المصري منا ما هو مجموعة أوراق، ولكنها ليست ككل الأوراق أنها المزيلة بختم النسر شعار الدولة المصرية، الذي يضفي عليها المصداقية لدى الجهات الرسمية، التي تعاملت معه كأنه قداس القداس. ففي كل جهة رسمية كان هناك شخص واحد يحمل أختام النسر، الحارس الأمين عليه من عبث العابثين أو امتهان العامة من الموظفين. فإذا غاب هذا الحارس، فيا ويل من يطلبه من المواطنين من تعطيل للمصالح الشخصية وانتظار طال أو قل، ليس مهم، فالانتظار فريضة واجبة حتى يأتي سعادته حاملاً هذا المبجل " النسر " ليختم به الأوراق يعطيها المصداقية المطلوبة. فباتت العلاقة بين المواطن والنسر، علاقة ارتباط وظيفية غير قابلة للفكاك، وصلت لحد العبادة والتوسل اليومي، وتحديداً الأول الذي يرتبط وجوده بالحياة ومعيشته بل حتى إعلان وفاته وخروجه من الدنيا بهذا النسر المبجل. فلن يصدقك أحد من دون اعتماد النسر لما تريد أن تقوله، فهو الملاك الحارس لك دوماً من دونه أنت لا شيء. ولكن فجأة مع حالة الفوضى التي شهدتها مصر طوال الأسابيع الماضية، اختفى هذا النسر من داخل المصالح والوزارات الحكومية، نتيجة التدمير التي تعرضت له تلك المقار، إلا أن الأخطر هنا، السرقات المتعمدة التي تعرضت لها أختام النسر، بحيث انتقلت إلى أيدي غير مؤتمنة عليه بالمرة، بعدما اختفي الكاهن الأكبر وحارسه الأمين. ولم تكن هذه المرة الأولى التي يختفي فيها ختم النسر، وإنما سبقتها حالات ضياع مماثلة وتحديداً عام يونيه 2008 حينما ضاع 25 ختم نسر من مصالح حكومية كانت أمنية بالأساس، إلا ما حدث اليوم هو أوسع حالات اختفاء مجهولة المصدر، شأن الحالة السابقة أيضاً. وهو ما يطرح تساؤل كبير ليس مصير هذه الأختام، الأهم عمليات التزوير الواسعة التي سوف تتم نتيجة هذا الاختفاء المريب. فقد باتت لدى أي شخص حصل على إحدى هذه الأختام أن يصك من الأوراق والشهادات ما يحلو له من دون رادع. وهو ما سوف يحدث كارثة لن نشعر بها إلا بعد فترة زمنية. ولذا يجب أن يكون تدخل لمواجهة هذا الكارثة الواقعة لا محال، من خلال إجراءات رادعة. ولذا نطالب المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وحكومة تسيير الأعمال برئاسة أحمد شفيق ايلاء هذا الأمر الأهمية الواجبة، لكون الحقيقة معرضة للتزوير، فكم من شهادات وصكوك وأوراق يمكن إصباغ الرسمية عليها وتغيير وقائع وتحيي أموات وتميت أحياء. والكارثة هنا أن تلك الأختام يصعب ليس العثور عليها من جديد، أو حتى كشف مصداقية الأوراق صكت بها. فإذا كان مسئولي وزارة المالية، وهي الجهة الوحيدة التي تتولى صناعة وتوريد الأختام الرسمية عبر مصلحة سك العملة، حاول بث الطمأنينة فينا، من خلال التأكيد على أن لكل ختم بصمة أو رقم كودي مكمل للختم مكمل له ليسهل الاستدلال ومعرفة الجهة التي صاحبة الصفة الرسمية علي المستند، وذلك في حالة استغلاله في التزوير أو التزييف أو فقد الختم ولإمكانية الحد من وقوع حوادث الاختلاس بالأموال العامة. إلا أن ذلك سوف يثير مسألة التشكك في كل الأوراق الرسمية، وإخضاعها المتواصل لعملية الكشف عن التزوير، في سلسلة طويلة من العمليات الإدارية التي ستهدر الوقت والمال في آن واحد. فنحن على وشك كارثة إنسانية يجب أن يتنبه إليه الجميع للاتفاق على الحلول الموضوعية لها. فقانون العقوبات المصري، يعاقب على تقليد ختم النسر من 5 7 سنوات حسب نوع الختم بين حكومي وغير حكومي، إلا أنه لا توجد عقوبة للحالة التي نحن عليها الآن، لكون المشرع القانوني لم يدور بخلده حالة الفوضى التي شهدناها طوال الأسابيع الثلاثة الماضية. اقترح مسئول بمصلحة سك العملة، بديلا يتسم بقدر عال من المصداقية، يقوم على قيام المصلحة بإلغاء جميع أختام النسر السابقة على توقيت 25 يناير 2011، واستبدالها بأختام جديدة ذات كود بارز جديد يمكن التعرف عليه بسهولة. حتى هذا الاقتراح أن كان يسد فجوة في تزييف تاريخ ما بعد هذا التاريخ، فإنه لا يمكن أن يؤمن تزييف ما قبله.