تحولت جدارن كلية الفنون الجميلة بمنطقة الزمالك إلى لوحات تؤرخ لأيام ثورة 25 يناير وتحكي تفاصيلها، بعد أن تطوع طلاب الفرقة الثالثة بالكلية من شعبة الجداريات برسمها تحت إشراف إدارة الكلية. بدأت الفكرة لدي الطلاب مع مشاركتهم في أحداث ثورة 25 يناير التي أخذت من ميدان التحرير مركزا لها وإنطلقت في كل ميادين محافظات مصر. وقتها فكر الطلاب في استثمار قدراتهم الفنية وطبيعة دراستهم لفنون الرسم علي الجدران لتخليد أحداث الثورة علي جدران شوارع الكلية. هدير وشاحي، إحدي الطالبات المشاركات في تأريخ الثورة علي جدران الكلية، شاركت وزملائها في ثورة مصر مثلهم مثل غيرهم من الشباب. توضح هدير أن تفاعلهم مع أحداث الثورة ونتائجها جعلتهم يكتشفون أنفسهم من جديد مع نجاح الثورة وتحقيق هدفها بخلع نظام الرئيس مبارك. تتابع هدير قائلة: أن نجاح الثورة كان دافعهم لتخليد أحداثها التي عاشوها بأنفسهم، وبعد إستشارة مجلس الكلية ورئاسة قسم الجداريات بدأوا في العمل بتشجيع كبير من إدارة القسم والتى قامت بنفسها بإختيار الرسومات الأفضل من بين الرسومات التي إقترحها الطلبة، وكان الإختيار طبقا للمعايير الفنية المحددة. يعتبر الطلبة أن الرسم علي الجداريات نوع من فنون الرسم له طبيعة خاصة من أهم ملامحها مخاطبته كل الشرائح والفئات العمرية بإعتبار أن الجميع يمر بالشوارع وتلتقط عينيه بشكل تلقائى كل المرسوم علي الجدران، بخلاف فنون الرسم الأخرى التي تخاطب جمهورا خاصا، بحسب قولهم، لا يشاهد اللوحات المرسومة إلا داخل معارض الرسم الخاصة ويذهب هو إليها ليرها. يوضح الطلبة أن المارة بالشوارع هم الهدف الأساسي من رسم أحداث الثورة علي جدران الكلية في لوحات فنية ترتقي بمستواهم الثقافى البصري. لكن، لدي الطلبة كان هناك هدف داخلي وهم يمسكون بفرشاهم ليرسموا أحداث الثورة. تقول هدير الوشاحي أن هدفهم الداخلي كان تفريغ كل ما بداخلهم من طاقات فنية تم استلهامها من معايشتهم ومشاركتهم الفاعلة في أحداث الثورة وإحساسهم بواجبهم كشباب يدرس الفن الجدارى فى ترجمة هذا الإحساس إلى فن يعبر عن رؤيتهم لما حدث ويعكس استشرافهم لمستقبل بنى على هذا الحدث. يربط اللوحات خيط عام وهو موضوع الثورة وتجسيد قيمها، كما تتفق جميعها في استخدام علم مصر وتوظيف محتواه الشكلى وألوانه فنيا في كل الصور، في الوقت الذى تنفرد فيه كل صورة بالتعبير عن ذاتها في هذا الإطار بشكل يجعلها متفردة في جمال شكلها وفى هدف مضمونها. علي جدران فنون جميلة يستبدل الطلبة نقل صور شهداء الثورة بملامحهم بشكل نمطي إلى تقديم جوانب في الصورة تبرز معانى إنسانية راقية مثل التضحية والشهادة والصمود ضد الظلم. مرت الفكرة بعدة مراحل حتي وصلت تحويل سور الكلية إلي لوحات فنية متكاملة، وتحكي رنا منير، إحدي الطالبات المشاركات في الرسم، عن تلك المراحل فتقول أنهم قاموا بدراسة لكل الشوارع المحيطة بالكلية بمنطقة الزمالك، بعدما تم التوافق علي اللواحات الفنية، وذلك لإختيار الجدران طبقا لإرتفاعها وعدد المارين عليها. بعد التحديد النهائي للجدران المناسبة للرسم، قسم الطلبة أنفسهم إلى مجموعات كل مجموعة ترسم لوحة محددة. وتلفت رنا إلى أنهم قبل الرسم كان عليهم تنظيف الجدران والأرصفة المحيطة بها حتى يكتمل المشهد النهائي وهو إحياء الحس الجمالى في منظر الشارع بأكمله وليس فقط الجدار. ويوضح الطلبة هنا أنهم قاموا بشراء أدوات التنظيف ومستلزمات الرسم والأدوات والآلات المساعدة لهم علي نفقتهم الخاصة. من جانبه، علق الدكتور صبرى يونس، رئيس قسم الجداريات بالكلية علي فكرة قيام طلابه برسم جدارية تخلد الثورة وتجمل الشوارع قائلا أن ما شهدته مصر بصنيعة أبنائها من ثورة أبهرت العالم جعل من الواجب مساعدة الطلاب على تجسيد معانىها وقيمها في الرسومات الجدارية وهو ما حدث بالفعل. وتابع موضحا أنه وإدارة القسم قد قاموا بإرشاد الطلبة إلى أهمية إرتقاء أفكارهم إلى استلهام المستقبل ولا تختزل معانى الثورة في أذهانهم عند ما حدث في ميدان التحرير فقط، بل لابد أن يتخطى ذلك حتى يستطيعوا تحقيق مستقبل أفضل لأنفسهم. يحلم طلاب الفرقة الثالثة بشعبة الجداريات بكلية الفنون الجميلة، بعد تنفيذهم فكرة رسم الجدارية التي تخلد الثورة، في إستخدام الفن في خدمة تغيير وجه مدن مصر وشوارعها بعد الثورة حتى تصبح جدران الشوارع من حيث الشكل تشع جمالا وإبهارا، ومن حيث المضمون ترسخ لقيم وأحداث عظيمة مرت وتمر بها مصر الآن. من المتوقع أن يقوم الطلبة بحملة قومية لتزيين جدران الشوارع الكبرى في القاهرة وبخاصة الشوارع المطلة على ميدان التحرير برسومات جدارية تخلد من أحداث الثورة وتقضى على العشوائية اللونية والجمالية في هذه الشوارع.