ضباب يزحف على سماء المحافظات، تحذير عاجل من الأرصاد بشأن الشبورة المائية    ضباب وشبورة كثيفة.. «الأرصاد» تحذر من الساعات المقبلة    قرار قضائي جديد بشأن المتهم بسرقة سيدة بالعجوزة    جدول مباريات اليوم حول العالم: مواجهات قوية في أوروبا وإفريقيا    البث المباشر لمباراة ليفربول ونوتنجهام فورست في الدوري الإنجليزي    بعد تصديق الرئيس.. تعديلات قانون الإجراءات الجنائية نقلة حقيقية في ملف حقوق الإنسان    أسعار الدواجن والكتاكيت والبيض في السوق المصرية    إدارة الطيران الأمريكية تحذر الطيارين من مخاطر التحليق فوق فنزويلا    «يوميات ونيس».. العمل الذي صنع ذاكرة جيل ورسّخ قيم الأسرة في الدراما المصرية    برنامج «دولة التلاوة» يعيد لمة العيلة المصرية على شاشة واحدة    فلسطين.. جيش الاحتلال يقتحم حي الضاحية في نابلس شمال الضفة الغربية    مباراة العار، اشتباكات بين متظاهرين لدعم غزة والشرطة الإيطالية خلال لقاء فيرتوس ومكابي تل أبيب (فيديو)    بيسكوف: مستوى اتصالات التسوية بين موسكو وواشنطن لم يحدد بعد    رئيس المدينة اكتشفه بالصدفة، هبوط أرضي مفاجئ أمام مستشفى ميت سلسيل بالدقهلية (صور)    ماذا حدث في ليلة ختام مهرجان القاهرة السينمائي؟.. التفاصيل الكاملة    المرأة العاملة| اختيارها يحمي الأسرة أم يرهقها؟.. استشاري أسري يوضح    صافي الأرباح يقفز 33%| بنك البركة – مصر يثبت قوته المالية    من 18 إلى 54 ألفًا.. زيادة تعجيزية تهدد مصدر رزق مزارعي بهادة بالقليوبية    محمد موسى يهاجم الجولاني: سيطرتك بلا دور.. والسيادة السورية تنهار    أبرزها وظائف بالمترو براتب 8000 جنيه.. «العمل» توفر 100 فرصة للشباب    محمد التاجي: لولا تدخل السيسي ل"طبل" الجميع للانتخابات وينتهي الأمر دون كشف التجاوزات    حدد الموعد، رئيس الاتحاد الفرنسي يتحدث عن اقتراب زيدان لتدريب منتخب الديوك    «دولة التلاوة» تعيد الحياة لصوت أول قارئة للقرآن بالإذاعة المصرية    تطورات مثيرة في قضية سرقة عصام صاصا للحن أغنية شيرين    التوقعات السامة| خبيرة أسرية توضح كيف تحول الزواج لعبء على المرأة    استشارية: خروج المرأة للعمل لا يعفي الرجل من مسؤولية الإنفاق أبدًا    عضو "الشؤون الإسلامية" يوضح حكم التعامل مع الدجالين والمشعوذين    مداهمة مفاجئة تكشف الإهمال.. جمعية زراعية مغلقة وقرارات حاسمة من وكيل الوزارة    محلل سياسي عن لقاء السيسي ورئيس كوريا: مصر مركز جذب جديد للاستثمارات    شيكو بانزا يوضح سبب تأخر عودته للزمالك    الصورة الأولى لعروس المنوفية التي لقيت مصرعها داخل سيارة سيارة الزفاف    اتحاد الكرة يعلن حكام مباريات الأحد في الدوري الممتاز    مصطفى حجاج يكشف حقيقة الخلاف بينه وبين هاني محروس    مارسيليا يتصدر الدوري الفرنسي مؤقتا بفوز ساحق على نيس    ترامب: نعمل مع لبنان لتحقيق السلام في الشرق الأوسط ونمارس ضغوطًا لنزع سلاح حماس    الجيزة: تعريفة ثابتة للسيارة بديلة التوك توك ولون موحد لكل حى ومدينة    محلل أداء الأهلى السابق: الفريق استقبل أهدافا كثيرة بسبب طريقة لعب ريبيرو    مسئول إسرائيلى: سنحصل على الشرعية لنزع سلاح حماس إذا لم ينجح الأمريكيون    أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. ترامب: ممدانى رجل عقلانى جدا ونتفق فى الغاية وهو ليس جهاديا.. طوارئ فى فرنسا استعدادا لحرب محتملة مع روسيا.. وزيلينسكى عن الخطة الأمريكية للسلام: نواجه لحظة حاسمة    أخبار × 24 