الاستدامة هي تحسين نوعية الحياة البشرية للوفاء باحتياجات الوقت الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال المقبلة على تلبية احتياجاتها، بما يقتضيه ذلك من التوفيق بين المطالب الاجتماعية والبيئية والاقتصادية وهي الركائز الثلاث للاستدامة. وقد شهد شهر سبتمبر الماضى الإعلان عن أهداف التنمية المستدامة 2030 (SDGs) وهى الأهداف الأكثر شمولاً وطموحًا من الأهداف الإنمائية للألفية التابعة للأمم المتحدة (MDGs). وتشمل 17 هدفاً رئيساً و169 غاية محددة لتلك الأهداف، منها القضاء على الجوع، وتحقيق الأمن الغذائي، ومكافحة عدم المساواة ومعالجة المناخ، والاستخدام المسئول للموارد، إضافة إلى تعزيز النمو الاقتصادي النامي والشامل والمستدام والتوظيف الكامل والمنتج بالإضافة إلى عمل لائق للجميع، والشراكة من أجل التنمية المستدامة وتعزيز وسائل تنفيذ وإعادة تنشيط الشراكة العالمية للتنمية المستدامة. وترجع أهمية أهداف التنمية المستدامة SDGs إلى أنها تحدد أولويات التنمية لكل من الحكومات والشركات وغيرها من الكيانات والمؤسسات، بل من الممكن أن تساعد هذه الأهداف على إعادة تشكيل المواقف من العلاقة بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة، من أجل المساعدة في الحفاظ عليهما وحمايتهما. وتعمل الأهداف على تعبئة شبكات أصحاب المصالح، وقادة المجتمع، والسياسيين، والمجتمع العلمي، والمنظمات غير الحكومية الرائدة، والمنظمات الدولية، ومنظمات المانحين، والمؤسسات، للعمل سويًا بهدف التعامل مع التحديات التي تنطوي عليها التنمية المستدامة، وهو ما كان يهدف إليه انعقاد مؤتمر البورصة المصرية الأول للاستدامة. وتزداد أهمية تحقيق الاستدامة فى سوق المال، لما لها من قدرة على توفير التمويل المستدام، خاصة عندما نعلم أن تكلفة تمويل أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030 سوف تتراوح بين 3.3 تريليون دولار و4.5 تريليون دولار سنويا من النفقات الحكومية والاستثمارات والمساعدات، وهو ما ستحاول أسواق المال المختلفة توفيره. وقد شهدت أسواق الأوراق المالية عالمياً اهتماماً متزايداً بتطبيق معايير الاستدامة فى ممارسات الفاعليين الرئيسين فى السوق خلال الأعوام القليلة الماضية، وهو ما دفع البورصات إلى حث الشركات المقيدة على تفعيل ودمج معايير الاستدامة فى إستراتيجيتها، خاصة المعايير المرتبطة بممارسات الحوكمة، والممارسات البيئية والمجتمعيةEnvironment, Social and Governance (ESG)، حيث ترتبط هذه الممارسات ارتباطاً وثيقاً بالاستثمار المسئول. ويعمل الاستثمار المسئول على الحد من مخاطر هذه الممارسات، خاصة فى ظل توجه المستثمرين للربط بين المعايير المالية ومعايير الأنشطة غير التقليدية للشركة، كالحفاظ على مستويات أداء بيئي جيد، ومسئولية اجتماعية متميزة للشركة، وإتباعها لمعايير الحوكمة الجيدة، بما يسهم فى تحقيق التنمية المستدامة لأعمال هذه الشركات. إضافة إلى ذلك، قامت أسواق الأوراق المالية بدمج عدد من معايير الاستدامة فى متطلبات الإفصاح للشركات المقيدة خاصة فيما يتعلق بمعايير ممارسات الحوكمة، وهو ما ساهم فى تعزيز مفهوم الاستدامة بين هذه الشركات، كما قامت أسواق الأوراق المالية باستحداث مؤشرات للاستدامة، مثل مؤشر S&P/EGX ESG للبورصة المصرية، والذى تم استحداثه عام 2010، بهدف قياس أداء الشركات المقيدة