فى صيحة تحذير من قانون مكافحة الإرهاب، دعا تحالف حقوقي يضم 20 منظمة مدنية مجلس الوزراء لرفض مشروع القانون، الذي تقدمت به وزارة الداخلية، وحذر من كون تمرير القانون من شأنه أن يقنن ما سماه ب"عودة مرتكزات الدولة البوليسية لسابق عهدها قبل 25 يناير"، والتى ازدهرت قبلها بفعل السياسات والقوانين الاستثنائية، التي أطلقت يد أجهزة الأمن بصورة واسعة فى العصف بحقوق وحريات العامة باسم مكافحة الإرهاب. كما حث التحالف الحكومة على استطلاع رأي مقرر الأممالمتحدة الخاص بمكافحة الإرهاب، معتبرا أن مشروع القانون بصورته الحالية يتناقض بشكلٍ صارخ مع توصيات الأممالمتحدة. وذكرت المنظمات الحكومة أن ما وصفته ب"إدمان اللجوء إلى المعالجات الأمنية القمعية طوال ثلاثين عامًا"، والتراخي عن تبني حزمة من السياسات والتدابير الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية، التي تعالج أسباب تصاعد النشاط الإرهابي؛ قد أفضى عمليًا إلى عجز نظام مبارك عن وضع نهاية حقيقية لتلك الأنشطة. وأضافت المنظمات أنه من المفارقات المثيرة، حسب وصفها، أن الحيثيات التي تضمنتها المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون الجديد لا تختلف كثيرًا عن الأسباب التي استند إليها نظام مبارك في تمرير قانونه الاستثنائي الذي فشل في مكافحة الإرهاب الصادر برقم 97 لسنة 1992، وهو ما يُعد وعدًا بإعادة إنتاج الفشل في مواجهة الإرهاب من ناحية، وتصاعد القمع الممنهج للنشطاء السياسيين والمدنيين من ناحية أخرى. ولذلك حذرت تلك المنظمات من أن ما اعتبرته سيرا على نهج نظام مبارك، من خلال تنحية مبدأ سيادة القانون جانبًا، وتغليب المعالجات الأمنية القمعية، واللجوء إلى المزيد من القوانين الاستثنائية، التي تعصف بحقوق الإنسان ومرتكزات دولة القانون؛ سوف يُسهم في اتساع نطاق ظواهر العنف والإرهاب المسلح. كما ذكرت المنظمات تحذيراتها السابقة بأن مكافحة الإرهاب لا تقتضى تفويضًا مفتوحًا لقوات الشرطة أو الجيش بالعمل خارج نطاق القانون، بل تحتاج إلى إلزام الشرطة بمقتضى القانون بأداء واجبها ضد ممارسات العنف المسلح في إطار احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون. وقالت المنظمات إنه من واقع دراستها لمشروع القانون، فإنها تطالب بالآتى: أولاً: مراجعة التعريفات غير المنضبطة للعمل الإرهابي وللجرائم الإرهابية التي كرسها القانون 97 لسنة 1992، والتي تمنح مجالًا واسعًا لتوظيفه في قمع المعارضة السياسية وحريات الرأي والتعبير والمدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني، وأن المشروع عمد إلى توسيع التعريف بصورة تسمح بتطبيقه على نطاق أوسع من الجرائم أو حتى الأفعال المشروعة، مستخدمًا تعبيرات تستعصى على الضبط القانوني من قبيل "الإخلال الجسيم بالنظام العام"، أو "تعريض سلامة المجتمع أو مصالحه أو أمنه للخطر"، أو "إعاقة السلطات عن ممارسة بعض أوجه نشاطها"، أو "تعريض حياة المواطنين أو حقوقهم وحرياتهم للخطر"، أو "منع مؤسسات التعليم من ممارسة عملها"، أو "إذا استهدفت هذه الأعمال تعطيل أو تطبيق أحكام الدستور أو القوانين". وامتد التعريف للعمل الإرهابي إلى "كل سلوك من شأنه الإضرار بالاتصالات أو بالنظم المعلوماتية أو النظم المالية أو الاقتصاد الوطني". وفي تحديده للجريمة الإرهابية، فقد اعتبرها "كل جريمة ترتكب بقصد تحقيق أحد أهداف العمل الإرهابي" وهو الأمر الذي يسمح باستهداف الجماعات السياسية والحركات الاحتجاجية السياسية والاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني. ثانيًا: إن التوسع المُتعمد في الجرائم والأفعال المدرجة باعتبارها جرائم إرهابية، يكشف عن نزعة لتطبيق أحكامه في التنكيل بالمعارضة السياسية وطيف واسع من المنظمات المدافعة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، على حد وصف المنظمات، وهو ما يظهر في المادة 13 من مشروع القانون، التي تُعاقِب بالسجن المشدد كل من أنشأ أو أسس أو نظم أو أدار جمعية أو هيئة أو منظمة، أو تولى موقعًا قياديًا فيها، يكون الغرض منها الدعوة بأي وسيلة إلى تعطيل أحكام الدستور