عرب النقب, أولئك المنسيون في الزمن العربي الردئ, والواقع الفلسطيني الذي غاص الي أعمق أعماق ما في الغثيان من بشاعة. فمنذ عام النكبة1948 ورحي الصهيونية تطحنهم يوميا. تستبيح املاكهم وتلقي بهم خارج اراضيهم وديارهم وقراهم, وما حدث أخيرا لقرية( عراقيب) العربية في النقب نموذجا.وعراقيب قرية بدوية قديمة في النقب, تقع جنوب مدينة( راهط), وتحتوي علي مقبرة قديمة وآثار تاريخية كثيرة, تؤكد انها كانت عامرة بسكانها الفلسطينيين قبل قيام دولة اسرائيل بعشرات القرون. وهي واحدة من أكثر من45 قرية في النقب, لاتعترف بها اسرائيل. وحاول جاهدة تجميع سكانها في ثمانية مجتمعات والاستيلاء علي اراضيهم, ضمن مخططهم التهويدي. الذي يرمي الي تصوير عرب النقب بالقبائل الرحل غير المستوطنة, والفاقدة بالتالي لأي رباط بالأرض او ملكية شرعية لها. هناك دلائل واضحة, أن عرب النقب كانوا يملكون قبل عام1948 بنحو ستة ملايين دونم, يفلحون منها نحو2,3 مليون دونم, صودر منها في الفترة الأولي للاحتلال نحو مليون دونم, ورغم أن السلطات الاسرائيلية اعترفت للبدو بملكية نحو نصف هذه المساحة. أي حوالي600 ألف دونم, عملت علي تجريدهم من معظمها, وابقاء نحو12 ألف دونم لهم بحجة تطوير البدو. وحاولت ولاتزال تحاول تجميعهم في ثمانية مواقع, حتي يمكن حصرهم ومصادرة اراضيهم. وكان ديفيد بن جوريون أول رئيس وزراء لاسرائيل, قد ركز علي أهمية تهويد النقب, واستوطن هو نفسه في احدي المستوطنات في هذه المنطقة( سديه بوكر) وكان يصرح: بأن خطته للمستقبل, هي استجلاب خمسة ملايين يهودي لاسكانهم في النقب, تحت ذريعة أن ذلك لوتم, لاصبحت اسرائيل بمنأي عن خطر الاجتياح العربي. وعلي هذا الأساس, عمدت حكومات اسرائيل المتعاقبة علي ايلاء أهمية بالغة لتفريغ منطقة النقب من اصحابها الأصليين بجميع الاساليب وشتي الوسائل, ومن هذه الزاوية نستطيع أن نتحدث عن الدوريات الخضراء ففي اكتوبر1976 اتخذت حكومة اسرائيل قرارا بتشكيل مجموعات مسلحة, مهمتها الاشراف علي ما وصفته ب اراضي اسرائيل وعندما اصبح أرييل شارون وزير الزراعة عام1977 في حكومة( الليكود) الأولي, احتضن الدوريات الخضراء, ومنحها صلاحيات مطلقة, وبذلك بدأت مسرحية خبيثة للتغطية علي الجرائم التي ترتكبها الدوريات الخضراء. فالهدف من وراء هذه الدوريات او اساليب الشر الصهيونية العنصرية, التي تميز بها العقل الصهيوني بشكل عام واضح تماما, ألا وهو تهجير عرب النقب بشتي السبل والأساليب القمعية, وفي مقدمتها الوسيلة الاقتصادية, التي تحرمهم من وسيلة عيشهم الأساسية, أي مصادرة الأرض, لمنعهم من الزراعة, ثم مصادرة قطعان المواشي, لحرمانهم من اود العيش, فمن أصل مائتي ألف رأس من الماعز في عام1977, لم يتبق لهم عام1986 اكثر من سبعة آلاف رأس من الماعز. ومن المهازل التي تروي في هذا المجال, أن المواطن العربي صاحب القطيع المصادر ملزم بدفع نفقات نقل المواشي