يعد الشاعر فؤاد حداد المؤسس الحقيقي لشعر العامية الملحمي في مصر، الذي استطاع أن يصل إلى وجدان كل مصري وعربي، هو حالة وجدانية تدرس، وتلهم الفنانين للبحث عن القيم الجمالية في شعره، وهو ما جذب منى عبد الحميد شعير لاختيار ديوانه المسحراتي، الذي يعد بمثابة وثيقة تاريخية في فترة كانت تزخر فيها مصر بالأحداث السياسية، ليكون مادة ثرية لنيلها رسالة الدكتوراة بتقدير امتيار بكلية الفنون الجميلة حول البعد السياسي في ديوان المسحراتي لفؤاد حداد كقيمة جرافيكية. د.منى شعير اقتربت بلوحاتها لتكون إبداعًا موازيًا للنص الأدبي وليس ترجمة لمفرداته. تقول د.منى شعير ل"بوابة الأهرام" حول النقاط التي دفعتها لاختيار الديوان موضوعا لرسالتها: ارتباطنا منذ الطفولة بغناء سيد مكاوي للديوان وما صاحبه من أجواء رمضانية، رغم عدم معرفتي آنذاك بفؤاد حداد كقيمة شعرية فكانت البداية ارتباطا معنويا.العلاقة بين النص الأدبي والمعالجة الجرافيكية له وما يجب على هذه العلاقة من تأكيد وإظهار للقيمة الفكرية للنص الأدبي نتيجة حركة ديناميكية مستمرة تقود المتلقي من معنى لآخر ومن دلالة لأخرى. وإلى أي مدى يتمكن الفنان الجرافيكي من تفسير المعنى الشعري، وإيجاد حالة من التوافق والانسجام بين الكلمة والرمز. وتضيف: فؤاد حداد عبقرية تدرس، فليس مجرد شاعر، فهو يعد المؤسس الحقيقي لشعر العامية الملحمي في مصر وكان يطلق على نفسه "أنا والد الشعراء"، وله أعمال كثيرة وقوالب شعرية متنوعة. كما أنه استلهم من الشعب المصري كثيرًا من الملاحم مثل أدهم الشرقاوي، تحرك في اتجاهات شعرية متنوعة فغير من القالب الشعري للموال. كما أنه أحدث إيقاعات نغمية عديدة فكان يعيد الاستخدامات الشعرية بشكل مغاير، فيعيد اكتشافه عن طريق التقسيم والتقطيع وإيجاد إيقاعات جديدة، كما تنوع أيضًا في كتاباته؛ فمثلا قدم الحدوتة للأطفال والحكاية على ألسنة الحيوان. وتستطرد: كما أبدع في أشعاره باللغة العربية السليمة، إلا أن المسحراتي اختزل كل الأشكال الشعرية من خلال معان خفية وإسقاطاته اللغوية، فوظف اللغة العامية البسيطة، لغة العامة، لإيقاظ همم الأمة، من خلال معان خفية، لتجنب الاصطدام مع السلطة، فيعد الديوان بمثابة وثيقة تاريخية في فترة كانت تزخر مصر بالأحداث السياسية فتنحصر الدراسة من 1964 إلى 1983 فترة كتابة الديوان. كما أنه لم يأخذ حقه في التكريم، فقال عنة صلاح جاهين "أنا أشهر وأنت أشعر"، عشق تراب مصر دخل المعتقل سنوات عديدة، عانى لنعيش في عزة. وعن كون اللوحات تعبيرا مباشرا عن أعماله، أم هي استلهام لما تحويه القصائد تقول: اللوحات تجريدية، أصبو لأن تقترب من أن تكون إبداعًا موازيًا للنص الأدبي، وليس ترجمة لمفرداته، وهذا ما سعيت لتقديمه. وعن قراءتها لشعر حداد تقول: قراءة الشعر سبقت الدراسة بسنوات، فما كنت لأهتدي لنوع الدراسة إن لم أكن مهتمة بخلفية شعرية، والبداية في السنة الأولى في قسم الجرافيك بكلية الفنون الجميلة، حين أعارني أستاذي د.صلاح المليجي الكوميديا الإلهية لدانتي، فقمت بقراءتها ورسمها كعمل حفر على الزنك، وحينها بدأت أدرك معنى ترجمة النص الأدبي لعمل فني، سواء مطبوع أو مرسوم. وتتابع: المسحراتي يحتاج إلى دراسات ودراسات، فالوقوف على عبقرية حداد ليس بالأمر اليسير، فكلماته ترسم لوحات تشكيلية تنقلك إلى عوالم عديدة من خلال رموزه وموتيفات تستطيع أن تتخلل بين حروفه. فمثلا في قصيدة "بعلو حسي اصحى": يا نايم وحد الدايم و قول نويت بكرة إن حييت الشهر صايم والفجر قايم اصحي يا نايم وحد الرزاق و أنا بنادي بعلو حسي يا دنيا حسي الحق بين ومصر أولي حققنا ثورة وقمنا صخرة و عرقنا زين أرض البطولة المشي طاب لي و الدق على طبلي ناس كانوا قبلي قالوا في الأمثال الرجل تدب مطرح ما تحب وأنا صنعتي مسحراتي في البلد سواح وحول عدد الأعمال التي تناولتها شعيب تقول: عدد الأعمال 18 لوحة تشكيلية، منفذة بأحبار الأكولين باستخدام الفرشاة والريشة، ومساحة الأعمال موحدة 50× 70سم. كما تشير شعيب إلى معرض في 10 أبريل بأتيليه القاهرة، يتضمن اللوحات كلها. وتضيف شعيب: هناك رسائل عديدة في هذا الاتجاه، وهو الربط بين النص الأدبي والعمل الفني التشكيلي، ومن خلال الرسائل والدراسات وضعت النواة الأولي للبحث، و كذلك خطوات واتجاهات البحث والدراسات المقارنة. وعن أهم ما يميز حداد في رأيها تقول: حروف حداد قبل أن تتشكل كلمة تفتح آفاقًا موحية وخيالية مؤثرة لخيال الفنان. وعن اللقاءات التي ساعدتها في تكوين رؤيتها للعمل تقول: قمت بلقاء الأستاذ محمد البغدادي، وهو من رسم الحضرة الذكية لفؤاد حداد وكان لقاءً ثريًا حدثني بالكثير عن فؤاد حداد، كما تواصلت مع ابنة أمين حداد، أما من أمدني بمعلومات عن نشاط حداد داخل المعتقل وكيف أنه كان يربط الأخبار في رقبة قطة وتجوب المعتقل كأنها مجلة متنقلة والكثير من الصور الأستاذ أحمد عبد النعيم، فكم أدين لهم ولأساتذتي د.حازم فتح الله، ود.حمدي أبو المعالي بالفضل في إخراج هذا البحث. شعير تعمل دكتورة بكلية الفنون الجميلة بالزمالك، جرافيك تصميمات مطبوعة، وتقوم بالتدريس في دورات تدريبية لأسس الرسم والتصميم تابع لبرنامج جامعة كامبردج البريطانية.