«سنعبر كل هذه اللحظات العصيبة، وبعون الله ستصير ذكرى من الماضي البعيد».. قالها السيسي منذ 25 مارس الماضي في «عز» أزمة كورونا. حقا، نحن في أيام تاريخية، بحلوها ومرها، ولكن، يوما ما، ستصبح كورونا مجرد ذكرى، وفصلا من فصول كتب التاريخ، بجانب فصول سوداء عن الاستعمار والحربين العالميتين وهجمات سبتمبر و«هجمة» الربيع العربي، والطاعون، والكوليرا، والشدة المستنصرية! كل هذا سيكون يوما ما، من الماضي، ولكننا في الوقت نفسه، لن ننسى أبدًا أي تفاصيل. من أدار الأزمة باقتدار، ومن اجتهد وأصاب وأخطأ، ولن ننسى أيضا من كان عبئا علينا. لن ننسى من وقف بجانبنا، ومع بلادنا وشعبنا، ولن ننسى أيضا من وقف ضدنا، واقتنص فرصة الوباء للتنفيس عن غضبه وحقده. لن ننسى من احترم نفسه ومجتمعه، وكان تعاونه ووعيه سببا في تجاوز المحنة، ولن ننسى من لم يحترم وطنه ودولته وقياداته، ولا نفسه، فلم يستحق أن يحترمه أحد. لن ننسى من تحمل وصبر وثبت، حتى وهو يفقد عزيزا أو عملا أو رزقا، ولن ننسى من لطم وولول وصرخ، لأنه لم يجد «البانيه» في السوبر ماركت! سيأتي يوم نجلس فيه معا لنختار «الأسوأ» في حقبة كورونا، من بين آلاف، بل ملايين البشر، «فهمو كثر»، كما قال أبو فراس الحمداني. سنحاسبهم جميعا، ولن يذكرهم التاريخ إلا بكل سوء، وستصبح سيرتهم تماما كسير الخونة والأوغاد والكسالى والتنابلة والأغبياء والسذج. من الأسوأ بين هؤلاء يا ترى؟ من زعم أن مصر هي مهد كورونا؟ من اتهمنا بأننا سبب انتشار الفيروس في بلاده؟ من طالب بطرد رعايانا من أرضه؟ من شكك في بياناتنا، وانتظر بفارغ الصبر لحظة ظهور الوباء في مصر؟ من تلقى مساعداتنا الغذائية والطبية، ثم تطاول علينا، كعادته؟ من طالب بنشر الفيروس «عمدا» بين أبناء شعبنا؟ من الأسوأ؟ الرجل «اللانشون» القادم من لندن؟ خادم المسجد الذي تصرف بعقلية قنديل أم هاشم في الدقهلية؟ زبون «مكملين» الذي تسبب في مصيبة في معهد الأورام؟ المطربة المجهولة التي زعمت إصابتها بالفيروس، ثم انفضحت؟ سائق الأتوبيس الذي رفض الذهاب للمطار لنقل ركاب طائرة قادمة من الخارج؟ من «بلطج» في مطار القاهرة لكي لا يدخل الحجر الصحي؟ من شتم الدولة في مرسى علم بعد عودته من أمريكا؟ من حرض المصريين على تخزين السلع، وسحب ودائعهم من البنوك؟ من تدافع على المولات لشراء 40 كيس أرز و100 كيس مكرونة، تاركا أرفف المحلات خاوية على عروشها؟ من وقفت أمام «الكاشير» تجر عربتين مليئتين بمائة كيلو من «الكريم كراميل»؟ من أقام معرض ال«أوبن داي» في الكومباوند الفاخر في عز تعليمات حظر التجمعات؟ من أخفى السلع، ورفع أسعارها، وباع المطهرات والكمامات في السوق السوداء؟ من الأسوأ؟ من فبرك فيديو الحظر الشامل والإغلاق الكامل، ونشره على يوتيوب، بكل وقاحة؟ من نصب نفسه خبيرا ومتخصصا على الفيسبوك وأفتى في كل شيء بغير علم «من منازلهم»؟ من تقمص شخصية عالم الفيروسات وخبير الميكروبات وطبيب الحميات، ونشر نصائحه الكارثية على جروبات الماميز والداديز وعبر رسائل صوتية بالواتساب؟ من الأسوأ؟ من دعا للحوار مع الخونة والقتلة الآن؟ من طالب بإطلاق سراح الإرهابيين والفوضويين بدعوى وجود كورونا في السجون؟ من خرج يكبر ويتظاهر في الشوارع والبلكونات ضد الفيروس؟ من فتح المساجد عنوة أو «استعباطا» واستضاف المصلين، وتمرد على صيغة الأذان التي حددها أولو الأمر؟ من أقاموا الصلوات فوق الأسطح وكأنهم يتحدون الدين نفسه؟ من فتح المقاهي و«السناتر» و« السايبرز » خلسة وكأنه يتحدى الفيروس؟ من هدد بتسريح العمالة، وروج لمنطق «أنا ومن بعدى الطوفان»، و«اللي يموت يموت»؟ من حول فحوصات كورونا إلى «بيزنس» وساعد على نشر الفيروس؟ من روج لتبرعات وهمية لزوم «الشو» وتجنب الضرائب؟ من «استخسر» التبرع بفلوس العمرة السنوية لما هو أحق وأولى؟ من تطاول على قادتنا ووزرائنا ومؤسساتنا، وشكك في كل قراراتهم وإجراءاتهم؟ من «تحفظ» على توجيه مساعدات «إنسانية» للصين وإيطاليا وبريطانيا، وكأن الدولة يجب أن تستشير «سيادته» قبل اتخاذ قراراتها «السيادية»؟ من بنى على الأرض الزراعية في عز الاحتياج لكل شبر أرض مزروعة؟ نماذج شاهدناها، وعايشناها، وعانيناها، و«نتجرعها» يوميا، صوتا وصورة، وسيأتي يوم يدخلون فيه جميعا كتب التاريخ من باب اللعنات، بجانب يهوذا وبروتوس وابن سلول وبدران وهبة سليم وانشراح موسى والجلبي وتوكل كرمان، والضعفاء والمائعين والانتهازيين في كل عصر وحين. .. اختاروا معنا الأسوأ في زمن كورونا من بين هؤلاء، وغيرهم، فلن ننساهم، ولن نسامحهم، والحساب قادم، وإذا لم يكن الآن، فسيأتي غدًا.