لأنها معارضة لحزب العدالة والتنمية الحاكم والذي يقوده رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان ، كان لابد من عقابها، وذلك عبر أساليب عدة من حجب الإعلانات ووقف إصدار البطاقات الصحفية لمحرريها وكتابها وأخيرا أوقفت وكالة أنباء الأناضول الرسمية بث الأخبار لها بالرغم من إيفائها بكافة التزاماتها المالية الخاصة بالاشتراك الذي يدفع سنويًا. وبالطبع هذا الإجراء لم يأت إلا بتوجيهات مباشرة من منسق الاتصالات التابع للقصر الرئاسي في العاصمة أنقرة، هذا هو حال صحيفة سوزجو التي تارة تم وصفها باليسارية وأخرى بالترويج للإرهاب والإرهابيين، وبالمناسبة ليست هي الأولى، فقد سبقتها أخريات والباقي الذي يعد على أصابع اليد الواحدة ينتظر المصير ذاته. ورغم أن الحاصل يفترض أنه متوقع خاصة في ظل الحصار الأردوغاني على كل ماهو مناوئ للحكم أو حتى منتقدا له، إلا أن رئيس جمعية الصحفيين في إسطنبول، محمد ميرت، بدا مندهشا ومصدوما في آن من هذا التعسف قائلًا: لا يمكنني تصديق ذلك، فهذه وكالة أنباء أسسها أتاتورك ومهمتها الأساسية إطلاع الرأي العام على ما يستجد من أخبار وأحداث فكيف لها أن تصدر مثل هذا القرار المشين! وأضاف متحسرا لما آلت اليه الصحافة التركية من أوضاع مؤسفة: لا يمكنها منع جريدة سوزجو من حقها في الحصول على الأخبار. لا يمكنها أن تمنع هذا الحق عن أي مؤسسة، داعيًا الأناضول للتراجع عن تلك الخطوة فورًا. على ذات النهج قال رئيس جمعية الصحفيين تورجاي أولجايتو، إنه "لم يعد هناك أي ثقة اليوم، بعد هذا القرار الذي اتخذته وكالة الأناضول التي تعتبر وكالة جمهورية "تسير على مبادئ أتاتورك"، بعد توقفها عن تقديم الخدمات الإخبارية للصحف المعروفة بمعارضتها، ولكنه أصبح تصرفا منتظرا ومتوقعا منهم، هذا أيضًا من مظاهر القمع الذي تتعرض له الصحافة حتى في فترة حكم عدنان مندريس (بخمسينيات القرن الماضي وكان يوصف بجذوره الإسلامية)، لم تكن وكالة الأناضول منحازة بهذا الشكل". يشار إلى أنه بحسب تقرير لجنة حماية الصحفيين الصادر حديثا جاءت تركيا في المركز الثاني كأكثر الدول اعتقالا للصحفيين في العالم، حيث تعتقل تركيا أكثر من 68 صحفياً، الطريف أن سوزجو (الوعد) ومع كل ما تواجهه من قيود تتفوق توزيعًا مقارنة بصحف أقدم منها وتتلقي دعما حكوميا سخيا كصحيفتي صباح وحريت على سبيل المثال لا الحصر، زاد على ذلك أن مطبوعات يومية موالية لأردوغان أضطرت الى التوقف عن الصدور وتحولت إلى منصات رقمية بعد تدني أرقام توزيعها كصحيفة ستار (النجمة) وجونيش (الشمس). غير أن هذا التطور اللافت كان مدعاة للتندر والسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، فوفقا لعشرات التغريدات، تبين أن المطبوعتين وقبل قرار الغلق زعمتا أنهما يحققان أرقام مبيعات تجاوزت مائتي الف نسخة يوميا بمعدل 101 ألف قارئ ل"ستار " و102 ألف قارئ ل"جوناش"، وهو ما ثبت كذبه إذ تكشف أن تقارير المبيعات الرسمية مزورة لا تعكس الأرقام الحقيقية، وأن الصحف تقدم نسب تداول أعلى من الفعلية لتجنب انحفاض عائدات الإعلانات. يشار إلى أن الجريدتين ومعهما ثالثة وهي أكشام (المساء) كانت تحصل على دعم مالي من بلدية إسطنبول لأكثر من 10 سنوات متواصلة باعتبارهما من الوسائل الإعلامية الموالية لحزب العدالة والتنمية الحاكم، لكن تلك المساعدات سرعان ما انقطعت عندما انتقلت إدارة البلدية إلى رئيسها الجديد أكرم إمام أوغلو ممثلا لحزب الشعب الجمهوري العلماني المعارض، الأمر الذي أدى إلى عجز مالي لديهما وتراكم المديونيات عليهما وهو ما اضطرهم في النهاية إلى فصل عدد كبير من الكتاب والصحفيين والعاملين لترشيد النفقات. يذكر أن العام المنصرم شهد تراجعًا واضحًا في الاستثمارات الإعلامية؛ سواء بالشبكات التليفزيونية بنحو 7%، وفي الصحافة بنحو 31%.