فاضت روح العقيد ساطع النعماني، إلى بارئها في أحد مستشفيات العاصمة البريطانية لندن؛ ليلحق بركب الشهداء الأبرار الذين جادوا بأرواحهم الطاهرة، حتى يأمن أهل هذا البلد من شرور القتلة والإرهابيين المنتمين لجماعة الإخوان الإرهابية، التي لم تترك سبيلًا للعنف إلا وسلكته عن قصد، لإشباع نهمها غير المحدود لإسالة الدماء، فهذه الجماعة الدموية تنمو وتنتعش وسط دماء ضحايا عملياتها ومخططاتها القذرة الدنيئة، فالدم هو الهواء الذي تستنشقه لتبقى حية. وخلال خمس سنوات صعبة ومؤلمة من العلاج لم تفتر عزيمة الشهيد النعماني، كان صلبًا كالجبل الشامخ، لإيمانه بأنه أدى واجبه المقدس المكلف به؛ للذود عن ممتلكات وحياة سكان منطقة "بين السرايات" الذين انطلقت عليهم عناصر ميليشيات الإخوان المسلحة كالجراد؛ لإرهابهم وفرض سيطرتهم عليهم لدى اعتصامهم في "ميدان النهضة" بالجيزة سابقًا، ولا نحتاج لبيان الفارق والهوة الشاسعة الفاصلة بين شهيدنا، ومن أطلقوا عليه النار، ثم لاذوا بالفرار كالفئران المذعورة. وكما تذكرون فإن أتباع الإخوان لم يكفوا خلال "اعتصام النهضة" عن توعد المصريين بالسباحة في بحور من الدم، والسيارات الملغومة، إذا خرجوا طلبًا لرحيل الجماعة الإرهابية من الحكم، ونفذوا تهديداتهم حرفيًا بعد ثورة الثلاثين من يونيو، ولولا صمود الشعب والجيش والشرطة، ومن قبلهم رعاية الخالق عز وجل؛ لكنا اليوم في حال ووضع لا يعلم مدى ما فيها من سوءٍ وتردٍ سوى رب العالمين. انتقل النعماني إلى دار الخلد، تاركًا خلفه صفحات من نور، وسجلًا مشرفًا من العطاء والفداء سيكون نبراسًا لكل وطني غيور ومحب لهذا الوطن العظيم، وستبقى سيرته العطرة محفورة في الأذهان، يرددها المصريون، كلما تحدثوا عن أبطال مصر من القوات المسلحة والشرطة المدنية، الذين لم يبخلوا بالغالي والنفيس فداء لوطنهم، وحمايته من السقوط في براثن دعاة التطرف والفتن والإرهاب، وأن تمرح في جنباته خفافيش الظلام من التكفيريين والتنظيمات الإرهابية. فكتاب النعماني وأقرانه من الشهداء سيكون مرفوعًا في عليين ترنو إليه الأبصار والأفئدة بإعزاز وفخر منقطع النظير، بحثًا عن القدوة والنموذج الحسن لتهتدي به الأجيال المقبلة واللاحقة لها، خاصة أن الوطن لا ينسى تضحيات أبنائه، ويباهي بهم وبصنيعهم على مر الزمان. أما كتاب الإرهابيين والقتلة المأجورين فسيكون في الدرك الأسفل، ولا تفتح صفحاته العفنة إلا للإشارة للخسة والنذالة في أقبح صورها، وإبراز نماذج لفئة مارقة باعت وطنها بأبخس الأثمان، واستهانوا به وبمصالحه، وتعاونوا مع دول وأجهزة مخابرات كانت تخطط لإسقاط بلادهم في مستنقع الاقتتال الداخلي والفوضى والتقسيم، ولم يتورعوا عن المتاجرة بالدين وغسل أدمغة أنصارهم بتفسيراتهم الخاطئة والمغلوطة لآيات الذكر الحكيم، والأحاديث النبوية الشريفة، حتى تتناسب وتتوافق مع تعاليمهم الشيطانية التي تبيح القتل والترويع وهدم الأوطان. فهذه الشرذمة الباغية لا يوجد في قلوبهم سوى الغل والحقد الذي يغلي في صدورهم، ويجعلهم شياطين تسير على قدمين، بينما قلوب شهدائنا عامرة بالخير والرفق والتسامح، ولا يمكن أن تستوي أبدًا القلوب الطاهرة النقية بقلوب خربة غارقة في الظلام وتوصد أبوابها أمام النور. إن عطاء النعماني وصحبه من الشهداء الأنقياء سيبقى صفحة مجيدة في تاريخنا الوطني، وعندما نودع اليوم الشهيد النعماني في جنازتين عسكرية وشعبية مهيبة تليق به وبما قدمه لبلده، فإننا نضيف نجمة جديدة في سماء بطولات الشرطة المصرية التي تثبت كل يوم أنها حامية لأمن ومقدرات مصرنا العزيزة إلى جوار قواتنا المسلحة الباسلة، فسلام على أرواح أبطالنا الأبرار الذين سيظلون أبد الدهر في وجداننا وعقولنا عرفانًا وتقديرًا لما قدموه لنا؛ حتى نعيش في أمان.