"التجديد في الشعر"، ندوة انعقدت بالقاعة الرئيسية بمعرض القاهرة الدولي ال46 للكتاب، تحدث فيها ثلاثة شعراء لهم تجارب مختلفة في الكتابة، هم: رفعت سلام، عاطف عبد العزيز، شريف الشافعي. في حديثه، قال الشاعر والمترجم رفعت سلام، إن تجديد الشعر خلال الأعوام الخمسين الماضية مر بمنعطفات متعددة، منها حركة الشعر الحر في العالم العربي، وفي مصر، وكان من أبرز أعمدتها بمصر الشاعران صلاح عبد الصبور، وأحمد عبد المعطي حجازي، وأيضًا بعض النقاد النابهين، أمثال الدكتور عبد القادر القط. وأشار سلام إلى نقلة أخرى في تطور مسار القصيدة العربية، وهي "قصيدة النثر"، التي بزغت عربيًّا في خمسينيات وستينيات القرن الماضي في بيروت مع مجلة "شعر"، ثم تبلورت في مصر لاحقا، مع بعض الجماعات الأدبية، ومنها "إضاءة 77". وقال سلام إن "قصيدة النثر" واجهت الكثير من المصاعب، بل الحروب، من كثيرين، في محاولة لوأدها، لكن مع مرور الوقت، صارت هي النمط الشعري السائد والغالب الآن، وتقلص شعر التفعيلة كثيرًا، في حين يبدو الشعر العمودي شبه مختفٍ تمامًا، إلا في بعض قصائد المناسبات، والحالات الخاصة المحدودة. وأشار سلام إلى اعتماد الشعر العربي الحديث في تطوره على نهضة الشعر وتطوره في الخارج، خصوصًا بعد الترجمات البارزة لشعراء كبار أمثال بودلير ورامبو وكفافيس وريتسوس وغيرهم، لكنْ هناك فرق كبير بين الاستفادة والتفاعل، وبين السطو على بعض أعمال هؤلاء، كما حدث من بعض الشعراء العرب للأسف الشديد. وقال سلام: هناك ديوانان، مثلا، للشاعر العراقي سعدي يوسف، هما "مريم تأتي" و"الينبوع"، مليئان بما يمكن تسميته ب"المسخ"، لقصائد شهيرة ومعروفة للشاعر اليوناني يانيس ريتسوس، وقد نسبها سعدي يوسف لنفسه، بعدما قام بترجمتها أولاً، رغم أنها معروفة وذائعة الصيت، وصدرت لريتسوس عن دار عالمية كبرى هي دار "بنجوين". من جهته، تحدث الشاعر عاطف عبد العزيز قائلاً إن الكتابة الشعرية الجديدة لها ملامح عدة، من أبرزها تخليص الشعر مما كان يكبله من مجازات والتواءات واستعارات مفتعلة، وتحقيق التماس مع التفاصيل اليومية بوعي وتكثيف وتقطير، دون الوقوع في فجاجة النقل الميكانيكي للواقع. وأشار عاطف عبد العزيز إلى أن "قصيدة النثر" تعنى كذلك بالصدق، ومقاومة الزيف بكل آلياته، وبمحاولة إعادة اكتشاف العالم، على نحو فردي، ذاتي، وتتشابك مع الإنسان وجوانياته، وتسعى إلى تصالحه مع نفسه، ومع العالم، فضلا عن تصالح الشعر مع فنون أخرى كالموسيقى والتشكيل، واعتبار أن "العروض" التقليدي ذاكرة ثقيلة، لا تخص حياتنا الراهنة. وبعنوان "حرية القصيدة وأسئلة التجديد.. خطوات نحو ثورة القصيدة"، قرأ الشاعر شريف الشافعي ورقة، جاء فيها: أرى أن اللحظة مناسبة لعودة القصيدة الحيوية، المستقلة، أو ميلادها بصورتها النقية، بل لعلها اللحظة التاريخية الأكثر مثالية منذ سنوات بعيدة، بعد أن انهارت الوسائط التقليدية لتوصيل النص، وانقاد النقاد والوسطاء الانتفاعيون إلى مكان بارد في الذاكرة، معلنين إفلاسهم، وعدم قدرتهم على التمرير والمنع في عصر الرقمية والفضاءات المفتوحة. وأضاف الشافعي: هو عصر الفرص المتاحة حقًّا، عصر العدالة الافتراضية المتحققة بقدر مقبول جدًّا، فالعلاقة صارت مباشرة إلى حد كبير بين الشاعر وبين الجمهور في الفضاء الرقمي، وتقلصت مسئولية مؤسسات الدولة، بل كل المؤسسات. الشاعر الآن لا ينتظر إقرارًا من أحد، ولا توقيعًا على مخطوط ديوانه، كي يكون. حتى النشر الورقي ذاته، يبدو وقد تأثر كثيرًا بهذه الثورة الرقمية، فلا ينكر أحد أن تسهيلات عظيمة للغاية قدمتها دور النشر الخاصة، في مصر والمغرب ولبنان على سبيل المثال، في السنوات الأخيرة للشعراء والأدباء الراغبين في النشر لديها. نحن نعيش عصرًا رقميًّا، يقول الشافعي، هذه حقيقة، ولا يمكن أن تغيب تأثيرات وانعكاسات هذه "الرقمية"، كنمط حياة، عما يكتبه الشاعر الحقيقي اليوم، وإلا فإنه يكتب عن عصر آخر، ويعيش حياة أخرى، فوق كوكب آخر! والنشر الإلكتروني للشعر هو أحد، وليس كل، وجوه الاجتياح الرقمي للشاعر. لكن الأهم بالتأكيد من اختيار الشاعر للرقمية كوعاء جديد للنشر، أن يكون ما في الوعاء جديدًا، معبرًا عن معاناة الإنسان في العصر الرقمي الخانق. وأدّعي، أن "حياة الشعر" مرهونة في الأساس بكونه "شعر حياة"، فبقدرة النص الحيوي على النبض الطبيعي والحركة (الحرة)، بدون أجهزة إعاشة وأسطوانات أوكسجين وأطراف صناعية، تُقاس عافيته وخصوبته، ويتحدد عمره الحقيقي، ويمتد عمره الافتراضي خارج المكان والزمان. لكن قبل أن نطالب بأن يعود الشعر خبزًا خالصًا للقراء، ملقين باللوم على عوامل خارجية، يجب أن يلغي الشاعر أولاً المسافة بينه وبين نفسه، وبالتالي تذوب المسافة بينه وبين قارئه، وتخترق قصائده كل الحدود، بحريتها وثوريتها، بقوتها الذاتية، لا بأي دعم خارجي. وليست هناك مسافة أصلاً بين الشاعر والقارئ، شرط ألا تكون هناك مسافة بين الشاعر ونفسه. لمزيد من التفاصيل إقرأ أيضًا :