في الوقت الذي تستقبل فيه دور العرض المصرية فيلم "الفاجومي"، الذي يستعرض حياة الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم، يدخل نجم عامه ال 83 من عمره المليء بالنضال والثورة، الذي احتفل بذكرى ميلاده بغناء أشعاره القديمة، التي كان يغنيها مع الشيخ إمام، بمصاحبة عازف العود اللبناني رامي يعسوب. فهو كما يقول عنه الناشر محمد هاشم "مصنع تحريض ثوري لم يكل ساعة عن العمل". ولد أحمد فؤاد نجم في إحدى قرى الشرقية لأم فلاحة أمية من الشرقية (هانم مرسى نجم)، وأب يعمل ضابط شرطة (محمد عزت نجم)، وكان ضمن سبعة عشر ابنا لم يتبق منهم سوى خمسة والسادس فقدته الأسرة ولم يره، أدت وفاة والده إلى انتقاله إلى بيت خاله حسين بالزقازيق حيث التحق بملجأ أيتام 1936 - والذي قابل فيه عبد الحليم حافظ- ليخرج منه عام 1945 وعمره 17 سنة بعد ذلك عاد لقريته للعمل راعيا للبهائم ثم انتقل للقاهرة عند شقيقه إلا أنه طرده بعد ذلك ليعود إلى قريته، بعدها بسنوات عمل بأحد المعسكرات الإنجليزية وساعد الفدائيين في عملياتهم، إلا أن حياته النضالية الفعلية بدأت بعد أن تعرف على رفيق دربه الملحن والمغنى الكبير الشيخ إمام عيسى عقب هزيمة 1967، ليمثلا معًا بحسب الشاعر إبراهيم داود" طلقة رفض في وقت أراد فيه الرئيس السادات أن يمنع كل معارضة في مصر"، وهو ما جعلهما يدفعان ثمن ذلك بالسجن مرات عديدة، حيث يعتبر إمام أول مغني مصري يسجن بسبب فنه، إضافة إلى تجاهل وسائل الإعلام الرسمية لإنتاجهما الفني، وبرغم ذلك التجاهل إلا إنهما قد استطاعا كما يرى الروائي الكبير خيري شلبي" أن يخلقا تيارًا وطنيًا سلاحه الأغنية المقاومة، التي تكسر الهيبة الزائفة للنظام، هذا التيار الغنائي الذي لم يكن مسموحًا له بالوجود في أجهزة الإعلام الرسمية، استطاع أن يحرض الروح الوطنية الكامنة في نفسية الشعب المصري، وحقق له حضورًا قويًا في الوجدان المصري والعربي، ومن هنا دخلت أغنية نجم وإمام تاريخ الوطنية المصرية واتخذت موضعًا مرموقًا استحقته بكل جدارة". تركزت معظم أشعار نجم حول انتقاد الأوضاع السياسية التي مرت بها مصر بعد النكسة وخلال نصر أكتوبر وعصر الانفتاح الاقتصادي، مما جعل البعض ينتقده ويصنفه على أنه شاعر مرحلة معينة انتهت ولم يستطع شعره أن يتجاوزها، إلا إن ثورة الخامس والعشرين من يناير قد كشفت ضحالة هذا الرأي، حيث استعاد الثوار أغاني نجم وإمام طوال أيامها ال18، وكأن أغانيهما "ظلت كامنة داخل الثوار شبابًا ومسنين، ولم يتغنوا بها أيام الثورة لأنها أغاني تصف غضبًا أو شعورًا بالوطنية فقط، وإنما لأنها أغاني عاشت بداخلهم وتربوا عليها" كما يرى الناشر محمد هاشم، ويتفق معه "شلبي" الذي يرى أن"نجم فنان صادق يكتب من أجل غاية وطنية وإنسانية مهمة، لا يمكن أن تكون مرحلية بأي شكل من الأشكال وإنما تكون أعماله