أو القوانين أو الإضرار بالوحدة الوطنية، وأن مصطلح "الإضرار بالوحدة الوطنية" كثيرًا ما يشاع استخدامه لحظر بعض المنظمات المناهضة للتمييز الديني أو المدافعة عن حقوق الأقليات بصورة سلمية. ويمتد الأمر إلى توظيف نصوص القانون في محاصرة حرية الرأي والتعبير والإعلام، حيث تقضي المادة 21 بعقوبة السجن لمدد يمكن أن تصل لخمس سنوات على كل من "روج بطريق مباشر أو غير مباشر" لمنظمة إرهابية أو لارتكاب عمل إرهابي بالقول أو بالكتابة بأي وسيلة من وسائل البث أو النشر أو بواسطة الرسائل أو عبر المواقع الإلكترونية، بل أن هذه العقوبة تطال أيضًا كل من حاز مطبوعات أو أوراق تتضمن هذا الترويج. ويندرج في هذا الإطار أيضًا ما تضمنته المادة 27 من المعاقبة بالسجن لمدة لا تقل عن خمس سنوات لكل من أنشأ موقعًا إلكترونيًا بغرض الترويج للأفكار أو المعتقدات الداعية للعنف. كما تمتد عقوبات السجن في المادة 28 لتطال مستخدمي تلك المواقع. ثالثًا: إن تبني المشروع لتعريفات غير منضبطة للعمل الإرهابي، والنزوع لتوسيع نطاق التجريم على أفعال لا تشكل بالضرورة جريمة إرهابية، يضع نصوص القانون خارج إطار المشروعية، ويُعزز افتقار القانون لقواعد الشرعية الجنائية، عدم تناسب العقوبات مع الأفعال المجرمة. رابعًا: تنطوي نصوص القانون على إخلال فادح بمعايير المساواة أمام القانون وبضمانات المحاكمة العادلة والمنصفة، واستلب من المخاطبين بأحكامه العديد من الضمانات القانونية والإجرائية التي يكفلها القانون الطبيعي لغيرهم من المتهمين. كما يُشكل استحداث نيابة متخصصة لمكافحة الإرهاب، كما تقضي المادة 40 مدخلًا لتدخل السلطة التنفيذية عبر وزارة العدل في تسيير شئون العدالة، ويُزيد من الشكوك في حياد القضاة أوالمحققين. وأخيرًا، فإن المنظمات الحقوقية الموقعة، تؤكد إدانتها المطلقة لجميع أعمال العنف المسلح، والتي تصاعدت بشكل خاص منذ سقوط نظام الرئيس محمد مرسي أيًا كانت بواعثها وذرائعها، وتُشدد على ضرورة محاسبة مرتكبيها بصرف النظر عن انتماءاتهم. غير أن هذه المنظمات تؤكد مجددًا على أن مكافحة ظواهر العنف المسلح تقتضي إلى جانب المواجهة الأمنية التي تتوافق مع المعايير الدولية في هذا الصدد في إطار من الالتزام بحقوق الإنسان، تبني حملة من التدابير والسياسات لمعالجة المظالم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي شكلت بيئة خصبة لازدهار جماعات العنف المسلح والإرهاب. كما تشدد على أن قدرة قوات الأمن على التصدي لأعمال العنف والإرهاب، تقتضي منح الأولوية للإصلاح الأمني والارتقاء بالأداء المهني للشرطة، والاستعانة بالتقنيات الحديثة في أساليب التحري والاستدلال وجمع المعلومات، مثلما تقتضي أيضًا إعمال قواعد المساءلة والمحاسبة ومنع الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة من جانب قوات الأمن. وإن العدالة لا تتجزأ، وإنزال العقاب العادل على مرتكبي أعمال العنف لا يمكن أن يؤتي ثماره في غياب المحاسبة على الجرائم الشرطية التي تجري في سياق التصدي لهذه الأعمال. حيث يُشكل الإفلات من العقاب باعثًا لتفشي نزعات الثأر والانتقام ضد الشرطة. من المنظمات الموقعة على البيان: مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان؛ الائتلاف المصري لحقوق الطفل؛ الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية؛ جمعية حقوق الإنسان لمساعدة السجناء؛ الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان؛ المبادرة المصرية للحقوق الشخصية؛ مجموعة المساعدة القانونية لحقوق الإنسان؛ مركز الأرض لحقوق الإنسان؛ المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية؛ مركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف؛ مركز حابي للحقوق البيئية؛ مركز هشام مبارك للقانون؛ مركز وسائل الاتصال الملائمة من أجل التنمية (أكت(؛ مصريون ضد التمييز الديني؛ المنظمة العربية للإصلاح الجنائي؛ مؤسسة المرأة الجديدة؛ المؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة؛ مؤسسة حرية الفكر والتعبير؛ مؤسسة قضايا المرأة المصرية؛ نظرة للدراسات النسوية.