التحرير.. ميدان انطلقت منه معظم ثورات مصر.. وشاهد عيان على أهم الأحداث فى تاريخ مصر، أضافت ثورة 25 يناير إليه صفحة ناصعة البياض فى تاريخه.. كما أضاف شباب ثورة يناير ليوم الجمعة قدسية "سياسية" كبيرة، - إضافة لقدسيته الدينية- بعد جمعات "الغضب، الرحيل، الصمود"، التى تحكى ملحمة شعبية فى حب مصر. إذا كنا نتغنى بيوم 23 يوليو، يوم "ثورة ضباط الأحرار" التى نقلت مصر من النظام الملكي إلى النظام الجمهوري، فسيبقى يوم 25 يناير تاريخًا حاضرًا فى أذهان كل الأجيال الحالية والمقبلة، مع الفارق الكبير بين التاريخين فالأول لثورة أو انقلاب عسكري، والثاني لثورة "شعبية سلمية". شتان ما بين حال شوارع مصر الجديدة يوم اغتيال الرئيس أنور السادات، ويوم تنحى الرئيس مبارك، فالفارق كبير، حيث يصف حالها مراسل وكالة أنباء رويترز الذى حضر يوم اغتيال السادات، وشاهد يوم تنحى مبارك. وما إن رحل مبارك، وأسقط الشعب النظام، إلا ورفع شباب 25 يناير شعارًا جديدًا وهو "الشعب يريد إعمار البلاد" فى خطوة جديدة منهم تهدف إلى نقل مصر إلى مصاف الدول المتحضرة فى أقل وقت ممكن". فى الموضوعات التالية، مزيد من التفاصيل عن حكاية ميدان الثوار – التحرير، والقدسية السياسية لليوم الجمعة، والفرق بين ثورة الضباط الأحرار 1952، وثورة 25 يناير 2011، إضافة لوصف دقيق، لحال شوارع مصر الجديدة يوم اغتيال السادات ويوم رحيل مبارك.. ولنبدأ بحكاية ميدان التحرير. منذ بدء ثورة 25 يناير واعتصام الآلاف فى الميدان، أصبح ميدان التحرير رمزًا للثورة المصرية وعلى مدى 18 يومًا هى عمر الثورة المباركة التى اجتاحت أنحاء مصر كان هدف المعتصمين والمتظاهرين فى كل محافظة أن يكون لديهم "ميدان التحرير" الخاص بهم لتصبح جميع ميادين مصر ميدانًا للتحرير. أنشئ ميدان التحرير في أواخر القرن التاسع عشر في عهد الخديو إسماعيل، ضمن خطة لتطوير القاهرة على غرار الطراز الأوروبي قادها الخديو بنفسه، بدأت ببناء قصر عابدين ليصبح مقرًا لحكم مصر بدلا من قلعة صلاح الدين، وأعاد الخديو إسماعيل تخطيط المنطقة المحيطة بالقصر فردم مجموعة من البرك كانت أمام بوابته الرئيسية، وأنشأ شارعا مواجها لتلك البوابة أطلق عليه شارع الإسماعيلية، يمتد بطول نحو 1.5 كيلومتر ينتهي بالميدان الذى عرف وقتها باسم "ميدان الإسماعيلية". ثم تغير الاسم إلى ميدان التحرير نسبة إلى التحرر من الاستعمار فى ثورة 1919 ليترسخ الاسم رسميا فى عهد ثورة 23 يوليو عام 1952، ويحاكى الميدان فى تصميمه ميدان شارل ديجول بالعاصمة الفرنسية باريس، ودائما ما كان الميدان رمزا وشاهدا على حرية الشعب المصرى وصموده فضلا عن كونه قبلة ومركزا لاحتجاجاته، حيث كان الميدان شاهدا على عدة مواجهات بداية من المواجهات بين المصريين وبين قوات الاحتلال البريطانى ومرورا بمواجهات المحتجين المصريين وقوات الأمن يومى 18 و 19 يناير عام 1977 والتى كانت فى عهد الرئيس محمد أنور السادات ردا على ارتفاع ثمن الخبز فيما ما سمى بثورة الخبز، وانتهاءً بثورة 25 يناير حتى أصبح رمزا لتلك الثورة . وتوجد بميدان التحرير مجموعة من المعالم الهامة مثل المتحف المصري والمبنى القديم للجامعة الأمريكيةبالقاهرة، ومجمع المصالح الحكومية المعروف اختصاراً بمجمع التحرير، و الذي قام بتصميمه المهندس الدكتور محمد كمال إسماعيل و مقر جامعة الدول العربية و أحد المبانى الأثرية الذى كانت تحتله وزارة الخارجية المصرية و فندق النيل هيلتون. وطوال أحداث الثورة المجيدة استحق ميدان التحرير ما لقبه به الكثيرون "دولة ميدان التحرير" فكان بمثابة دويلة داخل الدولة مصر، وهى دولة جديدة نشأت من رحم لحظات اليأس والرغبة فى الحرية وغد أفضل . قاد المعتصمون تلك الدولة باقتدار فحددوا حدودها التى هى مداخل ومخارج الميدان ونظموا أنفسهم لجبهات دفاع ضد أى اعتداء من البلطجية والمأجورين لإفساد سلمية تظاهرهم، وشكلوا جهازا إداريا لإدارة الخدمات العامة والأساسية مثل نظافة الميدان ،و الأمن الداخلى، الغذاء، الصحة، والإعلام فأنشأوا مستشفى ميدانى و إذاعة للثورة تتحدث باسمهم وتذيع الأغانى الوطنية باستمرار التى كانت تسليتهم الوحيدة . والآن بعد أن حققت الثورة أول مطالبها الذى تمثل بتنحى الرئيس مبارك عن الحكم وإسقاط نظامه لم ينس شباب الثورة دولتهم الصغيرة التى انطلقوا منها نحو الحرية فبرزت دعواتهم على شبكة الفيس بوك المكان الذى انطلق منه مجلس قيادة ثورتهم لتنادى بأن يتركوا الميدان أجمل مما كان من قبل . فتعددت الدعوات لتنظيف الميدان وتجميله و إزالة كل مظاهر التدمير والعنف والمخلفات التى خلفتها الأسابيع الماضية منذ بدء الثورة ، كذلك أطلقت إحدى الناشطات حملة لتحويل الميدان لقطعة فنية تعبر عن أحداث الثورة على أن يتوسطه نصب تذكارى فنى ضخم يتوسط ميدان التحرير عبر جروب " تحويل ميدان التحرير لقطعة فنية تعبر عن الثورة " وطالب الكثيرون بتغيير اسم الميدان ليصبح "ميدان الشهداء" تحية تقدير وإعزاز إلى شهداء الثورة المصرية.