من حيث ممارسات الحوكمة والممارسات البيئية والمجتمعية، ويتم ذلك بقياس قدرة الشركات على الإفصاح والشفافية على هذه الممارسات. وفى ظل الاهتمام المتزايد بتطبيق معايير الاستدامة، قامت منظمة الأممالمتحدة فى عام 2012 باستحداث مباردة "الأممالمتحدة لاستدامة أسواق الأوراق المالية UN-Sustainable Stock Exchange (SSE)، وكانت البورصة المصرية أحد البورصات الخمس المُؤسسة لهذه المبادرة كما تضم عدداً من المؤسسات والمبادرات العالمية مثلUNCTAD، وUN-Global Compact، وPrinciples for Responsible Investment (PRI) ، إضافة إلى 27 سوقاً للأوراق المالية كأعضاء بالمبادرة. منها بورصة لندن للأوراق المالية، والبورصة الألمانية، وبورصة ناسداك وبورصة نيويورك للأوراق المالية وبورصة البرازيل وبورصة جنوب أفريقيا. كما قام اتحاد البورصات العالمى World Federation of Exchange (WFE)، عام 2014 باستحداث مجموعة عمل الاستدامة Sustainability Working Group (SWG)، وكانت البورصة المصرية أحد الأعضاء المؤسسين للمبادرة، كما ساهمت البورصة المصرية وبشكل فعال فى اجتماعات ومناقشات واستقصاءات الرأى بمجموعة الاستدامة، لما لها من دور فعال ورائد فى العمل على تفعيل معايير وممارسات الاستدامة بين أسواق الأوراق المالية فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. من الجدير بالذكر، أن البورصة المصرية تم اختيارها كنموذج مرجعى لتواصل أسواق الأوراق المالية مع الأطراف الفاعلة فى السوق Communication to Stakeholders، من قِبل مباردة الأممالمتحدة لاستدامة أسواق الأوراق المالية UN-SSE، فى فبراير من العام الحالى، وقد أشادت المبادرة بنموذج البورصة المصرية للتواصل مع أطراف السوق، ودعت البورصات أعضاء المبادرة للإقتداء بنموذج البورصة المصرية. كما قامت هيئة الأممالمتحدة للمساوة بين الجنسين وتمكين المرأة (هيئة الأممالمتحدة للمرأة) بالتعاون مع البورصة المصرية بإطلاق حملة "دق جرس جلسة التداول في البورصة المصرية" للتوعية بأهمية المساواة بين الجنسين في التنمية المستدامة فى مارس من العام الحالى. وقد أقيم هذا الحدث فى 5 بورصات في العالم وهم الهند- نيجيريا- تركيا- بولندا- السويد بالتعاون مع هيئة الأممالمتحدة للمرأة والاتفاق العالمي للأمم المتحدة، وجاء هذا الحدث في سياق الاحتفالات المصاحبة لليوم العالمي للمرأة. إضافة إلى ذلك، جاءت المساهمة الفعالة للبورصة المصرية فى اللقاءات الدورية للبورصات أعضاء المبادرة لمناقشة أهم المستجدات فيما يتعلق بآليات العمل على زيادة الوعى بأهمية التنمية المستدامة فى سوق الأوراق المالية، وتحديث أطر عمل الأسواق بما يضمن زيادة الشفافية والإفصاح فيما يتعلق بأبعاد استدامة أسواق الأوراق المالية والتى تتضمن الحوكمة، والبعد البيئى والبعد المجتمعى. وتسعى مبادرات استدامة أسواق الأوراق المالية عالمياً إلى اعتماد منهجية شاملة للإفصاح من خلال التقارير المتكاملة والتي تتضمن الجوانب المالية وغير المالية، وذلك بدمج عدد من معايير الاستدامة وأفضل ممارسات الحوكمة، والبعد البيئى والبعد المجتمعى فى قواعد الإفصاح، ومن ثم يعزز من ثقافة الإفصاح والشفافية فيما يتعلق بممارسات الاستدامة، وقد تعهدت البورصة المصرية بإصدار نموذج إفصاح معايير الاستدامة خلال عام 2016، وذلك بالتعاون مع الفاعلين الرئيسيين بسوق الأوراق المالية.