ساعة.. السياحة: 1.5 مليون سائح ألمانى زاروا مصر منذ بداية 2025    إعدام كميات كبيرة من الأغذية والمشروبات غير الصالحة بالمنوفية    أحمد حسن يكشف أسباب عدم ضم حجازى والسعيد للمنتخب الثانى بكأس العرب    محمد أبو سعدة ل العاشرة: تجميل الطريق الدائري يرتقى بجودة حياة السكان    صلاح بيصار ل العاشرة: أحمد مرسي علامة كبرى في الفن والأدب السريالي    اكتشاف عجز 44 طن سكر داخل مضرب بكفر الشيخ.. وضبط أمين المخازن    رمضان صبحي أمام المحكمة في قضية التزوير| اليوم    بسبب ركن سيارة.. قرار هام في مشاجرة أكتوبر    11727 مستفيدًا في أسبوع سلامة الدواء بالمنوفية    نصر عبده: إعادة الانتخابات تصحح الصورة الدولية.. ومصر تأتي ببرلمان يريده الشعب    رئيس جامعة المنيا يناقش إعداد الخطة الاستراتيجية للجامعة 2026–2030    جعجع: لبنان يعيش لحظة خطيرة والبلاد تقف على مفترق طرق    عالم بالأوقاف: الإمام الحسين هو النور المكتمل بين الإمامة والنبوة    البابا تواضروس الثاني يلتقي مقرري اللجان المجمعية    شوقي علام حول التعاملات البنكية: الفتوى الصحيحة تبدأ بفهم الواقع قبل الحكم    كيف يؤثر تناول السكر على مرضى السكري وما الكمية المسموح بها؟    «الزراعة» تواصل حملاتها لحماية الثروة الداجنة    جامعة بنها ومؤسسة حياة كريمة ينظمان قافلة بيطرية بمنشاة القناطر    الجالية المصرية بالأردن تدلي بأصواتها في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشاعر رفعت سلام ل"بوابة الأهرام": المثقف فاعل دائمًا.. والتاريخ لا يصنعه المنتظرون!
نشر في بوابة الأهرام يوم 16 - 03 - 2013

يرى الشاعر رفعت سلام، أحد أبرز شعراء جيل السبعينيات في مصر، أن ما ينقص "الأخضر" ليكون "شجرة" في الواقع المصري والعربي هو "عصفور" أو سرب عصافير!
ويوضح صاحب الدواوين اللافتة "وردة الفوضى الجميلة" و"إنها تومئ لي" و"هكذا قُلتُ للهاوية" و"إلى النهار الماضي" و"كأنَّها نهاية الأرض" و"حجرٌ يطفو على الماء"، و"هكذا تكلم الكركدن" (الصادر حديثًا)، وغيرها، في حواره مع "بوابة الأهرام" أن الشاعر، والمثقف عمومًا، كيان فاعل، يناط به دور إيجابي دائمًا.
ويشير إلى أن التاريخ لا يصنعه المنتظرون، ولا يتغير بانتظار ما قد لا يجيء. فالانتظار سكون، وكبح للفعل الإنساني، بل تنازل عن الحق في الاختيار، أحد أبعاد الحرية.
ويعترف سلام، وهو أيضًا المترجم البارز الذي قدم للمكتبة العربية خلال الأعوام الثلاثة الماضية ترجمات الأعمال الشعرية الكاملة لكل من: كفافيس وبودلير ورامبو، بأنه لا يمارس الترجمة هذه الأيام، ولن يعود إليها قريبًا، حيث إنه يمنح نفسه فرصة لالتقاط الأنفاس.
وهكذا دار الحوار مع الشاعر والباحث والمترجم رفعت سلام، حول ديوانه الأخير، والعديد من الشئون الثقافية..
- في ديوانك الأخير " هكذا تكلم الكركدن" عن قصور الثقافة، نرى الشاعر، والفيلسوف، يلوذ بالخرافة، وبالحلم، ويستدعي تاريخ الإنسان منذ براءته الأولى. هل سلاح "الماضي" هو الأمضى، فيما تتصور، لمواجهة محنة الحاضر ومحاولة الخلاص منها؟ وهل الانتظار الوجودي يمثل أحيانًا حلاًّ، أم أن فعلاً وأفعالاً يجب أن تتفجر؟
**هو ليس "الماضي"، بل "الماضي المستمر" الذي يسكننا ويشكلنا، ويسند انتصاب قامتنا في مواجهة العالم؛ أي هو الماضي "الحي" الذي يُثري العقل والروح، ربما- في التاريخ المصري- منذ صرخة "الفلاح الفصيح" مطالبًا بالعدل، وأن يكون الحاكم هو "الميزان"، لا أن يسرق أو يتواطأ مع "اللص".