المصادرة الي سوق بئر السبع لبيعها هناك, واذا شاء استعادتها فعليه أن يشتريها مرة اخري في السوق. كما بدأت بهدم بيوتهم بحجة المحافظة علي البيئة, وفي بيان صدر عن الدورية الخضراء بتاريخ1982/12/27, تباهت الدورية بأنها طردت800 أسرة بدوية من اراضيها, وطهرت سبعة ملايين دونم من الغرباء- أي اصحابها العرب- خلال خمس سنوات. وفي غضون ذلك استمرت عملية مصادرة اراضي البدو, ففي نيسان1987 تمت مصادرة26 ألف دونم من اراضي عشيرتي الأعسم وابو قرينات, وتم هدم45 منزلا وتشريد200 أسرة بدوية, وفي اواخر عام1987 تم طرد500 شخص ينتمون الي40 أسرة, كانت تقيم في جنوبي النقب الي سيناء بحجة ان اراضيهم تحولت الي منطقة تدريب عسكري, وفي آذار1979 صودر80 ألف دونم من اراضي عشائر( الجويعد والعطاونة والعمار والجبوع) في المنطقة الواقعة ما بين ديمونا وعراد وبئر السبع, كان يعيش فيها نحو ثمانية آلاف نسمة, يسكنون في ألف منزل حجري و300 براكة و250 خيمة ولهم مدرستان, وبعد ذلك طلب من عشائر( العزازمة والعصيات والزيادين) ترك اراضيهم, وبلغ مجموع الأراضي المصادرة في منطقة( تل الملح) شرقي بئر السبع157 ألف دونم تقطنها600 أسرة, وأقيمت علي الأراضي المصادرة ثلاث مطارات عسكرية, بحجة تعويض المطارات التي كانت مقامة في سيناء, والمطارات الثلاثة هي:( ريمون, عوفدا, نفطيم) ولمنع البدو من اثارة موضوع اراضيهم المصادرة امام المحاكم, صدر في تموز1980 قانون البدو العنصري, الذي بموجبه يمنع البدو من التوجه الي القضاء لمنع ترحيلهم من اراضيهم المصادرة, وبتاريخ1982/12/28, صدر قانون صهيوني آخر هو قانون البناء والتخطيط, الذي يضع قيودا مشددة علي توسيع القري والتجمعات العربية. ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد. بل تعداه حسب قول المستشار السابق لرئيس الحكومة الاسرائيلية( شموئيل توليدانو) ان ما كان يقوم به رجال الجستابو في العهد النازي الألماني, يقوم به اليوم رجال الدوريات الخضراء في اسرائيل, يعتدون علي النساء الحوامل, وعلي الأطفال والرجال المسنين, وكثيرون من هؤلاء ماتوا متأثرين بالجروح التي اصيبوا بها من جراء اعتداءات رجال الدوريات الخضراء عليهم, ناهيك عن عمليات السطو المسلح علي منازل وخيام عرب النقب, سرقوا خلالها مصاغ بعض النسوة, وقطعا اثرية نادرة, واعتدوا بالضرب علي العرب بشكل شبه يومي, لدرجة أنهم كانوا يجلدون هؤلاء المواطنين العرب بالسياط اللاسعة, ولا اعتقد أن هناك مواطنا عربيا واحدا في النقب, ذكرا كان ام انثي, مسنا كان او يافعا, قد سلم من عمليات الجلد والضرب هذه.. وهكذا آلت الأمور بمن سجل لهم التاريخ بروزا في الفروسية والكرامة والعزة والأباء, أن يغدوا- من جراء النفسية اليهودية الاجرامية الحقود- فارسهم مذبوح, وكريمهم مفضوح. وقلب عزتهم مجروح.. فماذا يفعل عرب النقب في وجه كل هذا الويل النازل بهم؟! ومن يخرج قضيتهم من الظلمة الي النور؟!!