صاحبة قدرة على البقاء مدى الزمن، فلم تقف أغانيه مطلقًا عند مرحلة بعينها"، ليصبح نجم بذلك واحدًا ممن تنبأوا فعلا بهذه الثورة وحرضوا عليها، وأمنوا بها من قبل قيامها وهو ما يؤكده الشاعر إبراهيم داود " فنجم كان يتنبأ بالثورة ويؤمن بها وبقيامها قبل سنوات عديدة من حدوثها، وكان دائمًا ما يمازحنا قائلا: "أنا عندي معلومات مش عند المخابرات الأمريكية فيه ثورة في مصر هتقوم"، ولم يقف مجهود نجم في الثورة عند استخدام الثوار لأشعاره فقط، بل امتد ليشارك فيها بنفسه، ولم يتخل عنها في أي يوم من أيامها رغم تقدم السن به، حتى في أيامها العصيبة كيوم موقعة الجمل "نزل نجم إلى الميدان ليقول شعرا وسط الجماهير، غير أبه بالخطر الذي قد يتعرض له وهو في مثل هذه السن" بحسب محمد هاشم، فالثورة المصرية كانت لنجم كما يؤكد هو نفسه بمثابة "مكافأة نهاية الخدمة"، وهو ما جعل لعيد ميلاده هذا العام طعمًا آخر لديه، فيؤكد إبراهيم داود الذي يحرص على "حضور عيد ميلاد نجم منذ حوالي 26 عامًا، لكني لم أره سعيدًا من قبل كما كان بالأمس، ففرحته تلك تعكس شعوره الشخصي بأنه قام بشيء حقيقي وكبير في الشعر والنضال"، أتم أحمد فؤاد نجم المولود في 22 مايو من عام 1928، ثلاثة وثمانين عامًا ولا يزال بحسب "داود" الطفل بداخله ينبض بالحياة، ويداعب الدنيا، فهو كما يقول عنه خيري شلبي "له زمنه الخاص، وروح متحررة من ضغوط الإحساس بكبر السن، لأن قلبه شباب على الدوام، وشباب القلب يمنح الإنسان طاقة قد لا توجد لدى الشباب الصغير، هذه الطاقة هي نفسها التي عاش بها توفيق الحكيم ونجيب محفوظ وغيرهم من العظماء، لأن دائما ماتكون طموحاتهم عالية وتطلعاتهم لمستقبل مشرق تمنحهم الشباب الدائم وتشعرهم بأنهم لايزال أمامهم مهمات يجب القيام بها ومسئوليات يجب الدفاع عنها، لهذا فهم يعيشون كبارًا ويموتون كبارًا". حياة الفاجومي مليئة بالأحداث الكبرى والمنعطفات التاريخية التي لا تمثل حياته وحدها وإنما تعكس تاريخ مصر كذلك، دفعت المخرج عصام الشماع لتأليف فيلم سينمائي يجسد فيه الفنان خالد الصاوى شخصية نجم ويحمل اسمه الذي اشتهر به "الفاجومي"، ويعكس أهم المراحل التاريخية والثورية ونضال الشاعر الكبير ضد الظلم والقهر في ثلاثة عهود مختلفة، ثم يختتم أحداثه بالأحداث الجارية ودور الفاجومى فى ثوره 25 يناير، وهو ما يراه الشاعر إبراهيم داود "تتويجًا لرحلة نجم الطويلة، كما أن توقيت عرضه مناسب جدًا، بعد نجاح الثورة، الفيلم سيعرض لجمهور الشباب ممن لا يعرف نجم وتاريخه النضالي الطويل، ذلك التاريخ الطويل الذي يمتد لستينيات القرن الماضي"، لكن محمد هاشم لا يعتقد "أن أحمد فؤاد نجم يحتاج فيلما سينمائيًا ليعرفه الناس، فنجم معروف للجميع، ولا يوجد في حياته ماهو خفي أو خاص، فنجم قد عاش حياة الصعلقة كما ينبغي، ولم يخجل من ذكر أدق تفاصيلها".