صرخة أليمة، مديدة، تعبر الأزمنة والتواريخ إلينا، وتدعم- حتى بلا وعي منا- تلك الهتافات والصرخات المصرية الراهنة في الميادين والشوارع المصرية المختلفة، التي تتمسك بالصرخة الأولى، الحلم الذي لم يتحقق بعد، منذ ذلك الحين السحيق.
فالزمن والتاريخ- عندي- ليس مجزأ إلى وحدات منفصلة، متعالية، عن الحضور الإنساني. إنه زمن وتاريخ واحد، بلا تجزئة، تتراكم منجزاته الإنسانية داخل الوعي واللا وعي الإنسانيين بلا تمايز، بخاصةً لدى الشعوب المؤسسة للحضارات، كالشعب المصري. ولعلني أميز فيهما "الحي"- الذي يتجاوز حقبته الزمنية المحددة إلى أفق إنساني- عن "الميت" المرتبط بحقبته وملابساته التاريخية، بلا قدرة على إنتاج نفسه. وهذا "الحي" هو ما يُثري التجربة الشعرية، ويضيف إليها أعماقًا حقيقية، مستمدة مما يكمن داخلنا- حتى دون أن نستشعره بوضوح- لا ما يكمن في الكتب الصفراء والخيال المريض.
ومن وجهة نظر شخصية، فلا يصلح الانتظار حلاًّ لشيء، سوي للنسيان! والأكثر فاعليةً هو خوض ما ينبغي خوضه، هو "المبادرة"- الفعل لاقتحام ما ينبغي اقتحامه. فالتاريخ لا يصنعه المنتظرون، ولا يتغير بانتظار ما قد لا يجيء. الانتظار سكون، وكبح للفعل الإنساني، بل تنازل عن الحق في الاختيار، أحد أبعاد الحرية، إلى وهم ميتافيزيقي غير معلوم الهوية.
- يمكن وصف قصيدتك الزاخمة بأنها جدارية كبرى، تتلاقى فيها أنواع وأجناس وإيقاعات، وتمتزج أصوات وتتعدد عوالم، وتتحاور متون وهوامش. هل قصيدة ال"صولو" أو العزف المنفرد، أعني قصيدة اللقطة أو المشهد البسيط النثرية، المكثفة، لا تستوعب ما تريد التعبير عنه، وما يعتمل داخلك من جيشان؟ وماذا عنك كمتلقٍ لها، وقد صارت- باعتراف الكثيرين- في صدارة المشهد منذ سنوات؟
** بالنسبة لي، بخاصةً في السنوات العشرين الماضية، يبدو العالم أكثر كثافة وتعقيدًا مما كان يبدو لي، حين كنت أكتب مثلاً قصائد ديواني الأول "وردة الفوضى الجميلة" المنفردة، أو قصائد ديوان "إنها تومئ لي"، التي لا تزيد فيه كل قصيدة على مساحة الصفحة المتوسطة، أو ما تسميه "قصيدة "الصولو" أو العزف المنفرد".
فكيف يمكن تحقيق هذه الكثافة و"تعددية الأصوات" في العالم- أحد همومي الشعرية- في النص الشعري الواحد؟ تلك هي المشكلة التي "فرضت" عليَّ هذه البنية والشكل. فخلال الكتابة، لا يكون لديَّ ترف الاختيار الذهني للبنية والشكل، باستقلال عما يمور داخلي من أصوات ورؤى وعوالم، تطالب بحضورها الواضح في النص، وحريتها في الحركة والتعبير.. بل إن هذه "الأصوات" و"الرؤى" و"العوالم" هي التي تفرض حضورها عليَّ في بنية وشكل خاصين، خلال الكتابة؛ ولا يمكنني التعرف- بوضوح نسبي- على ملامح هذه "البنية" و"الشكل"، إلا بعد أن أقطع شوطًا ليس قليلاً في كتابة النص (في الصفحات الأولى، لا يكون لديَّ سوى أن أتلمسه، أترقبه وهو يتشكل، أحاول توقع مساراته وضبطها، بلا إقحام لشيء).
