انتهت وزارة السياحة والآثار بالتعاون مع وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، من مشروع ترميم قبة السلطان الظاهر قانصوه أبو سعيد بالقرافة الشرقية للمماليك، وتنسيق الموقع العام لها. وشملت الترميمات حسب بيان وزارة السياحة والآثار، تركيب نظام إضاءة داخلية وخارجية جديدة للقبة، بالإضافة إلى أعمال الترميم الدقيق، حيث تم الانتهاء من ترميم المحراب والقبة من الداخل، وكافة الرنوك (شعار السلطان) والأشرطة الكتابية المزخرفة بهم، وتنظيفها وتثبيت ألوانها وإظهارها، مع مراعاة الأصول الفنية والأثرية المتبعة، كما شمل الترميم الأثري تبليط ورصف المنطقة ووضع أحواض نباتات ملائمة لطبيعة الأثر، وتركيب اللوحات التعريفية الخاصة بالقبة بالإضافة إلى تركيب كاميرات للمراقبة. وأشار د. أسامة طلعت رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية أن القبة الضريحية للسلطان الظاهر قانصوه أبو سعيد أُنشئت عام904ه /1498م، وهو العام الى تسلم فيه قانصوه أبو سعيد زمام السلطنة لتكون مدفنا له. وبمرور الوقت عُرفت ب "قبة الغفير"، لأنها كان تستخدم كسكن لحارس المنطقة "الغفير"، لذا سُميت المقابر التي تقع حولها بنفس الاسم "ترب الغفير". من هو السلطان أبو سعيد قانصوه؟ شهد عام 901ه وفاة السلطان الأشرف قايتباى بعد أن أمضى نحو 30 عامًا فى السلطة، وقد طوت معه مصر والديار الشامية صفحة مُشرقة من تاريخها المملوكي، حتى إن بعض المؤرخين جعل من وفاة قايتباي بداية النهاية لعصر المماليك الجراكسة. وحين توفى قايتباى تولى ابنه محمد الذي تلقب بالسلطان الناصر، وكان صبيًا حدثًا لم يكمل الرابعة عشرة من عمره، متهورًا ساديًا، يعشق التعذيب، يتلذذ بضرب السياط وسلخ الجلود، وتفرغ لمجالس لهوه وشربه، وخلف الستار كان يدير الأمر أمه خوند مصلباى ومعها أخوها أبو سعيد قانصوه، وهو صاحب القبة الضريحية موضع قصتنا. أسهمت الضرائب الفادحة للناصر محمد وصفاته الخُلقية الشنيعة بحق سكان القاهرة ولاسيما النساء في أن يقوم أتابك الجيش (قائد الجيش) ويدعى قانصوه خمسمائة بعزل الناصر، وقانصوه خمسمائة هذا غير قانصوه خال الناصر محمد، لكن محاولته للسلطنة لم تستمر سوى ثلاثة أيام. سرعان ما عاد الناصر إلى عرش السلطنة مرة أخرى بفضل تدخل خاله أبو سعيد قانصوه وبعض القادة مثل آقبردى الدوادار، وما لبث أن قُتل قانصوه خمسمائة في غزة، واستتب الأمر للناصر محمد. وبين دهاليز القلعة لم يعرف المماليك سوى سياسة "الحكم للأقوى"؛ لذا فلم يصمتوا طويلاً أمام سلطانهم المراهق المتهور، وخلال رحلة ترفيهية للناصر محمد بن قايتباي إلى الأهرام، تم الاتفاق مع أبى سعيد قانصوه على التخلص من ابن اخته بقتله، مقابل تنصيبه على عرش السلطنة، وبالفعل تم ذلك أثناء عودة الناصر محمد بن قايتباى من رحلته إلى الأهرام. استقر أبو سعيد قانصوه على عرش السلطنة عام 904ه، وتلقب بالسلطان الظاهر، لكنه بقى مُقيدا بسلطة الأمراء المماليك، ورغم أنه كان وافر العقل، لكنه كان مسلوب الاختيار معهم، فإذا