لم يكن مفاجئا بالنسبة لكثيرين الخبر الذي استيقظ عليه معظم محبي ومتابعي كرة القدم المصرية بالاتفاق الودي الذي تم بين حسن شحاتة المدير الفني للمنتخب المصري وسمير زاهر رئيس اتحاد كرة القدم على إنهاء تعاقد الأول بعد أن فشل في أن يقود سفينة الفراعنة نحو شواطئ غينيا والجابون للمشاركة في نهائيات كأس الأمم الإفريقية بعد التعادل مع جنوب إفريقيا في لقاء العودة وضياع آمال الفراعنة في التأهل. ربما يعتقد البعض أن التعادل الذي حققه المنتخب المصري أمام منتخب جنوب إفريقيا هو السبب الوحيد في قرار الإقالة، فصحيح أنه كان له دور كبير في اتخاذ هذا القرار ولكنه وفي الوقت نفسه كان ليمر سلاما على شحاتة وجهازه لو كان الأداء مقنعا بالنسبة لعشاق المنتخب الأحمر، ولكن ما زاد الطين بلة أن المنتخب ظهر بلا روح ولا شكل ولا لعب جماعيا أو حتى فرديا، وكان عرضة في أكثر من مرة للخروج مهزوما من هذا اللقاء لولا تألق حارس مرمى المريخ السوداني عصام الحضري. ومخطئ من يظن أن شحاتة قد سطر كلمة النهاية في تاريخه الكروي بهذه المباراة المؤسفة، وأنه مسح بها كل ما كتبه بحروف من ذهب في تاريخه وتاريخ المنتخب المصري من إنجازات لم تحققها أجيال متعاقبة على مر العقود. فمن يتذكر الظروف العصيبة التي تولى فيها حسن شحاتة السيطرة على مقاليد الأمور داخل المنتخب المصري بعد أن كان مجرد مدرب لنادي المقاولون العرب الذي كان ينافس في دوري الظل وانتزع كأس مصر من النادي الأهلي وأطاح بالزمالك بعدها في كأس السوبر عام 2004 فتم ترشيحه في نفس العام في شهر أكتوبر لخلافة تارديللي الذي قضى على آمال مصر في التأهل لنهائيات كأس العالم 2006. الشكل العام للمنتخب وقتها كان هزيلا وكثير الشبه بشكله في مباراة جنوب إفريقيا الأخيرة، وغابت عنه التشكيلة الثابتة أو الخبرة، وكان ترتيبه متراجعا قاريا وعالميا، رفض شحاتة وقتها أن يعد بتأهل الفراعنة إلى كأس العالم 2006 ولكنه وعد ببذل قصارى جهده ولم يوفق. بدأ شحاتة في إقامة معسكرات الإعداد الواحد تلو الآخر وبدأ لأول مرة في تصعيد الوجوه الشابة إلى المنتخب من المنتخبات أو أندية منتصف الجدول مثل عماد متعب وحسنى عبدربه الذي شارك لأول مرة في عصر شحاتة، وعمرو زكي وتمكن من تثبيت التشكيل وكان التحدي الأول في بطولة الأمم الإفريقية التي نظّمتها مصر في 2006. الهدف الذي كانت تسعى مصر له من تنظيم البطولة في الأساس كان يكمن في التأهل لكأس العالم حيث كان الاتحاد الإفريقي قد قرر أن يتم اختيار الفرق الخمسة المتأهلة لكأس العالم من فرق المربع الذهبي للبطولة بجوار أفضل خامس، وبالتالي كانت استضافة مصر للبطولة تضمن ذلك بنسبة كبيرة ولكن أحبطت الآمال فيما بعد عندما تراجع "الكاف" عن هذا القرار. الشعب المصري بصفة عامة وقتها كان لديه إحباط كبير من فكرة اختيار مدرب مصري نظرا لأن خبراتهم السابقة مع المدربين المصريين لم تكن عظيمة بالقدر الكافي، وبالتالي كانت المذبحة الإعلامية معدة سلفا لشحاتة في حال فشل في حصد لقب هذه البطولة ولكنه فعلها وواصل الإطاحة بأسماء لمعت لتوها في القارة مثل كوت ديفوار التي تفوق عليها المنتخب في الدور التمهيدي 3-1 وفي النهائي بركلات الجزاء وكذلك السنغال في الدور قبل النهائي 2-1 بهدف الفوز لعمرو زكي. كثيرون هم من رأوا في الفوز بالبطولة إما كان دربا من دروب الحظ الذي خدم مصر بالوقوع في مجموعة سهلة نسبيا ومشوار أسهل نحو نهائي حسم بضربات الجزاء وليس في الملعب، أو كان أمرا طبيعيا على أساس أن البطولة مقامة على أرض مصرية وبالتالي لا إنجاز في الأمر. لكن فوز مصر في البطولتين التاليتين في 2008 و 2010 بغانا ثم أنجولا أخرس كل الألسنة وأثبت أن شحاتة مدرب صاحب فكر وروح وعقلية احترافية بالدرجة الأولى وأضيفت إليها مرتبة عالمية رفيعة بعد الأداء المذهل، الذي قدمه الفراعنة في كأس العالم للقارات بالتغلب على إيطاليا والخسارة أمام البرازيل بصعوبة بعد أن كنا الأقرب للفوز، وحصولنا على المركز العاشر عالميا والأول إفريقيا. حتى على مستوى تصفيات كأس العالم التي لم يتمكن المنتخب من تحقيق النجاح فيها، فبشهادة الجميع كانت المنافسات الأسخن والأفضل للمنتخب المصري والذي احتاج فيها المنتخب الجزائري إلى مباراة فاصلة كي يفوز علينا ويتأهل في ظروف مريبة وأجواء غير مناسبة، لإقامة مباراة عادلة. لكن منذ عام 2010 وشحاتة لم يفطن إلى أن مؤشر المستوى والأداء أخذ في الهبوط وساعته الرملية انقلبت وأوشكت على استنفاد ما فيها من رمال، الوجوه القديمة استهلكت على مدار 6 أعوام وبعضها شاخ وهرم وخرج من الاستخدام، والوجوه الجديدة دخلت بأعداد كبيرة دفعة واحدة ففشلت في التأقلم، لأنه لم يكن تدريجيا بل كان مفاجئا ومربكا لأداء الفراعنة. هكذا وضح الأمر في التصفيات التي كان المنتخب سيئا فيها منذ اللحظة الأولى ولم يكن توقف الدوري بسبب ظروف البلاد السياسية، والأمنية بعد ثورة 25 يناير هو المسئول عما آلت إليه الحال، بل كان الإفلاس الفني والاختيارات الخاطئة هي التي أدت إلى تنازل المصريين عن العرش الإفريقي بعد أن امتلكوه طوال 5 أعوام، فليرحل شحاتة مأسوفا على تاريخه وليس على أدائه الفني وليبقى المنتخب المصري الرمز وليس الأشخاص.