ليس موقفًا مسبقًا من شكل شعري معين، بل هي- بالنسبة لي- مسألة خارجة عن الإرادة والقصد الواعيين. ولهذا، فيمكن ملاحظة اختلاف بناء كل عمل شعري عندي عما سبقه وما يليه.
وفي نهاية الأمر، فليس طول أو قِصَر النص الشعري هو ما يحقق شعريته. ولهذا، أجد متعة فائقة- كقارئ- في أعمال ريتسوس، على سبيل المثال، "القصيرة" و"الطويلة" معًا، بلا تمييز. فالكثافة الشعرية الكامنة في النص هي حجر الزاوية، والإضافة الخلاقة هي النتاج الأخير الذي يستحق الاعتبار.
- ريتسوس، وكفافيس، ثم بودلير، ورامبو، في أعمال كاملة بترجمة رفعت سلام، هدايا عملاقة للمكتبة العربية بحق. مَن تحتشد لترجمته حاليا؟ ومن تطمح إلى ترجمتهم، لولا أن مساحة الزمن محدودة؟
** هذه الأيام، لا أمارس الترجمة، ولن أعود إليها قريبًا. فأنا أمنح نفسي فرصة التقاط الأنفاس، بعد صدور "الأعمال الشعرية الكاملة" لكل من كفافيس وبودلير ورامبو، في ثلاثة أعوام متوالية، لكنها كانت قد احتلتني- طوال السنوات الأخيرة- احتلالاً قاهرًا! فلي أن ألتقط أنفاسي، بعد أن تحررتُ منها، بصدورها.
فكل عمل من هذه الأعمال الأخيرة تطلب احتشادًا غير مسبوق، للسيطرة أولاً على المادة مترامية الأطراف المتعلقة بكل شاعر، بالبحث الدقيق عن الأعمال "المجهولة" لكل منهم، حتى تصبح كلمة "الكاملة" حقيقةً لا مجازًا أو ادعاءً، وبالعكوف المتأني على كل نص، لالتقاط الإشارات "الضمنية"، لا السطحية، "السرية" لا العلنية، في كل صورة شعرية.
وما تزال عندي بعض الترجمات المنجَزة، التي لم تصدر بعد؛ أعمالٌ لم يسبق ترجمتها إلى العربية لريتسوس وإيليتِس وغيرهما، تحتاج إلى أن أفرغ لها قليلاً، بضعة أيام، لأضع لها الرتوش الأخيرة، قبل النشر. وهو أيضًا ما أؤجله إلى حين.
أما ما كنتُ أطمح فعلاً إلى ترجمته، فهو "أوراق العشب" (الأعمال الشعرية الكاملة لرائد الشعر الأمريكي "والت ويتمان")؛ فهو شاعر جديرٌ بذلك فعلاً، بخاصةً أن ما تُرجم منه إلى العربية لا يزيد على بضع قصائد ترجمها سعدي يوسف في الثمانينيات وصدرت بعنوان "أوراق العشب". هو شاعر شاسع، متعدد الأبعاد والآفاق المفتوحة عن آخرها، على نحو مغاير تمامًا لما نعرفه عن الشعر الإنجليزي والأمريكي، بل العالمي.
ولأني أعرف طاقتي الحالية، المحدودة، فلا أزال آمل في أن يتصدى لترجمته أحد من أكفاء مترجمينا المرهفين عن الإنجليزية، ليقوم عني بهذا العبء الذي لم أعد أحتمله.
- بمناسبة صدور دون كيخوته، ضمن سلسلة "آفاق عالمية" التي تشرف عليها من ترجمة عبد الرحمن بدوي. حدثنا عن أهمية ذلك العمل، ووضعيته في لغته الأم واللغات الأخرى ومدى الإضافة التي تتحسبها له حال ترجمته إلى العربية؛ وماذا عن المعايير والقواعد التي تراعيها في السلسلة؟
** "دون كيخوته" هو درة الإبداع العالمي، بالنسبة لجميع الثقافات والحضارات. وحسب علمي، فليست هناك لغة لم يُترجم إليها هذا العمل الفريد، الباذخ. وكان من حظنا- في الثقافة المصرية والعربية- أن قام بالترجمة قامةٌ ثقافية رفيعة بمقام الدكتور عبد الرحمن بدوي. وكانت سعادتي كبيرة بنجاحي في إصدار العمل مؤخرًا، ليكون في متناول الجميع. ولابد أن صدوره سيحفز بعض الطموحين من مترجمينا إلى محاولة إنجاز مثل هذه الأعمال الكبرى، التي لا تتوفر في الترجمة المصرية والعربية، من قبيل ملحمة الهند الكبرى "المهابهارتا"، التي لم يسبق ترجمتها إلى اللغة العربية.
