مناسبة أو اثنتان وأحيانا ثلاث تدعو الواحد منا كل عام الي إعادة النظر فيما مضي من حياته, والنظر بعين الاعتبار الي ما هو قادم, وربما اتخاذ بعض القرارات المصيرية التي من شأنها ان تصحح المسارات الخاطئة. صحيح أن الغالبية العظمي منا تنسي هذه القرارات بعد اتخاذها أو ربما تتناساها, لكن تبقي مسألة وقفة مع النفس مهمة وحيوية. من هذه المناسبات بدء عام جديد, وعيد ميلاد كل منا, ورمضان. ويبدو أن أجواء رمضان الروحانية تطغي علينا وتدفعنا إلي محاولة تصحيح أنفسنا. وبالتالي هي فرصة ذهبية لشن مشروع قومي لتصحيح الذات. وبالطبع لا ينبغي أن تكون الذات هنا فردية, بل يمكن ان تكون جماعية أو مؤسسية أو حتي حكومية أو قطاعا خاصا. وبمعني آخر, قد يكون رمضان فرصة مواتية للجميع في مصر لأن يصارح نفسه ويواجهها, ويتخذ بناء علي تلك المصارحة والمواجهة قرارات من شأنها أن تجعل منه إنسانا أفضل, أو مؤسسة أحسن, أو حتي حكومة أحلي. بركان الغضب وسأبدأ بنفسي في محاولة لتصحيح الذات. وأعترف بأنني في امس الحاجة لأن أصحح وأصلح وأرمم العديد من الجوانب التي أصيبت بالعطب والخلل. ولكني سأبدأ هذا العام بالعصبية المفرطة وضعف القدرة وأحيانا انعدام القدرة علي السيطرة علي الغضب. ورغم أنني أري أن معظم المواقف التي أجد نفسي فيها غير قادرة علي السيطرة علي غضبي يكون سببها ظلم أو فساد أو سلبية أو تبلد أو تهاون أو تجاهل أو ما شابه, إلا أن هذا لا ينبغي أن يكون حجة لانفجار براكين الغضب. وقد توصلت إلي خمس خطوات تساعد في إدارة هذا الغضب قررت أن أنتهجها وأختبر صلاحيتها. نتيجة الغضب أولا: سأسلم بأن الحياة أصبحت مليئة بالأسباب والمصادر المثيرة للغضب: سائق ميكروباص أهوج يقود يروع كل من حلوه, موظف يعتبر ان مهمته الرئيسية تطليع روح الناس, مسئول حكومي يدلي بتصريحات يعلم تماما أنها عارية من الصدق والمصداقية, جار أناني يحتفظ لنفسه بثلاثة أماكن لإيقاف سيارته وسيارة المدام وسيارة البيه الصغير, ست بيت غبية تتخلص من القاذورات بإلقائها من شباك المطبخ لتستقر في منور العمارة حتي لا تلقيها في سلة المهملات, عسكري مرور يقرر تغيير مجال نشاطه من تحرير مخالفات مرورية للمخطئين الي تنظيم حركة إيقاف السيارات صفا ثانيا وثالثا أمام البنك, ويابخت من نفع واستنفع, والقائمة طويلة جدا. وعلي أن أقنع نفسي بأن مصادر الغضب هذه ستظل باقية ومستمرة, سواء غضبت أم لم أغضب, سواء عبرت عن غضبي هذا بالدخول في معركة كلامية حامية الوطيس أو لم أفعل. وهذا يعني أن المجاهرة بالغضب هي طريقة الضعفاء في التعبير عن مشاعرهم, وطالما إن غضبي لن يغير من الوضع شيئا, فعلي ان أحتفظ بمشاعري لنفسي, أو أن أفكر في طريقة أو أسلوب من شأنه أن يصلح الأمر. وبما أن إصلاح الأمور التي باتت معوجة وتمكنت جذورها وقويت حتي بات خلعها والتخلص منها أمرا شبه مستحيل, فإن الخاسر الوحيد في هذه الحالة سيكون الشخص الغاضب نفسه. وبالتالي سأرفع شعار سأغضب إن شئت, لكن طالما لن يغير غضبي الوضع القائم, فسأحتفظ به لنفسي. مصادر الغضب الخطوة الثانية هي محاولة حصر مصادر الغضب, بمعني محاولة الوصول الي الأسباب الحقيقية التي تجعلني أغضب, وليس المواقف نفسها. فهل ما يثير غضبي هو الغباء, أم الاستهبال, أم الفساد, أم انعدام الضمير, أم الازدواجية, أم ماذا ؟ وبكتابة الأسباب علي ورقة سأضعها أمامي لأتذكر دائما أن ما يشغلني ليس مواقف تافهة أو أحداث وقتية, ولكنها قضايا كبري لا يمكن أن تحل بإطلاق العنان لمشاعر سلبية لن تقدم بل ستؤخر, فعلي الأقل ستنال من قدرتي علي التعامل السليم مع الأمور, بالإضافة الي قائمة الأمراض اليت سأصاب بها. تصوير الغضب ثالثا قرأت ذات مرة عن شخص أمريكي كان كثير العراك مع زوجته. وكان يفقد أعصابه سريعا, ويبدأ في تكسير محتويات البيت وإلقاء كل ما تطوله يده من النافذة, هذا غير التهليل والصراخ. ولجأت زوجته ذات مرة إلي طريقة عبقرية, فصورته بالفيديو دون أن يدري( رغم عدم أخلاقية هذا العمل, ولكن الغاية تبرر الوسيلة), وبعد ما هدأ وتصالحا, طلبت منه أن يشاهد نفسه في أثناء موجة الغضب. وما أن شاهد الزوج نفسه وقد تحول إلي كائن عدواني, وتغيرت ملامح وجهه, ونفرت عروقه, حتي أصيب بصدمة شديدة جعلته يقسم الا يكرر هذا المشهد مهما كلفه الأمر. وبما أننا في عصر تقنية المعلومات, وزمن الموبايلات ذات الكاميرات عالية التقنية, فسأجد وسيلة لتصوير نفسيب في إحدي موجات الغضب, لأنني علي يقين بأن ما سأراه سيدفعني دفعا للتخلي عن الغضب. شخصنة الغضب رابعا سأبتعد قدر الإمكان عن شخصنة الغضب, وبمعني آخر, فقد اكتشفت أن جزءا من غضبي الشديد مثلا حين يكسر علي أحدهم أثناء القيادة مثلا, أنني أعتبره موقفا موجها لشخصي. وعلي أن اقتنع تماما أن مثل أولئك الأشخاص يجورون علي حقوق الجميع, فهم أغبياء وجهلاء وأنانيون, وسيتصرفون بمثل هذه الطريقة مع أي شخص آخر. وإذا وصلت لقناعة أن الشخص الغبي يتصرف بالقدر نفسه من الغباء مع كل من حوله, فإن هذا حتما سيريحني بعض الشيء, بل وربما يثير تعاطفي وشفقتي عليه لأنه ببساطة غبي. التنبؤ خامسا القدرة علي التنبؤ قد تخفف من وطأة الغضب. والمقصود التنبؤ هنا هو محاولة تخيل ما سيسفر عنه الغضب قبل انفجاره. فمثلا في حال كنت في مصلحة حكومية تحاول إنجاز بعض الأوراق, ووجدت الموظف يبذل كل ما في وسعه لوضع العراقيل التي من شأنها أن تعطل سير المراكب السائرة. الوضع الطبيعي هو إنك ستفقد اعصابك, وستنشب معركة حامية الوطيس بينك وبين الموظف, والذي غالبا سيضعك في دماغه, وإن كان مقدرا لك ان تنجز المهمة بعد أسبوعين أو ثلاثة من التعذيب مثلا, فستطول المدة الي شهرين أو ثلاثة علي أقل تقدير. وهذا يعني أن قدرتك علي التنبؤ بما سيسفر عنه الغضب قد يفرمل غضبك هذا, وتجعلك تفكر بدلا من المرة مرتين. فأنت الخاسر في الحالتين, ولكن خسارتك في حال أطلقت العنان لغضبك أكبر وأفظع. فيا رب ساعدني ب مناسبة هذا الشهر الكريم أن أسيطر علي غضبي, وأن أستخدم مكابح المشاعر في الوقت المناسب. ويارب زود قلبي وعقلي بالصبر علي ما يثير غضبي, وما قد يجعلني أفقد السيطرة علي أعصابي, لا سيما وأنني أعلم تمام العلم ان كل ذلك الغضب, وكل تلك المشاعر الفياضة ماهي إلا نفخ في قربة مقطوعة. توقيعات رمضانية وبمناسبة رمضان والأيام المفترجة التي نعيشها, وهي الأيام التي تتزامن وموسم التوقيعات والتوكيلات التي تسير في قنوات شتي, منها