ما سُئل عن أمر قال "بخشى" وهى كلمة تركية تعنى "معرفش" فسماه المصريون بالسلطان "بخشى" أى "معرفش". أراد الظاهر أن يوطد أقدامه فى السلطنة بالتقرب من الأتابك جانبلاط، فزوجه من أخته مصلباى أرملة قايتباي وأم الناصر محمد الذي تآمر لقتله، وكانت سيدة قوية جميلة، وزُفت إلى جانبلاط في فرح أسطورى نُثر فيه الدر والجوهر على الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة للبلاد، وفى خلال ذلك رُزق الظاهر بولد فأقام الاحتفالات والزينات بالقاهرة، لكن هذا الحفل كان نهاية أفراحه، فقد توفى ولده بعد 4 أشهر من ولادته، فدفنه بقبته المشهورة موضع حديثنا. لم تمر أشهر على وفاة رضيع الظاهر حتى دب الخلاف بينه وبين المماليك، فقاموا بعزله بعد أن حاصروه في القلعة لمدة ثلاثة أيام، وتمكن من الهرب بعد أن تخفى في زى النساء، ولم يُعثر له على أثر بعد ذلك، وذلك فى عام 906ه، وتولى بعده زوج أخته الأشرف جانبلاط. ماذا عن القبة الضريحية لأبى السعيد قانصوه؟ ويقول الأثري الدكتور ناصر الكلاوي فى تصريح ل"بوابة الأهرام " إن هذه القبة بناها الظاهر لتكون حاضنة لجثمانه ومثواه الأخير، فقد قام بتشييدها فور استلامه السلطنة، ولعلها تكون القبة الأجمل بين نظيراتها من القباب الضريحية للعصر المملوكي، فهي بديعة المظهر، تزخر بالأطباق النجمية ذات النقوش النباتية، والرنك السلطاني الذي يحمل شارة السلطنة المملوكية، واسمه مُدون عليها الظاهر أبو سعيد قانصوه، والبنك عبارة عن دائرة مُسجل بها اسم السلطان، لكن لم يقدر لقانصوه أن يُدفن بها، ولم يُدفن بها سوى ولده الرضيع الذى ذكرنا خبره. القبة نموذجًا للبناء المخالف في العصر المملوكي حقًا أخشى على القبة من ذكر هذه المعلومة، حتى لا يُلحق بها الأذى، ولكنها الحقيقة، فضلا عن أن القبة المخالفة باتت محمية الآن بقانون حماية الآثار، فقد كانت نموذجًا لتنفيذ إرادة السلطان، فبينما تصطف قباب المماليك يُمنة ويُسرة مثل مجموعة السلطان أينال الذي حكم قبل قانصوه بنحو ثلاثين عاما، لكن أصر أبو سعيد على تشييد قُبته فى منتصف الطريق حتى يراها الذاهب والآيب في الطريق من وإلى القلعة، وقد انتقد المؤرخون فى هذا الزمان بناء السلطان قبته على هذا الحال "معترضة الطريق العام وحركة الدواب" وعن ذلك يقول ابن إياس في بدائع الزهور في وقائع الدهور (ومن مساوئه التُربة التي بناها بالصحراء، وضيّق بها الطريق على المار من هناك، وحصل للناس منه غاية الضرر بسبب ذلك وأعمى تُرب الناس التي بجواره). وتمر الأعوام تلو الأعوام، ويسقط ذكر الظاهر قانصوه، وتُصبح قبته مسكنًا لغفير المقابر بصحراء المماليك، وعُرفت القبة باسم "قبة الغفير"، وسرعان ما تحول اسم المنطقة من مقابر المماليك إلى قرافة الغفير، ليتساوى الغفير بالملوك. وصدق ابن عروس حين قال فى مربعاته : كسرة من الزاد تكفيك وتعيش وروحك عفيفة ..والقبر بكرة يطويك وتبات فى جار الخليفة وهذه باختصار قصة السلطان معرفش، ومقبرته التي تعترض طريق الكثير منا كل يوم دون أن يعرف قصتها.