رغم كل الحروب والمشكلات بين شمال السودان وجنوبه، والتى أدت به إلى المرحلة الحالية لتقرير المصير، ما زال يجمع أبناء الشمال والجنوب فى السودان الكثير من المشاعر والعواطف، ويجمعهم كذلك الوجدان المشترك وكثير من صفات الكرم والاعتزاز بالنفس والتواضع، كما يجمعهم إرث ثقافى مشترك وتسامح دينى وعادات وتقاليد هى واحدة بشكل أو بآخر فى مناطق السودان المختلفة. رغم المشاعر السلبية التى تم استنفارها لدى أبناء الجنوب أثناء الاستفتاء من أجل إقناعهم بخيار الانفصال فإن غالبية أبناء شعب الجنوب ما زالوا يبادلون إخوانهم فى الشمال مشاعر طيبة، خاصة أولئك الذين عاشوا أو خالطوا الشعب السودانى فى الشمال، وكما حزن غالبية الشعب السودانى على رحيل أعداد كبيرة من إخوانهم من الجنوبيين من الشمال، ودعا بعضهم إلى حداد عام حزنا على ضياع الجنوب، فإن الجنوبيين بدورهم كان حزنهم وتأثرهم لا يقل عن ذلك. وقال فاروق جاتكوث، القيادى الجنوبى، البارز بجبهة الإنقاذ الديمقراطية بتأثر: "نزحت إلى الشمال وكثير من أمثالى فى الجنوب، وما يؤثر فينا هو حسن استقبال المواطن الشمالى لنا، وليس حكومة الشمال التى كانت تطاردنا ليلا ونهارا. وهذه حقيقة نقولها للتاريخ ولوجه الله. وكل كلمات الشكر لا تكفى ولا توفى المواطن السودانى البسيط حقه". وتابع "لكننى أدعو الله أن يعطيني الصحة والعافية ويعطينا المقدرة أن نستطيع مساعدته لا قدر الله إن هو أصبح فى محنة، وأتمنى ألا تنقطع الصلة بيننا وبين إخواننا فى الشمال، وهذه هى الصلات الطيبة التى أدعو إلى تطويرها من الآن قبل حدوث الانفصال، حتى يكون لدينا قصة نقصها على أطفالنا، حتى يعرفوا تاريخ المشكلة التى حدثت والنقاط الإيجابية فيها، حتى تكون لديهم قدرة على توحيد السودان مرة أخرى". أما الدكتور لام أكول، وزير خارجية السودان السابق ورئيس حركة التغيير الديمقراطى، فيقول فى تأثر: "إن للشمال أهمية كبيرة فى نفسى لا تقل عن أهمية انتمائى للجنوب". ويضيف :"لدى ذاكرة وذكريات جيدة فى الشمال، الذى عشت فيه كثيرا منذ عام 1967، حيث درست فى الشمال، وبعد تخرجى عملت فيه". من جانبه يرى إدوارد لينو، عضو المكتب السياسى للحركة الشعبية، ومسئول ملف أبيى، بها ورئيس استخباراتها السابق، "أنه لم يكن أبدا للمواطن الجنوبى مشكلة مع إخوانه فى الشمال، وأن المشكلة تكمن فى سياسات الحكومات التى تعاقبت على حكم السودان، والتى فرقت المواطنين فى الشمال والجنوب وحاربتهم وهمشتهم". ويعرب لينو عن خشيته أن يتحول السودان الذى أراده جميع السودانيين بشمالييهم وجنوبييهم وطنا عزيزا كريما إلى شظايا ومزق. أما الإعلامى ميوم ألير، مدير قناة "إيبونى" بجنوب السودان، فيرى أن المواطنين الجنوبيين لا يقلون عاطفة تجاه إخوتهم فى الشمال، الذين ارتبطوا بهم، وبادلوهم مشاعر الوفاء. وقال "أعلم أن كثيرا من إخوتنا فى الشمال يكاد يموت كمدا وحزنا على بتر الجنوب، رغم أن دعاة الانفصال فى الشمال قاموا بالاحتفال بذبح ثور فى أول أيام الاستفتاء، تعبيرا عن فرحتهم الغامرة بأن يذهب الجنوب، وقد كانوا يعتبرونه عبئا عليهم. ويضيف "إن مثل هذه المشاعر الطيبة مع إخوتنا فى الشمال لن تضيع سدى، وربما أدت لوحدة جديدة فى المستقبل على أسس من العدالة والمساواة".