هل كشف كورونا سوءات قطاع الصحة في مصر، خاصة الخاصة والاستثمارية؟ الإجابة، نعم وبكل وضوح، فمنذ سنوات كثيرة، ونحن نتفاجأ بين الفينة وأخرى، بخبر منشور على استحياء عن فعل كارثي حدث في أحد المستشفيات الخاصة، قد يكون متمثلا في فاتورة علاج باهظة الثمن، ومبالغ فيها لدرجة خيالية.. وأشياء أخرى بتنا نعلمها جميعًا، حتى ظهرت وسائل التواصل الاجتماعي، لتكشف جوانب أكثر سوءًا، ليس في القطاع الصحي فقط، ولكن في قطاعات متعددة، حتى جاء وقت أضحى الفساد كالهواء نتنفسه! في يوم الثالث والعشرين من يونيو في العام 2014، أصدر المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء آنذاك القرار رقم 1063، الذي ينص على "تلتزم جميع المنشآت الطبية الجامعية والخاصة والاستثمارية المرخص بإنشائها طبقًا لأحكام القانون 51 لسنة 1981، والمستشفيات التابعة لشركات القطاع العام، وقطاع الأعمال العام، بتقديم خدمات العلاج لحالات الطوارئ، والحوادث بالمجان لمدة 48 ساعة، يٌخير بعدها المريض أو ذووه، في البقاء في المنشأة على نفقته الخاصة، بالأجور المحددة المعلن عنها، أو النقل الآمن لأقرب مستشفى حكومي، على أن تتحمل الدولة تكاليف العلاج من موازنة العلاج على نفقة الدولة، وفي جميع الأحوال لا يجوز نقل المريض إلا بعد التنسيق مع غرف الطوارئ المركزية أو الإقليمية المختصة، أو غيرها لتوفير المكان المناسب لحالته الصحية". مر على هذا القرار 6 سنوات تقريبًا، وللحقيقة، كان أحد أفضل القرارات التي اتخذتها الحكومات المصرية على مدار تاريخها، وأتذكر بدايات تنفيذه، وأثره الطيب على نفوس الناس، فأين نحن منه الآن، وهل نحتاج إلى تفعيله، أم إلى تجديده؟ ولماذا تم تجميده، ولصالح من؟ القصص التي تٌروى عن آثام المستشفيات الخاصة والاستثمارية مٌرعبة، فمنهم من يتخذ كورونا مطية لتحقيق أرباح خيالية، ومنهم من ينأى بنفسه عن الدخول في خضم تلك الكارثة، فهو يحقق أرباحه السنوية بشكل يرضيه، لاسيما أن منشآته كاملة العدد، فلم يكن في حسبان الدولة دخول القطاع الطبي الخاص والاستثماري في منظومة مكافحة الكورونا . لذا الارتباك الحادث الآن، ما هو إلا نتاج تخبط إداري نعانيه منذ عقود، أفرز وجود كيانات اقتصادية طبية، وٌجدت من أجل الربح فقط، تتعامل مع المرضى باعتبارهم عملاء، وتعتبر منشآتهم أقرب إلى الفنادق منها إلى المستشفى. أعي أن هناك كيانًا إداريًا فيه أنواع مختلفة من العمالة، بخلاف عناصر التشغيل الأخرى، كل ذلك يحتاج إلى مصروفات، ومن الطبيعي أن تكون هناك آليات لتغطية تلك النفقات، ومن ثم تحقيق هامش من الربح نتيجة العمل، كل ذلك في إطار المنطق يقعد مقبولاً. أما أن يكون هناك تفاوت كبير جدًا جدًا في أسعار الخدمات الطبية من تحاليل وأشعة، وغرف العناية المركزة.. وصولًا لأجر الطبيب، استنادًا لقيمة الخدمة، فهذا قبول بوجود فساد مقنع، يوجب المحاسبة، فعلى سبيل المثال، القبول بوجود تباين في أسعار غرف العناية المركزة بين مستشفيات مختلفة وإرجاع ذلك لأن كل سعر يعني درجة من القيمة الطبية، هو القبول بالموافقة الضمنية على التفريط في حياة مريض. لماذا؟ لأن العناية المركزة لها بروتوكول معروف، لا يجوز التنازل عنه، من خلاله يتم استقبال المريض، مع عمل اللازم، وبه يتم خروجه، فأي تباين يعنى أن هناك غرفًا للرعاية بجودة أفضل.. أو أن الجودة واحدة في كل غرف الرعاية في مصر، والتفاوت الكبير في الأسعار، لا مبرر له. كلا الأمرين يستوجب التوقف عنده و من ثم المحاسبة عليه، لأننا بهذا الشكل نوافق على وجود وضع طبي فاسد، وأي سكون يمنع التحرك صوب تقويمه هو في النهاية شكل من أشكال الفساد .. ويكفي الرجوع للقانون 51 لسنة 1981 الخاص بتنظيم المنشآت الطبية ولائحته التنفيذية، والمعدل بالقانون 153 لسنة 2004، لتبيان كيفية تجاوز نصوصه الواضحة التي تحمي حقوق الناس. وهكذا يتضح أن هناك قوانين ألزمت الجهات الطبية التعامل مع المرضى وفق آليات محددة، وبينت كيفية معاقبة غير الملتزمين، ومع ذلك لا نعرف لماذا نغض الطرف عن اتخاذ ما يلزم من إجراءات عقابية على المخالفين، وفي النهاية أعيد التذكير بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1063 لسنة 2014، لماذا تم تجميده ولصالح من؟ هذه الأسئلة تستدعي الإجابة عنها قبل أن نلوم المستشفيات الخاصة والاستثمارية على التعامل غير الآدمي مع المرضى. ،،، والله من وراء القصد. [email protected]