وقد أصدرت هذا العمل الفريد في سياق قائمة بأهم منجزات الإبداع الأدبي العالمي، ينبغي أن تتوفر لدى المثقفين والأدباء والقراء المهتمين بالأدب، تصل إلى مائة عمل. وهي القائمة التي أعمل وفقًا لها، بالأساس. ومن بين هذه الأعمال القليل مما سبق ترجمته ترجمةً رفيعة، ك"فاوست" لجوته (التي ترجمها الدكتور عبد الرحمن بدوي)، و"الكوميديا الإلهية" لدانتي (التي ترجمها الدكتور حسن عثمان) و"عوليس" لجيمس جويس (التي ترجمها الدكتور طه محمود)، على سبيل المثال. وفي حالة التوصل إلى الورثة (وتلك هي مشكلتي مع العملين الأخيرين بالذات)، فلن أتردد في إعادة نشرهما فورًا.
وثمة أعمال لم يسبق ترجمتها، أو تُرجمت ترجمات رديئة أو مشوهة، وهي الأعمال التي تتم ترجمتها على يد مترجمين أكفاء، يتسمون بالرصانة والرهافة معًا. وقد تم إنجاز بعض هذه الترجمات، وستصدر- خلال الشهور القليلة القادمة- ترجماتٌ جديدة لكافكا وخوان رولفو وهنريك إبسن وإيتالو كالفينو، فضلاً عن "مو يان" الصيني، الفائز بجائزة نوبل الأخيرة.
فالهدف الأساسي: تأسيس "بنية تحتية" ثقافية في مجال الترجمة- بقدر ما تتيحه سلسلة شهرية- من خلال توفير روائع الإبداع العالمي، المتوافق عليها تقريبًا، في ترجمات جادة، رصينة، دون إغفال الأعمال الحديثة الراهنة في الثقافات المختلفة، في نفس الوقت.
- ماذا ينقص الأخضر ليكون شجرة، سواء في الواقع المصري، أو الواقع العربي عمومًا؟
** ينقصه "عصفور"! أو سرب عصافير!
- التشكيل والموسيقى حاضران بقوة على امتداد تجربتك كلها. حدثنا عن ذلك التمازج بين الفنون في تجربتك، وكما تحبه لدى الآخرين.
** قبل "الشعر"، في المرحلة الثانوية، كنت أحاول الرسم، ضمن محاولاتي لاكتشاف الطريق القادم. وبعده، ظل اهتمامي بالرسم والموسيقى (ومن بينها الموسيقى الكلاسيكية) حاضرين بقوة داخلي. ولديَّ تجربة قمتُ بها- بشكل شخصي- بتسجيل قصيدتي "تنحدر صخور الوقت إلى الهاوية"- إحدى قصائد ديواني الأول- مترافقة مع السيمفونية الرابعة لتشايكوفسكي، على جهاز تسجيل عادي، لإحساسي- في ذلك الحين- بأنهما وجهان لعملة واحدة، كأن تشايكوفسكي كتب سيمفونيته كتعبير موسيقي سيمفوني عن قصيدتي التي جاءت بعده بنحو مائة عام.
ولعلني الوحيد من جيلي الذي لا يزال متمسكًا بالإيقاع "التفعيلي" ضمن النص الشعري، منذ أول عمل شعري حتى الآن، وأجده- في امتزاج وتفاعل مع "النثري"- مصدر ثراء للإيقاع العام. هي الموسيقى المحسوسة، الملموسة، الحاضرة بوضوح في العمل الشعري.
لكني- بلا وعي تشكيلي، بل بوعي شعري- كنت أنحو، في نفس الوقت، إلى إعادة صياغة الصفحة البيضاء شعريًّا، دون التزام بالصياغة التقليدية (ذلك العمود المكتوب الذي يبدأ من أعلى الصفحة إلى أسفل، إلى يمين الصفحة دائمًا). وراحت الصفحة تتخذ- تشكيليًّا- وجوهًا مختلفة، متمايزة، من ديوان إلى آخر، إلى أن وصلت- عام 2006- تاريخ كتابة المسودة الأولى ل"حجَر يطفو على الماء".
