تعددت المظاهرات، والهدف واحد، هو التعيين أو التثبيت. حين يرى الإنسان ظروفه المعيشية تتهاوى أمامه وينظر حوله ليجد من "يلعب" بالملايين والمليارات ، وفى المقابل يجد راتبه فى نهاية الشهر لايتجاوز 300 جنيه على أقصى تقدير، وقتها تنطلق "ساعة الغضب" ضد "التعيين المؤقت" وتدنى الأجور، وتتعالى الأصوات ضد "مسكنات التعيين"، لكن وقتها لن تنطفئ النيران إلا بقرار حقيقي يسمح لهم بالانضمام إلى صفوف المعينين. وكل ذلك يحدث فى وقت استمرت فيه ثورة 25 يناير ، مما جعل الحكومة بكافة هيئاتها ووزاراتها تجد نفسها فى موقف لاتحسد عليه ، وبات كل مسئول يخشى من الإطاحة به ، إذا غضب عليه من يعملون معه ، وبات أيضا كل مسئول يحاول إرضاء عماله ، بعدما أعطى لنفسه " الضوء الأخضر" فى تعيين المؤقتين بهيئته أو وزارته فى ظل تعهدات حكومية بتعيين كافة المؤقتين بالدولة حسب الأقدمية وحسب جدول زمنى محدد. بداية تنفيذ تعهدات الحكومة بالقضاء على البطالة وتعيين العمالة المؤقتة ، جاءت على لسان وزير الزراعة الدكتور أيمن أبو الحديد الذى تعهد "بل وأقسم بالله" إنه سيتم تعيين كافة المؤقتين بالوزارة ، معلنا عن تثبيت 95 ألف شاب هم مجمل العمالة المؤقتة بالوزارة ، وضاعف من تحركاته الجادة نحو هذه الخجطوة بإرساله خطابا لوزير المالية يطالب فيه بتدبير المبالغ اللازمة لعمل عقود تأمين شاملة لجميع المؤقتين تقدر بنحو 581 مليون جنيه سنوياً. ومن الزراعة إلى الاتصالات ، حيث وافق المهندس عقيل بشير رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية للاتصالات على تعيين كل العمالة المؤقتة بالشركة خلال 10 أيام على الأكثر وزيادة نصيب أبناء العاملين فى التعيينات الجديدة ، إلى جانب منح العاملين الشركة علاوة استثنائية قدرها 15 % اعتبارا من أول أبريل المقبل ، وهى العلاوة التى قررتها الدولة منذ عدة أيام ولم تقرها الشركة إلا بعد أن شهد عدد من سنترالات الجمهورية مظاهرات واحتجاجات من العاملين رفعوا خلالها عددا من المطالب على راسها التعيين. لم تغب وزارة الكهرباء عما اتخذته وزارات عدة فى الحكومة الجديدة عن سياسة "نيل رضا العاملين بها" وأصدر الوزير حسن يونس قرارا بتثبيت 4217 عاملا مؤقتا وترقية 1954 عاملا بالشركة القابضة و16 شركة تابعة شركة تابعة لها إلى درجة كبير فنيين وحرفيين وكتاب ، وزيادة الحد الادنى لقيمة الدواء المنصرف للعامل الى 2000 جنيه شهريا. "هوجة التعيينات" التى اطلقها الوزراء الجدد طالت أيضا وزارة البترول إحدى الوزرات الاستراتيجية فى مصر ، حيث أعلن وزيرها سامح فهمى تثبيت 2000 عامل مؤقت بشركة بتروجيت وترقية أربعة آلاف آخرين . وبعد جدل واسع استمر سنوات طويلة حول العاميلن المؤقتين بقطاع الآثار ، جاء تعيين الدكتور زاهى حواس وزيرا، ليضمد جراح العاملين فى هذا القطاع ، ويقرر تثبيت ال12 ألف عامل الذين تعاقد معهم المجلس الأعلى للآثار خلال السنوات الماضية. "هوجة التعيينات" رغم كونها خطوة إيجابية تم اتخاذها خلال فترة لم تتجاوز الأسبوع ، مع مجئ حكومة شفيق ، وفشل الحكومة السابقة فى اتخاذها على مدار ست سنوات ، لكن اصطحبت هذه الهوجة من التعيينات ، هوجة جديدة لكن تحت مسمى "هوجة الاعتصامات" التى أطلقها العاملون فى غالبية الهيئات والوزارات ، تزامنا مع استمرار "ثورة 25 يناير" ، الأمر الذى يطرح تساؤلات عدة تختص بهذا الشأن. فهل تزامن الاحتجاجات العمالية الحالية مع الثورة بمثابة فرصة ثمينة لأخذ الحق الضائع "تالت ومتلت" فى ظل هذه الظروف الصعبة التى تمر بها مصر؟.. ولماذا تحديدا خرجت جموع العمال مطالبين بحقوقهم؟. وما تأثير هذه الإحتجاجات على الوضع المصرى فى الفترة الحالية تحديداً؟. الدكتور عبد المطلب عبد الحميد رئيس قسم الاقتصاد بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية يرد على تلك التساؤلات بقوله:" العامل المصرى تعود على قنص الفرصة فى المطالبة بحقه ، وكل عامل يعلم الآن أنه لو اعتصم أو تظاهر من أجل مطلب له، سيتم تنفيذه فى الحال ، خاصة أن الحكومة الجديدة تريد تهدئة الأمور بأى شكل ، وبأى طريقة ، مهما كانت الخسائر المادية التى ستتعرض لها فيما بعد". وأضاف: " لكن ليس عيبا أن يطالب العمال بحقوق سلبها منهم رؤسائهم من قبل ، خاصة وأن هذه الحقوق مشروعة ، وبالتالى هذه الإحتجاجات العمالية التى اجتاحت غالبية القطاعات ، خرجت من منطلق شعورها بالظلم الذى تعرضوا له خلال الحكومة السابقة، لكن التخوف حاليا هو عدم قدرة الحكومة الجديدة على الوفاء بتعيين كل المؤقتين ، وتظل الاحتجاجات مستمرة ، وأيضا الثورة مستمرة ووقتها تخرج الأمور عن السيطرة ، وبعدما كان الجميع متحداً من أجل التغيير ، باتت كل جهة تطالب بحقها بغض النظر عن المصلحة العامة التى اتى بها التغيير". الدكتور عصام درويش عضو المجالس القومية المتخصصة شعبة السياسات المالية والإقتصادية ،برئاسة مجلس الوزراء، ورئيس مؤسسة المالك للتنمية الإنسانية ، رأى من جانبه أن ثقافة "استغلال الفرصة" و"لى الذراع" غالبا ما يتم اتباعها من جانب فئات معينة فى مصر عند المطالبة بالحقوق ، لكن لايجب أن تكون الإحتجاجات بمثل هذه الطريقة ، فعلى الجميع ان يعنى أن مصر حاليا تمر بظروف صعبة ،والمطالبة بالحقوق لايجب ان يأتى بطريقة فوضوية كما يفعل البعض من العمال ، لكن لاأحد ينكر أن هذه حقوق مسلوبة منذ سنوات ، ستتحملها الحكومة الحالية وحدها. وبتحليل اقتصادى من واقع الأزمة العمالية الحالية فى مصر . قال درويش: إن مايحدث حاليا كان لابد أن يحدث ، مهما طال الزمن ، والفجوة الحاصلة حالياً تتمثل فى المطالبة المتعددة فى ظروف داخلية غير مستقرة بالمرة ، فالحكومة تحاول بناء اقتصاد جديد ، واستعادة الاستثمارات التى خرجت من مصر ، وهيكلة الأجور بما يتناسب مع الأسعار، وفى محيط كل ذلك ، عليها تنفيذ وعدها بتعيين كل المؤقتين فى الدولة ، الأمر الذى يضع الحكومة فى مأزق شديد ، لكن ، مافعلته بعض الوزارات بتقديم "التعيين" قبل "هوجة الإعتصام" أكبر دليل على أن الحكومات السابقة فاشلة ، والآن يشعر كل عامل قَبِل أن يستمع "لمسكنات" المسئولين السابقين أنه "انخدع "وعليه أن يأخذ حقه من الحكومة الحالية. وقال الدكتور حسن سلامة أستاذ مساعد علوم سياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة:إن المجتمع تغير بعد 25 يناير الماضي، إذ إكتشف حاجته لإعادة بناء ذاته، لافتا إلي تأثر الناس بحالة عامة من المزاج الاحتجاجي تري فيه السبيل الأمثل للحصول علي حقوقها. وقال سلامة: أتفهم تأثر الناس بالمظاهرات، فحق التظاهر والتعبير السلمي مكفول للجميع، لكنها لن تكون السبيل الدائم للحصول علي حقوقهم وعلينا البحث عن قنوات أخرى، لأن الاستمرار هنا يعني إفشال طريقة التشاور والمطالبات والتقليل من قيمة ميدان التحرير كرمز للتظاهر، مؤكدا أنه وكمحلل سياسي ضد تجزئة القضايا. ودعا سلامة إلي ضرورة إيجاد قنوات للتعبير عن المطالب وأهمها إيجاد وسيلة للحوار والتفاهم بين الرئيس والمرؤوس، فكل رئيس هو مستبد برأيه ولدينا دائما أوامر من فوق إلى أسفل ولا يوجد حوار متبادل. وإعتبر سلامة أن فكرة التوجيه الحكومي بالتعيين هو مجرد " مسكن" وحل غير واقعي للأزمة، لأن الدولة والمجتمع يواجهان معضلة أساسية وهي معضلة البطالة، وحلها يستلزم البعد عن التقليدية. وقال: في وقت كنا نبعد عن التعيين لأن ميزانية الدولة لا تحتمل ولأننا لا نحتاج لأشخاص" يقعدواعلي مكاتب" لكننا في احتياج لحلول بديلة وإعادة توظيف الأفراد بما يتناسب مع مهاراتهم وقدراتهم.