كان أبي ناير بك نائبا في البرلمان وكانت له لتجارة واسعة في الأقطان, وكان رجلا مثاليا وقورا اشتهر بدماثة الخلق وحسن السيرة, وكانت سائر معاملاته تتصف بالأمانة والشرف. ورحل أبي عن دنيانا وأنا لم أتجاوز بعد الخامسة من عمري بينما كانت أختي زيزيت في الخامسة من عمرها. وعشنا بعد رحيل أبي حياة كريمة, حيث ترك لنا والدي ثروة طائلة وقتنا شر الحاجة وغائلة الأيام. ودارت الأيام دورتها حيث تخرجت أنا في كلية الصيدلة وقمت بتأسيس عدة صيدليات في وسط البلد, بينما تخرجت أختي زيزيت من كلية الألسن وكانت الأولي علي الدفعة, ولكنها رفضت العمل كمعيدة في الكلية وقررت دخول دير سانت ريتا للراهبات لسبب ميولها الدينية التي نشأت معها منذ نعومة أظافرها. وأما تيتي وهذا اسم أختي الذي كنا نناديها به, فكانت حادة الطبع نوعا ما وعصبية المزاج, ولكنها كانت بالرغم من ذلك طيبة القلب جدا وما كانت تتواني عن عمل الخير لأجل كل من حولها ما وجدت إليه سبيلا. وكانت تشتد في مواجهة الخطأ والتقصير أيا كان مرتكبه, فهي لا تعذر الخطأ ولا تبرر العيب ولا تستخف بالحرام. وبالإجمال فقد كانت تيتي تحمل داخلها شخصية المحارب وعقلية الفارس. وفي حياتنا الرهبانية وجدت تي تي نعمة في أعين رئيسة الدير والراهبات والزوار. وبعد مرورها فترة الاختبار بنجاح تم رسمها راهبة بالدير تحت اسم الأخت تريزا. ونالت أختي بركة عظيمة من الرب حتي صار اسمها لامعا في سلك الرهبنة, وكان الناس يقصدونها لنوال بركة صلواتها. وتوالي مرور الأيام حتي جاء اليوم الذي صارت فيه أختي تريزا رئيسة للدير عقب رحيل الأم لوليتا الرئيسة السابقة. وذات يوم قمنا بزيارة الدير لنيل بركتها, وما أن دلفنا إلي داخل غرفتها الخاصة حتي وجدناها تعنف إحدي الراهبات بشدتها المعهودة لسبب نعاس الراهبة في أثناء خدمة الصلاة الليلية, وخرجت الراهبة من محضرها وهي تبكي. وعقب انصرافنا من الدير وجدتني أقول لأمي ونحن في العربة: يا أمي.. إن تيتي مازالت عصبية!! عادل أسعد بسادة