ما هو وطني, وما هو وطني برضه ولكن بدون صفة رسمية, فكرت في أن أنضم أنا أيضا إلي موضة التوقيعات. وفيما يلي قائمة سريعة بالملفات والقضايا التي أقترح جمع التوقيعات فيها, فربما تكون مفيدة لنا ولمستقبلنا, وإن لم تكن, فنكون قد أمضينا وقتا رمضانيا طريفا. توقيعات القمامة بعض سكان القاهرة يدفعون خمسة جنيهات علي فاتورة الكهرباء تحت بند القمامة, وآخرون يدفعون ثمانية جنيهات. ولأننا في الشهر الفضيل والكذب حرام, والمراوغة مكروهة, وإطلاق مسميات لا أساس لها من الصحة علي أشياء أمر غير محبب, فدعونا نجمع توقيعات من المواطنين يطالبون فيها برد تلك المبالغ إليهم بأثر رجعي. ويمكن الاستعانة بأحد المؤرخين القادرين علي تاريخ بدء ظهور تلال القمامة في الشوارع ليكون تقويما لبدء رد المبالغ المستحقة. ولمن يرغب في التوقيع علي هذا الملف عليه الدخول علي صفحة الفيس بوك [email protected] توقيعات التصريحات بما أننا نعيش عصر التصريحات التي لا حدود لها, ولأن رمضان شهر لا يحتمل الازدواجية في المعايير, ولأن حرية تداول المعلومات مازالت تخضع للكثير من القيود والعراقيل, فأنا أقترح شن حملة توقيعات لتطبيق قيود صارمة ووضع عراقيل ملائمة أمام تصريحات السادة المسئولين. وتطالب هذه الحملة بأن يتم ترشيد التصريحات, فيسمح لكل مسئول بإطلاق تصريح واحد في الأسبوع, وبحد أقصي خمسة تصريحات شهريا في حال كان الشهر خمسة أسابيع. ويستثني من ذلك وزراء التضامن الاجتماعي والمالية والتجارة والزراعة وذلك في ضوء أزمة القمح, إذ سيتحتم عليهم تكثيف تصريحاتهم في الفترة المقبلة لطمأنة المواطنين, والتأكيد أن وضع القمح في مصر عال العال, وأن الخبز المدعم لن يتأثر بأزمة القمح الروسي, وأن القمح الفرنساوي سيخصص لعمل العجائن والمخبوزات الفرنسية, في حين سيخصص القمح الامريكاني لعمل الدونتس والمافينز, وذلك عملا بالمثل القائل أعط العيش لخبازه, وأن مخزون القمح يكفينا أربعة أشهر, وبعدها يحلها مائة حلال. ولمن يرغب في التوقيع عليه الدخول علي صفحة [email protected] توقيعات المرور في كل عام يباغتنا مسئولو المرور بوعود لا أول لها ولا آخر بأن السيولة المرورية ستكون علي ما يرام, وأن خططا مرورية عبقرية ستضمن وصول المواطنين لبيوتهم قبل الإفطار أو السحور حسب التساهيل, وأن الرقابة علي الطرق ستكون ولعة نار, وأن المخالفين ستتم محاسبتهم حسابا عسيرا. وبالفعل نجد الشوارع وقد امتلأت عن آخرها بضباط المرور والمندوبين وبقية أفراد المرور. وأقترح في هذا الملف أن تطالب التوقيعات بالإبقاء علي أولئك في اماكنهم في غير رمضان كذلك. فمهمتهم الكبيرة التي ينجزونها طيلة شهر رمضان يجب أن تعمم في بقية الأشهر, ولعل بعض الانضباط يعود لشوارعنا وطرقاتنا. أما فيما يختص بالسيولة المرورية الرمضانية, ففي حال تحققت, فجزاهم الله كل خير, وإن لم تتحقق, فربنا يسامحهم. للتوقيع برجاء الدخول علي الصفحة التالية [email protected] وأخيرا, أحب أن أتوجه للجميع بالتهنئة, وكل عام ونحن أقل غضبا وأكثر نظاما, وأقل كلاما وأكثر فعلا, وأقل نفاقا وأكثر جدية, وأقل تفكيرا في الأكل وأكثر إمعانا في التفكير في الغد, كل عام وأنتم بخير ورمضان كريم!