انتهى الشاعر محمد عمر من قصيدة "مباراة فى الشطرنج" تمهيدا لإصدار ديوانه الجديد ، والتى يلقى من خلالها الضوء على مجريات الأحداث فى واقعنا المعاصر ، حيث يتبادل النقلات بين قطع الشطرنج ويشرح المزايا بين البيدق والوزير والملك ، ولسان حاله يعكس التفاوت بين فئات الشعب والصراع الطبقى فى المجتمع .... طالع نص القصيدة : مباراة فى الشطرنج بيننا .... رُقعةُ الشطرنجِ العاجىِ المُنمَّقْ مَدًّ صاحبى يدَهُ و حَرَّكْ .... كانَ بَيْدَقْ . قُلتُ: لم تكنْ أبداً مُوفَّقْ فى حِساباتِ التحرُّكْ سَيدى .... الآنَ تخسرُ أنتَ بيْدَقْ و مَددتُ يدى آخذُ البَيْدقْ أُلقيهِ خارجَ الرُقعةِ مهزوماً مقتولاً مُمَزَقْ . ابتسمَ هازئاً وانفجرَ يضحَكْ ثم زالَ عَنهُ الابتسامُ و الضحِكُ المُلَفَّقْ و نَظرَ فى عينىَّ حاداً وعيناهُ كعينَى مُحقِّقْ وقالَ جاداً فى صوتٍ مُعمَّقْ : أنتَ مَأفونٌ و أحمَقْ تلعبُ الشطرنجَ بفكرِ مُبتدىءٍ .... لا زالَ فى اللُعبةِ أخرَقْ لم أكن مُخطئاً فى هذا التحرُّكْ و تَحرُكى كانَ جِداً مُوَفّقْ لَم أخسرْ سوى .... مَحضَ بيْدَقْ بقتلِهِ ينفتِحْ .... ذاكَ الطريقُ المُغلَقْ أمامَ وزيرٍ لا يتحرَّكْ يقفُ مُقيداً ... خلفَ مَحضِ بيْدَقْ يكبحُ الوزيرَ و يَخنُقْ و الآنَ وزيرى .... لم يَعُد مَحصُوراً بمأزِقْ و بدمِ مَحضِ هذا البيدَقْ .... يعدو الوزيرُ فوقَ كلِ الرُقعةِ سوف يمضى ... سوف يسبِقْ . قُلتُ : فعلاً .... كان جيداً هذا التحرُّكْ كنتَ بالفعلِ موفّقْ لكنِّى ... أتحدثُ فى المُطلَقْ و بعيداً عن وزيرٍ كادَ يُخنَقْ .... أرى سهلاً لديكَ ... قتلَ البَيْدقْ و لا أجدُ حِسابَك يتطرَقْ .... إلى أنهُ فى زمنِ المباراةِ المجهولِ المُعلَّقْ لا تدرى أبداً وزيرُكَ .... هل سينجحُ ... أم سَيُخفِقْ رُبَما تُخطىءُ فى التحرُّكْ فيُقتلُ الوزيرُ الأحمَقْ و يُلقَى مثلُ أى بَيْدَقْ خارجَ رقعةِ العاجِ المُنَمَّقْ مهزوماً مقتولاً مُمَزَّقْ و رُبَما .... بَيْدَقٌ مثلُ هذا البَيْدقْ .... يقتحِمُ الخطوطَ و يخرِقْ يعدو فوقَ الرُقعةِ ... يسبِقْ و يرتقى فيها و يُصبِحْ .... فيلاً ... رُخاً ... حِصاناً أو وزيراً قاهراً لامِعَاً جداً ... مُؤنَّقْ . قالَ لى جَاداً .... نظرَ إلىّ حاداً .... تلمعُ عيناه و تبرُق : سيدى .... عندما ملكاً أو وزيراً أحُرِّكُ لا أخطىءُ فى حساباتِ التحرُّكْ لأنى لا أتهورُ أبداً أو أنزِقْ أحميهما دوماً .... بكلِ حِصانٍ و فيلٍ و رُخٍ و بَيْدَقْ سيدى .... ألعبُ الشطرنجَ دوماً وفقَ واقعِ عالمِنا المؤرِّقْ دائماً .... فى الأمامِ البَيْدقْ ليسَ بهِ أحدٌ يرفُقْ بهِ الاتهاماتُ تُلصَقْ حَولَه الأخطارُ تُحدِقْ مصيرُهُ الموتُ المُحقَّقْ دمُهُ الرخيصُ يُهرَقْ و فوقَ جثةِ البيدقْ .... يعلو مجدُ الملكِ و يعمُقْ و الملكْ .... الملكُ يبقى الملكْ .... هو مَنْ يجمعُ و يفرِّقْ هو مَنْ كلَ شىءٍ يملُكْ .... بلا أىِ داعٍ ... بلا أىِ منطِقْ لهُ ألفُ يختٍ ... لهُ ألفُ زَوْرَقْ يلبسُ التاجَ المُزوَّقْ يشربُ الخمرَ المُعتَّقْ كُلَّما اشتهى ... تذوَّقْ نادراً ما يتحرَّكْ فالحِراكُ لديهِ مُقلِقْ دائماً هوَ خامِدٌ دائماً هوَ جامدٌ عقلُهُ المحدودُ مُغلَقْ حولَهُ ألفُ خَنْدقْ حولَهُ القِطعُ تُحلِّقْ من أجلِهِ ... بالأمرِ تُشنَقْ من أجلِهِ ... بالنارِ تُحرَقْ و الوزيرُ هو الوزيرْ .... فى كلِ صوبٍ يتحرّكْ يجمعُ الأشياءَ و يسرِقْ يمنعُ الأشياءَ و يُغدِقْ لهُ زهوٌ ... لهُ رَونَقْ والجميعُ لهُ يصفِّقْ و الكلُ لهُ يخضعْ .... و يُهادِنُه و يتملَّقْ فى لُعبة الشطرنج عِندِى .... البيدَقْ .... مخلوقٌ فقط .... لكى يفنَى و يُسحَقْ البَيْدَقْ .... من أجلِ غيرِهِ يُمحَقْ وليسَ مَسموحاً لبَيْدَقْ أن يراودَهُ حُلمُ التسلُقُ : أن يرتقى يوماً وزيراً يبقى الحُلمُ أسيراً يبقى الطريقُ عسيراً يبقى مقطوعاً و مُغلقْ عِندِى البَيْدَقْ .... قزمٌ ... أبداً لا يتعَمْلَقْ عِندِى .... دائماً البيدقْ .... يحيا و يموتُ .... مَحضَ بَيْدقْ . و للحظاتٍ صَمَتُ أنا .... ذلكَ الصمتَ المُطبِقْ ثم قُلتُ .... مِثلَه .... حاداً و جاداُ و أنا فى عينيه أُحَدِّقْ : سيدى .... أيُها الرجلُ المُحنَّكْ أيُها الرجلُ المُدقِّقْ أنتَ من يعلمُ حقاً سِرَ و سَبيلَ التفوقْ أنتَ فى اللُعبةِ أذكى أنتَ فى القولِ أصدَقْ هَيا ... لوزيرِكَ أفسِحْ .... إلى الجحيمِ كلُ بَيْدَقْ . ( البَيْدَق= العسكرى, الرُخ= الطابية , مَحضْ= مُجَرّد , مأفون= ناقص العقل)