أيام ويأتي شهر إبريل ومعه استحقاق مثير للجدل، تعهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بأنه سينفذه، ألا وهو تشغيل منظومة الدفاع الجوي الروسية "إس 400"، رافق إعلان أردوغان، عبارات تهدف لدغدغة مشاعر مناصريه قائلا: "الصفقة صارت ملكا لنا بعدما قمنا بتسلمها وليس هناك قوة تمنعنا من ذلك". هذا التطور، الذي لم يعد لافتا، جاء في أعقاب جملة من الأخفاقات الأليمة مُنيّ بها نظامه بإدلب السورية، في الوقت الذي عجز عن إيجاد دعم، طلبه بإلحاح من حلفائه سواء من الناتو أو الولاياتالمتحدة، لعله بذلك يستعيد ثقة أبناء شعبه الذي خذلهم بيد أنهم أصيبوا بصدمة لما اعتبروه إهانة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، له في زيارته الأخيرة لموسكو، ولم يستفيقوا منها بعد هذا ونطرة واحدة لعشرات التغريدات الغاضبة على مواقع التواصل الاجتماعي تكفي للتدليل على ذلك. الغريب أن الجوقة الإعلامية الموالية للقصر الرئاسي في العاصمة أنقرة، وقبل القمة التي جمعت ساكنه ببوتين الخميس قبل الماضي، بموسكو، أنهالت وسائلها مرئية ومسموعة ومقروءة قدحا وتعنيفا على رجل الكرملين لدرجة أنها وصفته ب"القاتل". وما أن أنتهى اللقاء متمخضا عن حزمة قرارات لتخفيف التوتر في إدلب، إلا وانقلبت إلى النقيض، تجزل الثناء والمديح، واصطناع الغزل الممجوج، وأردوغان نفسه سرعان ما نسي غضبه، بعد أن وجه الدعوة لبوتين للمشاركة في اجتماع لمجلس التعاون رفيع المستوى بين البلدين بمناسبة الذكرى المئوية للعلاقات السياسية والذي ستتستضيفه إسطنبول. المفارقة أن قطاع عريض من خصوم رجل تركيا الذي لم يعد قويا يدركون جيدا أن "إس 400" ستظل في مرابضها ودليلهم هو أن أردوغان "الضعيف" لن يتحمل العقوبات الأمريكية القاسية التي تنتظره حال أصر على ترجمة كلامه إلى واقع. ويبق سؤال محوري طرحه وما زال خصومه والذي فشل بالإجابة عليه: 59 من عسكرييهم سقطوا قتلى في أقل من ثلاثة أسابيع.. فماذا بعد؟ وماذا يفعل جيشهم مع العصابات "الإرهابية" و"الجهادية" في سوريا؟ ثم يوجهون صرختهم لطغاتهم: هل مشكلتكم هي منع موجة جديدة من "اللاجئين"، أم الإطاحة بالأسد؟. وبحسب مراقبون لم يعد مستساغا أن يتحدث العدالة والتنمية الحاكم عن المكاسب والخسائر بعد مباحثات موسكو، فزعيمه أراد أن يُوهم مواطنيه بأن ما حصلوا عليه يفوق ما خسروه، فوفقا لما ذهبت إليه المعارضة العلمانية، كان واضحا بما لا يدع هناك مجال للشك، أن حفيد القياصرة هو من فرض رؤيته بخصوص الصراع الدائر بالشمال السوري. وبالتالي فعلى أردوغان، أن يجر أزيال الخيبة، فقد حاول اللعب على تناقضات الفاعلين الدوليين، معتقدا أنه قادر على إعادة حقبة الحرب الباردة، غير أن الغرب، الذي ضاق ذرعا به، أدار له ظهره، اللهم أكتفائه بترديد بعض من كلمات المساندة بلا أي إجراء عملي على الأرض، هكذا فعل الناتو متسلحا بتفسيراته للمادة الخامسة بمعاهدة تأسيسه والخاصة بالاعتداء على أي عضو من أعضائه، وهذا كان متوقعا في ضوء العلاقات المتوترة أصلا بينهما، وكذا حذت المنظمة الأممية مستندة إلى الفصل السادس من ميثاقها الذي لا ينصف عسكريو تركيا خاصة وأنهم قتلوا في بلد، هم من اعتدوا على سيادته، وكذلك حاول أردوغان عبثا حث واشنطن، بأسلوب أقرب إلى الاستجداء، على تقديم الدعم لبلاده ولكن هيهات، فبصورة قاطعة أكد وزير الدفاع الأمريكي، مارك إسبر، أن قوات بلاده لا تنوي العودة إلى الحدود السورية التركية. أما ما تم نعته ب"شعارات لا تراجع عن انسحاب قوات الأسد خلف نقاط المراقبة" طبقا لإتفاق سوتشي، فكان الحاصل هو العكس، فقد اتسعت مساحة الأراضي الواقعة تحت سيطرة النظام السوري والمتمثلة في طريق أم – 5 البري، والذي يتمتع بأهمية إستراتيجية كبيرة وهو ما خططت له روسيا بعناية تحسد عليها. وتلك لم تكن فقط خسارة فادحة كسرت طموح أردوغان، بل بدت وكأنها عقاب لأنقرة لعدم وفائها بالتزاماتها التي سبق وقطعتها حكومتها على نفسها في اتفاق أستانه، هكذا قال البروفيسور جوشوا لانديس، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة أوكلاهوما الذي نوه أيضا بأن تركيا لم تفشل فقط في احتواء هيئة تحرير الشام المدعومة منها، وانما إخفاقها في منعها من التوسع والتمدد، يضاف على ذلك إدراكه متأخرا "أن نظام الأسد وداعميه الروس والإيرانيين، مصرون على استعادة السيطرة على سوريا بالكامل، بينما قدرة وريثة الإمبراطورية العثمانية بالتحكم بمجريات الأمور وتوجيهها على الأرض، محدودة.