يتردد على محل الأسماك الذي يمتلكه منصور عيد بوسط القاهرة شخص يدعو مظهره للتعاطف بملابسه الرثة، إلا أنه أحد أهم الزبائن عند منصور، حيث يقوم بشراء الجمبري الجامبو وأفخم أنواع الأسماك وأغلاها سعرا، وبما لا يقل عن مائتي جنيه.وبالرغم من أنه متسول فهو بالنسبة لمنصور زبون خاص جدا. وليست هذه حالة فردية فيبدو أن ما يمكن وصفهم ب"المتسولون الجدد" أصبحوا يشكلون ظاهرة سواء في عددهم أو في الأساليب التي يستخدمونها في التسول أو حتى في سلوكهم الظاهر أمام المجتمع. ويشير جمال فرغل، الذي يسكن في حلوان ويعمل في شركة خاصة بشبرا ويستخدم مترو الأنفاق يوميا أن ظاهرة التسول في المترو وتحديدا بخط "حلوان المرج" أصبحت مثيرة للاشمئزاز والسخط، فلا تكاد تمر محطة واحدة دون دخول سيدة أو رجل أو طفل يروي للركاب قصة مختلفة، مفادها أنه أو أحد أبنائه مصاب بمرض خبيث أو يحتاج إلى حقنة أو علاج يتكلف آلاف الجنيهات شهريا، وفي يده بعض من صور لأشعات وتحاليل لحبك القصة، وأحيانا قد يكون الشخص مصابا في ساقه أو ذراعه بمرض ويتسول به. ويضيف فرغل، أن ما يستفزه أن يرى الأيادي تندفع نحو الجيوب لتخرج منها ما تقدر عليه وتمدها لهؤلاء المتسولين ، والحقيقة أنك لو تتبعت هؤلاء فستجدهم أشخاصا عاديين يعيشون في مناطق عشوائية، لكنهم يصرفون ما يتجاوز دخل 20 أسرة وربما أكثر، ولا يتضح ذلك إطلاقا في طريقة العيش أو الشكل أو أسلوب الحياة والتعامل. ويوضح عمرو الشواربي، يزعجني كثيرا منظر الأطفال الجالسين بشوارع وسط القاهرة ويمسكون الأقلام والكراسات وأمامهم الكتاب مفتوح، مدعين أنهم يحلون الواجب المدرسي وأمامهم بعض من أكياس المناديل الورقية، مشيرا إلى أنه لا ينادي عليك ولا يدعوك للشراء إنما أنت تتعاطف معه باعتباره شخصا مكدا ومجتهدا وفي الحقيقة أنها مجرد وسيلة ابتكرها أباطرة هذه المافيا للعب على وتر المشاعر الإنسانية. ويلمح إلى أنه قد ينتهي هذا الطفل الذي لايتجاوز عمره العشر سنوات من كتابة كراسة كاملة، وبالتالي قد يصبح هذا الطفل متميزا في الدراسة، ونراه في المستقبل طبيبا أو مهندسا أو خبيرا في أي مجال متسولا، وتصبح الكارثة، كارثتين ليس فقط كونه اعتاد التسول، لكن شخصية مرموقة متسولة، مرموقة في ظاهرها ومتسولة في جوهرها. وتقول سوسن علي، ممرضة بأحد المستشفيات العامة إن ظاهرة التسول وخصوصا ارتداء النقاب بين السيدات المتسولات، أصبحت هي أكثر الصور وضوحا، فأصبحت غالبية المتسولات منتقبات وهو وسيلة لاستدرار العطف. وتؤكد الدكتورة سهير سند، أستاذ علم الاجتماع، أن عملية التسول في تزايد مستمر ولم تنته بقيام ثورة 25 يناير، وذلك بسبب ارتفاع الأسعار، وأدى ذلك إلى دخول شرائح جديدة من المجتمع إلى عالم التسول، حيث تجد البنات تقوم ببيع أشياء بأسعار زهيدة داخل المترو لا تدر ربحا لها، متسائلة عن سبب هذه الظاهرة هل هي مقنعة؟ أم وسيلة للفشل؟. وتضيف سهير، أن ذلك له أثر بالغ على المجتمع حيث جعلت المواطنين في حالة خوف وقلق دائمة، وذلك لارتباطه بوجود أفراد خارجين عن القانون، واعتباره نوعا من أنواع التسول، له مردود على المواطنين، حيث يصيبهم بنوع من الرعب. وتشير، إلى أن الانفلات الأمني في أعقاب الثورة زاد من حدة هذه الظاهرة، وأوجد نوعا من المتسولين على درجة عالية من الجراءة تهدد أمن المواطن واستقراره، ولفتت إلى أن حل الظاهرة يكمن في عمل الحكومة على رفع مستوى الدخل، ومواجهة المشكلة بتحقيق نهضة شاملة للبلاد، من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، وتقوم بها جميع المؤسسات الأهلية والحكومية. ويوضح الدكتور أحمد فخري، استشاري الطب النفسي، أن التسول كظاهرة تطور من أساليبها وهذا يرجع لشخصية المتسول نفسه "الشخصية السيكوباتية" وهي شخصية مضادة للمجتمع، وتتسم بالذكاء، وذلك من خلال خداع الناس وجعلهم ضحايا لهم، باستخدام أساليب أكثر تطورا وتأثيرا. وعن تعديل سلوك الأطفال في المستقبل ، أشار إلى أنه من السهل تعديل سلوكه عن طريق المنظمات المجتمعية والأهلية، فضلا عن ورش العمل وإيجاد سبل عمل مناسبة، مشيرا إلى أن تعديل سلوك الأطفال يكون سهلا عن تعديل سلوك الكبار الذين اعتادوا على السهولة في العيش، فضلا عن تلذذهم من تلك المهنة.