تعقد اليوم مباحثات قمة بين الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي لبحث القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك,وتطورات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط, خاصة في سوريا وليبيا, إضافة إلي العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل دفع عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين,وملف مكافحة الإرهاب والتعاون العسكري بين القاهرة وموسكو. ومن المقرر أن يعلن الرئيسان خلال مؤتمر صحفي بقصر القبة اليوم ما تم الاتفاق عليه عقب توقيع عدد من الاتفاقيات الاقتصادية والإستراتيجية المهمة بين الجانبين بحضور الرئيسين. وكان الرئيسان قد شهدا ليلة أمس عرضا ثقافيا بدار الأوبرا عن تاريخ العلاقات بين مصر وروسيا. وتعتبر زيارة بوتين للقاهرة نقطة فارقة لتعزيز علاقات الصداقة التي تربط بين البلدين سعيا وراء البناء علي أسس العلاقات المتينة والقوية التي تربط روسيا ومصر منذ فترة الاتحاد السوفيتي السابقة وفي ظل سياسة خارجية جديدة للقاهرة تسعي من خلالها إلي إحداث توازن في علاقاتها بدول العالم في أعقاب ثورتي25 يناير عام2011 و30 يونيو عام.2013 وأكد مراقبون أهمية توقيت هذه الزيارة التي تأتي في الوقت الذي تسعي فيه مصر إلي الحصول علي دعم الدول الصديقة في حربها ضد الإرهاب وتعزيزالتعاون الاقتصادي خاصة مع روسيا وحثها علي المشاركة في المشروعات التي ستطرح في المؤتمر الاقتصادي الدولي في مارس القادم في شرم الشيخ. وتدعم هذه القمة الوهج المتدفق للعلاقات القوية بين مصر وروسيا اللتين مازالتا تلعبان دورا قياديا علي الساحة الدولية في ظل أجواء من التوتر والغيوم التي تخيم علي منطقة الشرق الأوسط بالنزاعات في ليبيا والعراق وسوريا واليمن بينما تسيطر هذه الأجواء علي أوروبا التي تشهد نزاعا في أوكرانيا مما أثر علي العلاقات الروسية الأوروبية. ومصر وروسيا يربطهما تاريخ حافل من المواقف المشرفة علي الساحة الدولية, والدولتان شاركتا في تأسيس حركة عدم الانحياز وينسقان الرؤي حول القضايا الدولية في الأممالمتحدة والمنتديات الدولية. وقد شهدت العلاقات بين القاهرة وموسكو علي مدار72 عاما منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية ديناميكية وحيوية بتبادل الزيارات واللقاءات بين المسئولين المصريين والسوفيت ولم تتوقف الا لفترة وجيزة في السبعينيات لتعود من جديد في الثمانينيات ولكن الظروف الدولية باتت تقتضي إعطاء دفعة جديدة لهذه العلاقات المتميزة بزيارة الرئيس بوتين للقاهرة. العلاقات السياسية أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين الاتحاد السوفيتي ومصر في26 أغسطس1943, وشهدت العلاقات بين البلدين تغيرات جدية, كما تغيرت أولوياتها علي الصعيدين الخارجي والداخلي, وتمت الخطوة الأولي للتعاون المصري الروسي في أغسطس عام1948 حين وقعت أول اتفاقية اقتصادية حول مقايضة القطن المصري بحبوب وأخشاب من الاتحاد السوفيتي. وقد شهدت العلاقة تطورات متلاحقة كان أبرزها بعد ثورة يوليو عام1952 حين قدم الاتحاد السوفيتي لمصر المساعدة في تحديث قواتها المسلحة وتشييد السد العالي وبلغت العلاقات الثنائية ذروتها في فترة الخمسينات الستينات من القرن العشرين حين ساعد الخبراء السوفييت مصر في إنشاء المؤسسات الإنتاجية, وبينها السد العالي في أسوان ومصنع الحديد والصلب في حلوان ومجمع الألومنيوم بنجع حمادي ومد الخطوط الكهربائية أسوانالإسكندرية. وتم في مصر إنجاز97 مشروعا صناعيا بمساهمة الاتحاد السوفيتي. وكانت مصر في طليعة الدول التي أقامت العلاقات الدبلوماسية مع روسيا الاتحادية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام.1991 وتتطور العلاقات السياسية علي مستوي رئيسي بين الدولتين والمستويين الحكومي والبرلماني. العلاقات الاقتصادية واقع التعاون الاقتصادي بين البلدين استمر بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ولكن في الأعوام الأخيرة شهدت نموا ثابتا حيث تخطي حجم التبادل التجاري بين البلدين6,4 مليار دولار عام2014 بنمو يقدر ب80% بالمقارنة ب945,2 مليار دولار عام.2013 فيما اتسمت الاستثمارات البينية بين مصر وروسيا بالضعف, إذ تكشف الأرقام أن حجم الاستثمارات الروسية في مصر قد بلغ نحو66 مليون دولار فقط بنهاية يناير.2013 وقد وصل إجمالي عدد الشركات الروسية العاملة في السوق المصري إلي383 شركة تعمل بشكل أساسي في القطاع الخدمي كالسياحة والإنشاءات والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والتمويل إضافة إلي القطاعين الصناعي والزراعي, لتحتل روسيا المرتبة46 من حيث الدول المستثمرة في مصر, في المقابل, بلغ حجم الاستثمارات المصرية في السوق الروسي حوالي7 ملايين دولار حتي نهاية.2012 التعاون العسكري ساند الاتحاد السوفيتي مصر عسكريا في فترات تاريخية مهمة, فقد كان للاتحاد السوفيتي الدور في إعادة بناء وتسليح القوات المسلحة المصرية بعد نكسة1967, وما حصلت عليه مصر من عتاد عسكري مكنها من خوض حرب الاستنزاف وحرب1973 تحريرا للتراب الوطني. ولم يتوقف التعاون العسكري بين البلدين منذ ثلاثين سنة, خاصة مع استمرار وجود30% من الأسلحة الروسية لا تزال في الخدمة في القوات المسلحة المصرية. وفي أعقاب ثورة30 يونيو توطدت العلاقات مع روسيا مما يعكس دلالة واضحة بأن القرار المصري لا يزال قادرا علي تحقيق المصلحة المصرية بالدرجة الأولي, وأن الاتجاه إلي روسيا ليس معناه التبعية لها, وإنما هو قرار وطني خالص, لذلك حظي بدعم وتشجيع الشعب المصري. وهو ما عبر عنه وزير الخارجية السابق نبيل فهمي في تصريحه بأن مصر لا تستبدل أمريكابروسيا, ولكنها تمد جسور التعاون مع الجميع. التعاون الثقافي اكتسبت العلاقات المصرية الروسية قوية عميقة الجذور منذ العقد الثالث من القرن التاسع عشر عندما شهدت مصر لأول مرة نزوحا من أحد رواد الثقافة العربية والإسلامية هو الشيخ محمد عياد الطنطاوي الذي بهره الأدب والثقافة الروسية ليكمل حياته هناك, وفي عصر محمد علي في ثلاثينات القرن التاسع عشر عندما اختار أربعة شباب من النابغين ليرسلهم في بعثة إلي سيبيريا لكي يدرسوا علم التعدين هناك. ولتقريب الصورة أكثر لا يمكن أن ننكر أن روسيا دولة لها تاريخ فني وثقافي كبير. ومن الدول التي وضعت بصمة واضحة في الأدب والموسيقي والسينما علي مستوي العالم, وقد تأثر المصريون بالتجربة الروسية في الأدب مثل أعمال تولستوي وتشيخوف ودوستوفيسكي وبوشكين.