قضيت أربعة أيام ممتعة في الكويت، تنقلت خلالها بين لقاءات مهمة ومثمرة مع عدد من كبار المسئولين، ومواطنين عاديين من المصريين والكويتيين. الأيام الأربعة كانت عامرة وحافلة بمشاهدات وملاحظات تستحق تأملها مليًا؛ لما تتضمنه من إشارات ودلالات تبين أين تقف العلاقات المصرية - الكويتية، ومن موقعها ذلك يمكننا أن نعرف التوقعات المستقبلية لها. أولى ملاحظاتي أن مصر تحظى بمكانة رفيعة ومتميزة جدًا في نفوس وعقول الأشقاء الكويتيين، وينظرون إليها بإجلال يفوق الوصف وحب ينبع من القلب، وحينما يحدثك الكويتيون، أيا كانت مواقعهم ومناصبهم، تلمس بجلاء صدقهم فيما يقولونه عنها ومحبتهم البالغة لها، لأنهم يضعون نصب أعينهم مواقف القاهرة لمؤازرتهم في السراء والضراء بالماضي وبالحاضر، وكذلك لا تنسى مصر ولا يغيب عن أهلها وحكومتها دعم الكويت لها في أوقات الشدة التي مرت بها. وخلال لقاء مفعم بالمشاعر الجياشة امتد قرابة الساعتين مع مرزوق الغانم رئيس مجلس الأمة الكويتي، تابعت الرجل وهو يتكلم بشغف منقطع النظير عن مصر، وأخذ يسرد ما قدمته مصر لبلاده قبل اكتشاف البترول فيها، وخص بالذكر إرسالها بعثة تعليمية كهدية منها في النصف الأول من أربعينيات القرن العشرين، وتحمل الحكومة المصرية آنذاك تكاليفها من الألف إلى الياء، وأن والدته خريجة جامعة عين شمس، وتولت فيما بعد رئاسة جامعة بالكويت، وكانت أول سيدة تشغل هذا المنصب، وأن والده درس في "فيكتوريا كوليدج"، بمصر ومعهما العديد ممن تولوا المناصب القيادية بالكويت، وكانت إقامتهم في بيت الكويت الذي كان يستضيف الوافدين من الدارسين الكويتيينبالقاهرة. واستعرض الغانم بصمات المصريين في مجالات الثقافة المتنوعة، وكيف أن المسرح الكويتي ولد على أيديهم، واختلاط دماء الكويتيين والمصريين في أثناء حرب السادس من أكتوبر 1973، وحرب تحرير الكويت من الاحتلال العراقي في تسعينيات القرن العشرين. كلام الغانم برهن عمليًا على أن العلاقات المصرية - الكويتية تستند إلى قاعدة قوية متينة غير قابلة للاهتزاز أو التأثر تحت وقع أي تصرفات فردية تصدر من هنا أو هناك؛ لأن ما يربط البلدين أقوى بمراحل من تلك التصرفات. الغانم دعا الخبير الدستوري الدكتور عبدالفتاح حسن المستشار بمجلس الأمة الكويتي لحضور اللقاء معنا؛ تعبيرًا عن تقديره مصر وما قدمه الدكتور عبدالفتاح حسن من جهد صادق، واصفًا إياه بأنه أستاذه الذي تعلم منه – ولا يزال – الكثير، وقال إن الارتباط بين البلدين يعد مصيريًا، وأن مصر تمثل القلب النابض للأمة العربية. الانطباع نفسه خرجت به من لقاء مع فيصل المتلقم الوكيل المساعد لقطاع الإعلام الخارجي بوزارة الإعلام الكويتية، الذي تحدث عن الجالية المصرية وإسهاماتها في بناء الدولة الكويتية، وأن العاملين المصريين في الهيئات والمصالح الحكومية الكويتية يشكلون 30% من حجم العمالة بها، وهي نسبة كبيرة، ومن بين هذه النسبة فإن 10% من موظفي مجلس الأمة مصريون، وهو ما أشارت إليه كذلك منيرة هويدي وكيل وزارة الإعلام الكويتية، التي وصفت العلاقات المصرية - الكويتية بأنها قوية وراسخة على الصعيدين الشعبي والرسمي، وأن هناك تعاونًا إعلاميًا متميزًا بين البلدين. حديث منيرة هويدي يقودني لثانية ملاحظاتي، وهي أن الكويت ترحب بالتنوع، وتنظر للثراء البشري الذي يحتضنه مجتمعها كميزة كبرى وليست عيبًا، ومصدرًا للقوة في سعيها لتحقيق رؤيتها التنموية الطموح، وتتعامل مع الوافدين – هناك 3 ملايين أجنبي يعملون بالكويت – على أنهم جزء أصيل من تركيبتها، ولهم مزايا وحقوق أهل البلد أنفسهم، وأن الدولة تقدر عطاءهم وجهدهم المبذول في شتى المجالات والقطاعات. يتصل بذلك سمة أخرى وهي التسامح وإعلاء قيمته، وليس أدل على ذلك من استضافة الكويت - وعلى نفقتها الخاصة - المؤتمر الدولي لإعادة إعمار العراق الذي غزاها واحتلها في عهد الرئيس الراحل صدام حسين، وهي تجربة مريرة بكل المقاييس وقاسية على النفس، لكنها تسامت عليها وقدمت ما يخدم الأمة العربية ودولها التي تواجه تحديات غير مسبوقة تستلزم اليوم وليس الغد اصطفاف الجميع تحت مظلة واحدة. ومن التسامح إلى ثالثة الملاحظات، وهى خاصة بالحيوية والتفاعل، ولم أعثر على نموذج يجسدها خير تجسيد سوى في البرلمان الكويتي الذي يتميز بالصخب من كثرة ما يشهده من سجالات بين نوابه لدى عرضهم استجواباتهم لوزراء الحكومة، وللمشكلات التي يعانيها الناخبون في دوائرهم. هذه السمة تتجسد كذلك في انطلاق الكويت نحو المستقبل بخطوات ثابتة مرسومة بدقة في إطار رؤيتها 2035، وكان آخر شواهدها افتتاح جسر الشيخ جابر الأحمد الصباح خلال زيارتي، الذي يعد أحد أكبر الجسور البحرية في العالم، ويبلغ طوله 36 كم، وبلغت تكلفته ثلاثة مليارات دولار، وسيربط الجسر الجديد - الذي بدأ العمل فيه منذ 2013 - مدينة الكويت بمنطقة الصبية الواقعة شمال غرب البلاد التي يعول عليها في الأنشطة الاقتصادية المستقبلية. ما سلف ملاحظات تشكل حصيلة زيارة سريعة لبلد شقيق هو الكويت الذي نعتز به وبقيادته وبعمق العلاقات الجيدة مع مصر التي أتوقع أن تشهد تطورًا ملحوظًا خلال الفترة المقبلة في ظل التنسيق والتشاور المستمر بين قيادتي البلدين حول القضايا الخاصة بالمنطقة وبالعالم.