جاءت الضربات الجوية المصرية السريعة علي معاقل تنظيم داعش في ليبيا لتبعث بعدة رسائل, أهمها أن مصر لن تسكت علي المساس بمواطنيها في أي مكان وأن من حقها الرد علي أي عدوان يتعرض له المصريون والأهم أن ليبيا تمثل عمقا للأمن القومي المصري, لا يمكن السكوت علي ما يحدث فيها, وأنها ستشارك شعب ليبيا في مواجهة الإرهاب الذي يشكل خطرا علي البلدين, وهو ما يعزز أواصر الأخوة بين الشعبين. وتتضح معالم خطة دحر مصر للإرهاب في الكلمة القصيرة للرئيس السيسي, والتي وجهها للشعب المصري مساء أمس الأول, ويتضح منها أن مصر ستتقدم إلي مجلس الأمن بمشروع قرار, تصنف الجماعات الإرهابية في ليبيا بأنها خطرة علي السلم والأمن الدوليين لارتكابها جرائم ضد الإنسانية, ويضعها تحت بند الفصل السابع, الذي يبيح استخدام القوة, وهو ما يضفي شرعية دولية أمام أي تدخل مصري مسلح لضرب معاقل الإرهاب في ليبيا, سواء منفردة, أو في إطار تحالف دولي, وهنا يأتي تنفيذ ما قاله الرئيس السيسي عن حق مصر في الرد, في الزمان والمكان المناسبين. إن غطاء الشرعية الدولية ضروري ومهم لأي تحرك مصري, لأنه سيحظي بتأييد إقليمي ودولي, ويمنع أي جهة أو دولة داعمة للإرهاب من التنديد بالرد المصري, لأنه سيكون في هذه الحالة ضد الشرعية الدولية. ليس التأخر عن الرد الفوري ناجما عن أي ضعف أو تردد, فجيش مصر قادر علي توجيه ضربات قاسية للإرهابيين في ليبيا, رغم انشغال جزء منه بمطاردة فلول الإرهابيين في سيناء. هناك سبب آخر للتروي في الرد علي جريمة الإرهابيين, وهو أننا بحاجة إلي بعض الوقت لإعادة المصريين المقيمين في ليبيا إلي مصر, خاصة أولئك الموجودين في المناطق التي ينشط فيها الإرهابيون. وجاءت إشارة الرئيس السيسي إلي ضرورة مواجهة الإرهاب بدون انتقائية أو ازدواجية في المعايير, لتشير إلي موقف الرئيس من التحالف الدولي لمواجهة إرهاب تنظيم داعش في كل من العراق وسوريا, ومطالبة الرئيس بأن تكون مواجهة الإرهاب في كل مكان, وليس في العراق وسوريا فقط, وأن تشمل جميع المنظمات الإرهابية, مهما كانت مسمياتها. وقد اتضح أن الموقف المصري من التحالف الدولي كان محقا ويجب تصويبه في إطار الشرعية الدولية, وليس وفق الرؤية الأمريكية, غير المنزهة عن الهوي والأغراض. هناك مسألة مهمة علينا أن ننتبه إليها, وهي الوضع الأمني الخطر في ليبيا فالجريمة الخسيسة التي ارتكبها الإرهابيون هناك لم تكن الأولي, فمنذ نحو عام هاجموا أسرة مسيحية في بنغازي, وقتلوها بدم بارد, وهاجموا مجموعات من المصريين في سرت ومصراتة وطرابلس, وقتلوا واحتجزوا العديد منهم وعندما اشتد أتون الحرب الأهلية, صدر قرار في أول أغسطس الماضي بتسيير جسر جوي لاعادة المصريين من ليبيا, وعدم السماح بسفر إليها مرةأخري, لكن يبدو أن التنفيذ لم يكن علي مستوي الخطر والتحديات, وعلينا أن نسد هذه الثغرات, خاصة أن المصريين مستهدفون من جانب الجماعات الإرهابية الخسيسة, فلا ينبغي أن نمنحهم الفرصة, وأن نحمي المصريين من غدرهم. إن مصر في حرب حقيقية ويومية مع الإرهاب, في وقت ندخل فيه معركة انتخابية, ستشهد استقطابا وحملات تشهير, وقد تصل إلي الصدام بين المتنافسين, في وقت نحتاج فيه إلي التوحد صفا واحدا في مواجهة قوي تستهدف هدم كيان الدولة المصرية, وهو ما يستدعي أن نكون علي مستوي التحدي والخطر الذي يحدق بنا جميعا, خاصة من جانب الأحزاب والجبهات التي تخوض الانتخابات البرلمانية, والتي ينبغي إما اتخاذ قرار بتأجيلها, أو عقد اجتماع يضم ممثلين عن المتنافسين للتوصل إلي حل يمنع أي مساس بالجبهة الداخلية, وأن يعملوا علي رأب أي صدع فيها, بدلا من زيادة الشروخ والضغينة, التي يستفيد منها الخصوم المتربصون بالوطن.