فخلال الكتابة، خطرت ببالي فكرة "الرسم"، بنفسي، داخل النصوص. تأملتها، وسألتُ نفسي: لماذا لا يتجرأ الشعراء على المزج بين الشعر والرسم؟ بدا لي أن مَن يمكن أن تخطر بباله الفكرة، قد يخشى من الحكم على رسومه بالرداءة، قياسًا إلى الفنانين التشكيليين. لكن فكرتي لم تكن موجهةً إلى الفنانين التشكيليين، بل إلى قارئي، قارئ الشعر، كجزء من صياغة الصفحة إبداعيًّا، بلا انفصال بين الشعري والتشكيلي. أما معيار الجودة والرداءة، فهو خارج الحساب، ولا يعنيني. وبدا لي أن أغلبية الشعراء المصريين- إن لم يكن جميعهم- منفصلون عن الإبداع التشكيلي، وبالتالي، فلم تخطر ببال أحدهم الفكرة.
وبالفعل، فقد كتبت النص الشعري- في المسودة الأولى- ضمن تصور أشمل، يسمح بالرسم داخل النص وحوله، والكتابة في الهوامش من كل ناحية، واستخدام بعض الرموز الفرعونية المنتقاة من الهيروغليفية، ومحاولة تحريك بعض الأشكال عبر الصفحات. وأصبحت الصفحة شعرية بصرية. وقمتُ بإخراج الديوان بنفسي صفحةً صفحة. وطلبت من الناشر ورقًا سميكًا من أوراق الرسم لطباعة الصفحات الداخلية، وورقًا من الكرتون الرمادي للغلاف. وقد استجاب لي مشكورًا، ليخرج الديوان بصورة تحقق تصوري الخيالي.
وإلى الآن، ما أزال أتساءل: لماذا هذا الفصل بين الفنون المختلفة، في ثقافتنا المصرية والعربية؟ لماذا يعزل الشعراء نصوصهم عن بقية الفنون الأخرى؟
- الأنا نافذة الشاعر دائمًا، هل القصيدة فعل نرجسي في الأساس، بوصفها "مرآة"؟
**القصيدة هي نافذة الشاعر التي يطل منها على العالم، ويدعو الآخرين إلى مشاركته هذه الإطلالة. وهي نافذة العالم التي يطل منها على الشاعر. فهي نافذة مزدوجة الاتجاه، مفتوحة على الناحيتين، بلا مصاريع.
ولهذا، فلا يستطيع الشاعر أن يعيش بلا نافذة، أن يحبس نفسه بين جدران أربعة وسقف، بلا هواء وشمس وأصوات وحركة تأتي له بها النافذة (القصيدة). فهي- بالنسبة له- ليست ترفًا، أو فعلاً ثانويًّا. هي ضرورة حياة وتفتح.
وهي- بالنسبة للآخرين- أداة رؤية لما لم يروه من قبل، لما لم يعرفوه من قبل، بحكم تلك الزاوية الفريدة التي تحتلها نافذة الشاعر التي يطلون منها على العالم، فتكشف لهم ما لم يخطر بقلب بشر.
- قصيدة النثر".. هل هي في طفولتها المتأخرة، أم شبابها، أم كهولتها؟
** لعلها في أزمة، بعد عقدين من صعودها القوي. ولعلني أنتظر أن تصحح "قصيدة النثر" نفسها، بيدها. فقد تحولت- على مدى العقدين- إلى "نمط" شعري، ذي مواصفات يمكن تحديدها مسبقًا وخارجيًّا، وهو ما يتنافى مع جوهر "قصيدة النثر"، باعتبارها قصيدةً "مفتوحة" الحدود والآفاق، وخارجة على التنميط الشعري، والمواصفات المسبقة الجاهزة. فهذه النمطية الراهنة في القصيدة المصرية والعربية هي نفي لقصيدة النثر، وضرورتها الإبداعية. وكأن الشعراء يكتبون بصورة آلية، بيروقراطية، وفقًا للنمط الجاهز السهل، بلا أسئلة أو مساءلة، وبلا طموح، فأنتجوا ما أصبح "قصيدة نثر تقليدية"، تعيد إنتاج ذاتها تلقائيًّا، بلا وهج، ولا مغامرة خارجة على السياق.
فالقيمة الأصلية لقصيدة النثر هي انفتاحها المطلق لجميع الاحتمالات والإمكانيات الإبداعية (هكذا قدمها مؤسسوها الأوائل في القرن التاسع عشر الفرنسي، بلا تأسيس لنمط). وينبغي أن تظل هذه القيمة الأولوية الأولى للشاعر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.