يشبه التاريخ شريط الفيلم السينمائي في سرعة عرضه للمشاهد، التي سرعان ما تتحول إلى ذاكرة الإنسان، بعضها مشاهد ينساها وبعضها يتذكرها في موقف ما. لكن هذا المخزون المتراكم يظل هو رصيد البشرية الذي ترجع إليه قديمًا عبر الأساطير أو الروايات الشفاهية أو البرديات ثم الكتب الورقية أو الصحف والإذاعات، فالسينما التي تجسد في أفلامها حوادث محددة، فالتلفاز بقوالب مختلفة، لكن هذا كله سترونه اليوم في شيء واحد أتاحته التكنولوجيا الحديثة، ألا وهو "ذاكرة مصر المعاصرة" الرقمية. ستعود بكم الذاكرة سنين طويلة إلى الوراء فتردكم إلى الماضي الذي لم نكن نحن جزءا من مشاهده، يوم أن كانت مصر تنهض من غفوتها لينشئ محمد علي الدولة الحديثة، حين كان المصريون يناضلون من أجل تحديث بلادهم والحصول على حقوقهم، وسترونهم يتعلمون في أوروبا، وأنتم تستعرضون مشاهد من حياتهم اليومية في الذاكرة سترونهم وكأنهم أشخاص حقيقيون، يعملون ويقاتلون، ويتعذبون ويناضلون، ويعيشون حياتهم اليومية. وأنتم تشاهدون وتقرأون في ذاكرة مصر وتفكرون في الحوادث واليوميات المشاهدة، فإنكم تكونون قد عرفتم التاريخ في أكمل صورة. كانت هذه الذاكرة فكرة ولدت نتيجة مناقشات مطولة مع الدكتور إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الإسكندرية، الذي كان حماسه وما وفره لنا من إمكانيات ورعاية عاملاً أساسيًا في إنجاز هذا المشروع البحثي، الذي تطلب تعاون فريق العمل في الذاكرة مع قطاع تكنولوجيا المعلومات في المكتبة، وفريق العمل ضم باحثين واعدين، كل منهم أصبح بمرور الوقت مرجعية في موضوع بحثه من حيث عمق المعرفة وتنوع أدواتها. إننا هنا لا ندشن مشروعا بحثيا لفريق عمل سهر الليالي وعمل بجد فقط، بل نقدم للوطن ذاكرته في صورة رقمية لا تحترق ولا تختفي لأي سبب، بل ذاكرة مستمرة للأجيال القادمة، فكأن الماضي يبعث من جديد في صورة مستديمة.