عبدالله عبدالسلام تستيقظ مبكرا. تتصفح مواقع التواصل ورسائل الواتس. تندمج مع عالمك الافتراضى. ترد على الرسائل أو تعلق وتتفاعل مع البوستات. تمضى وقتا معتبرا خارج الحياة الواقعية. تتصرف بشكل مختلف عن ممارساتك اليومية. تبدو أكثر انفتاحا وميلا للتسامح والهدوء. تغلق مؤقتا عالمك الافتراضى. تتوجه لعملك، فإذا بأزمات المرور وسلوكيات بعض السائقين تخرجك عن هدوئك الذى غادرته للتو، وعن عالمك الخيالى. ترفع صوتك أو تنفخ الهواء أو تكتم غيظك. تصل متأخرا ثم تتعامل مع مشاكل العمل وضوضائه الصوتية والذهنية. أنت الآن نافد الصبر، غير متسامح، وانفعالى وربما متوتر. مرحبا بك فى دنيا الواقع. لماذا هذا الانفصام؟ حتى قبل الإنترنت، كان للإنسان عالمه الافتراضى الذى يتصرف فيه على غير طبيعته. البعض مثلا، يبدو شخصا آخر عندما يسعده حظه ويظهر بالتليفزيون. تنطبق عليه مقولة: «أنت مش أنت، وأنت أمام الميكروفون».. يميل للتقليل من صعوبات الحياة، ويتحدث بأريحية وانفتاح على أفكار لا يطيقها، ويكون مستعدا للقبول بقضايا يرفضها فى الواقع كحقوق المرأة والأقليات. لسنا وحدنا فى هذا الانفصام. عندما قتل شرطى أمريكى، جورج فلويد الأمريكى الأسود، انتفض مجتمع البيض، وامتلأت مواقع التواصل برسائل التعاطف المعترفة بممارسة تمييز وعنصرية ضد السود، والمطالبة بإعادة كتابة التاريخ وهدم تماثيل رموز بيضاء روجت لتجارة العبيد. لكن هل تغير الواقع؟. مطلقا. التمييز فى المرتبات والامتيازات وأماكن السكن وحتى بعلاج كورونا، أظهر كم أن العالم الافتراضى وردى نتحدث فيه كما نشاء ونحلم بعالم مثالى تسود فيه الرحمة ويختفى الظلم والتحكم. تصف الكاتبة الأمريكية بريانا هولت التعاطف الافتراضى مع السود بأنها طقوس«النقر الأبيض»، أى أن الشخص ينقر على لوحة مفاتيح الكمبيوتر أو الموبايل ويكتب كلمات جميلة داعمة للسود، سرعان ما تتبخر عندما يتطلب الأمر خطوة عملية كالتنازل عن امتيازاته أو التصويت ضد سياسيين عنصريين. للأسف لا يحدث ذلك، والدليل حصول ترامب على 74 مليون صوت غالبيتها الكاسحة من اليبض. النوايا الطيبة وحدها لا تكفى، وكذلك التعاطف عبر الإنترنت. الواقع أصدق إنباء من مواقع التواصل. نقلا عن صحيفة "الأهرام"