للمسافر المجد. ربما تصلح محافظة الإسماعيلية, نموذجا لهذا الانهيار الكبير, وقد تكفي زيارة مفاجئة لوزير الصحة إلي مستشفياتها العامة, ليدرك مدي الكارثة التي تدق أبواب محافظة, من المقرر لها أن تكون عاصمة للاستثمار المرتقب في مشروع قناة السويس الجديدة, وهو المشروع الذي تعول عليه مصر كثيرا في الخروج من أزمة اقتصادية مروعة, لا تزال تعصف بأركان الدولة بعد ثورة شعبية بامتياز خرجت طلبا للحرية والكرامة الإنسانية. علي أن ما يدعو للدهشة بحق, هو هذا الصمت الكبير من قبل هيئة قناة السويس, علي هذا الانهيار الكبير في الخدمة الصحية بمدن القناة, وقد كان حريا بها- بما تملكه من قدرات مادية وبشرية- أن تمد يدها بقوة في هذا الملف, فتنشئ المراكز الطبية المتخصصة لخدمة أهالي الإقليم, وتوليها برعايتها علي نحو ما تولي به مستشفياتها, التي لا تزال قاصرة في تقديم خدمتها الطبية علي العاملين بهيئة القناة فقط. إن الغناء وحده لن يكون كافيا لإنجاز مشروع قناة السويس الجديدة, فبناء الإنسان ورعايته هو الأساس في نهضة الأمم, والأمر هين ويسير لو توافرت الإرادة السياسية والرغبة المخلصة, بتوفير أبسط حقوق أهالي إقليم القناة, وهو الحق في تلقي خدمة طبية ورعاية صحية حقيقية, ومن قبل ذلك كله وقف ذلك الانهيار العظيم في منظومة الخدمات الصحية بعاصمة الاستثمار الجديد في مصر. [email protected]