أثارت صفحة "إسرائيل في مصر" على موقع فيسبوك جدلًا واسعًا، حين علقت يوم الثلاثاء الماضي (28 من ديسمبر) بالإشادة بحديث الدكتور يوسف زيدان في برنامج "كل يوم" ضمن فقرة "رحيق الكتب"، حيث ناقش كتاب "تاريخ اليهود في بلاد العرب.. الجاهلية وصدر الإسلام"، لمؤلفه اليهودي إسرائيل ولفنسون (الأحد الماضي). أبدت "إسرائيل في مصر"، إعجابها بالحلقة وتحديدًا بحديث الدكتور يوسف زيدان، حيث قالت الصفحة في منشور لها نصًا "أسعدنا سماع أقوال الكاتب والمؤرخ يوسف زيدان في برنامج (كل يوم) الذي قدمه عمر أديب على قناة ON TV، الأحد الماضي، ووصف زيدان للعلاقات الحميدة بين اليهود والعرب حتى قبل مجيء النبي محمد (ص.) وحتى أيامنا هذه، مشيرًا إلى أن جذور الحروب بين الطرفين تعود إلى المتطرفين". وأضافت "إسرائيل في مصر": "لا شك أن الرسالة التي يحملها تفسير الكاتب زيدان بضرورة نبذ ثقافة الكراهية بين الطرفين، هي رسالة مهمة في نظرنا وأن التعاون بين اليهود والعرب من شأنه أن يعود بالفائدة على المصريين والإسرائيليين على حد سواء، خدمة لأبناء الجيل الصاعد لدى الشعبين". ويعد الكتاب الذي ناقشه الدكتور يوسف زيدان مع الإعلامي عمرو أديب في الحلقة، هو رسالة دكتوراه، لباحث يهودي يُدعى إسرائيل ولفنسون، ولد في فلسطين عام 1899، لأب وجد نزحا من روسيا عام 1807، وتنتمي أسرته إلى اليهود الأشكيناز، جاء إلى مصر ليتعلم، وعاد إلى فلسطين مرة أخرى ليُدرّس اللغة العربية للمهاجرين. أجازت الكتاب ونشرته "لجنة التأليف والنشر والترجمة" التي كان من أعضائها؛ أحمد الغمراوي، وأحمد عبدالسلام الكرداني ومحمد عبدالواحد خلاف، والدكتور أحمد زكي، وحسن مختار رسمي، ويوسف الجندي، ومحمد فريد أبوحديد، وكتب مقدمته الدكتور طه حسين عميد الأدب العربي، إذ أشار الدكتور يوسف زيدان في الحلقة إلى أن طه حسين، وافق على الإشراف على دكتوراه الباحث اليهودي، إيمانًا منه بعظمة الثقافة المصرية التي تؤمن بفكرة الاستيعاب. في إطار فكرة الكتاب، ووجهة نظر مؤلفه، قال الدكتور يوسف زيدان نصًا، إنه "عند ظهور الاسلام وتوسعه، كان اليهود يستقبلون الجيوش العربية في الشام والعراق ويساعدونهم في الفتوحات"، كما استعرض أوجه الخلاف بين اليهود والمسلمين في مدينتي يثرب وخيبر. غير أنها ليست المرة الأولى التي تحتفي صفحات إسرائيلية بحديث الدكتور يوسف زيدان، فقد قال في أحد البرامج التليفزيونية في 2015، إن "المسجد الموجود في مدينة القدسالمحتلة ليس هو المسجد الأقصى، ذا القدسية الدينية الذي ذُكر في القرآن الكريم والذي أسرى الرسول إليه، والمسجد الأقصى الحقيقي الذي ذكر في القرآن يوجد على طريق "الطائف"، لكن المسجد الموجود في فلسطين لم يكن موجودًا من الأساس في عهد الرسول محمد". ويدلل على ذلك بأنه حين دخل عمر بن الخطاب القدس، لم يصل في المسجد الأقصى وإنما صلى في زاوية أخرى بجانب الكنيسة، فكان الأولى في رأي "زيدان" أن يصلي عمر بن الخطاب في المسجد هو وجنوده. غياب الوثائق الدكتور جمال شقرة، مقرر لجنة التاريخ بالمجلس الأعلى للثقافة، والأمين العام للجمعية المصرية للدراسات التاريخية، يقول ل"بوابة الأهرام": في التاريخ؛ إما توجد حقائق تاريخية، أو يكون هناك تحليل ووجهة نظر ورأي في القضايا التي ينعدم فيها الثبوت التاريخي. مثلًا حريق القاهرة، الذي وقع في عام 1952، هو حقيقة تاريخية، بدون اجتهاد، لكن الاجتهاد يمكن أن يكون في "لماذا أُحرقت القاهرة في هذا العام؟" أي "الأسباب". وفيما يتعلق بحديث يوسف زيدان عن صلاح الدين، هو لا يضع أسبابًا منطقية لانتقاده، في حين أن صلاح الدين الأيوبي بطل وانتصر في حطين وطرد الصليبيين، وكان فارسًا، شهدت له أوروبا بفروسيته وسمّته أسطورة، لكن وصفه زيدان بأنه "أحقر شخص في التاريخ". واعتبر "شقرة" أن ما قاله زيدان عن القدس، هو جريمة بحد ذاته، وتأييد إسرائيل الصريح له، يأتي بسبب إنصافه لها، معتبرًا أنه مؤرخ يتحدث بدون وثائق. غير متخصص وفي حديثه ل"بوابة الأهرام"، لم يبد الباحث والمؤرخ الدكتور عاصم دسوقي أيّ اندهاش من احتفاء إسرائيل بالدكتور يوسف زيدان، مشيرًا إلى أن إسرائيل تحتفي بمن يتحدث عنها بكل احترام وحب و"يبيع نفسه"، بحد قوله. لم يتطرق "دسوقي" لحديث زيدان بقدر ما قال إنه شخص غير متخصص، موضحًا أنه حاصل على الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية، ويتحدث في التاريخ بدون تخصص منهجي، فحتى التخصص في التاريخ معروف (تاريخ إسلامي وحديث وروماني ويوناني وغيرها). سألنا الدكتور عاصم: لماذا لا يدعو المؤرخون الدكتور يوسف زيدان لحسم القضايا الكُبرى التي يناقشها؟. قال: "بالفعل دعوناه منذ شهور في الجمعية التاريخية لإلقاء محاضرة والدخول في نقاش مع المؤرخين لكنه رفض، وكذلك دعاه مركز الدراسات التاريخية بالشرق الأوسط التابع لجامعة عين شمس، ورفض أيضًا، لأنه يرفض أن يناقشه مختصون". وجه مكشوف من جهتها، قالت الباحثة الدكتورة هويدا صالح، إنه عبر تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي الذي تجاوز المائة عام لم يخرج علينا أحد بوجه مكشوف ودون خوف من نظرة المجتمع له، متبنيًا خطابًا متصهينًا مثلما فعل يوسف زيدان، الذي دأب منذ عامين على ترديد خطاب متصهين يفوق خطره الخطاب الصهيوني الذي يطلقه أي إسرئيلي أو منحاز لإسرائيل، بحد قولها. وأضافت "صحيح أن ظاهرة المتصهينين العرب ليست جديدة، فطوال صراعنا مع العدو التاريخي للعرب، ونحن نسمع على استحياء خطابات يطلقها عرب ينحازون لإسرائيل، ربما طمعا في دعم ما، أو جائزة كبرى، وربما كراهية في فصائل متشددة من فلسطين (حماس نموذجًا)، لكن أن يخرج علينا كاتب بهذا الوضوح ويدافع باستماتة عن حق الصهاينة فيما يفعلون ضد شعب أعزل، سُلبت منه أرضه، وأُرِيقت دماؤه، فهذا لم يحدث من قبل إلا مع ظاهرة "يوسف زيدان"، فهو يعمل منذ سنوات على تفكيك القضية الفلسطينية ونزع شرعية الحق القومي عنها، بل ويعمل جاهدا على تبييض وجوه القتلة الصهاينة بحق إخوتنا الفلسطينيين. واستطردت في حديثها ل"بوابة الأهرام": حين نسمع مُسمّى "متصهين"، نتساءل فورًا عن الفرق بينه وبين "الصهيوني"؟ الصهيوني هو اليهودي الذي يؤمن بحق الكيان الصهيوني (إسرائيل) في وجودها على أرض عربية سكنها العرب وعمرها منذ آلاف السنين، وهو يختلف حتمًا عن اليهودي الذي لا يؤمن بمقولة إن فلسطين هي أرض الميعاد، وحق عودة اليهود إليها، لذا من المنصف في خطابنا أن نوضح الفرق بين رفضنا التام للصهيوني الإسرائيلي وبين اليهودي كمعتننق لدين اسمه اليهودية، لكنه يعيش على أرض أخرى ، ولا يؤمن بمقولات حكماء صهيون في أرض الميعاد. أما المتصهين، فقد أُطلِق على العربي أو المسلم الذي يتبنى وجهة نظر إسرائيل، ويدعمها نكاية في حماس أو لأسباب أخرى تخصه، وفق د.هويدا صالح. وتضيف: عبر تاريخ القضية الفلسطينية الذي يمتد لقرن من الزمن، تلبّس "الصهاينة العرب" بلباس التشدد والمزايدة في الوطنية لخدمة أهداف بني صهيون، لذا فحقائق التاريخ التي لا تكذب تظهر بشكل جلي أن ما دمر القضية الفلسطينية وخسّرها كل حروبها، وأسال دماء أبنائها، هم هؤلاء المتصهينون، الذين يحاولون عبر خطاباتهم بمستوياتها المختلفة (مقال برنامج تليفزيوني أو إذاعي) أن يهزموا روح المقاومة لدى شعب دفع من دماء أبنائه الكثير والكثير حتى يحافظ على حقه في الحياة. واعتبرت هويدا صالح أن هؤلاء المتصهينين كانوا وما زالوا يقدمون خطابهم مغلفًا بمزايدات عن الوطنية وغيرها، ولم يجرؤ الكثيرون منهم على مواجهة الجمهور في برامج تليفزيونية كثيفة المشاهدة وتقديم خطابه المتصهين، إلا أن يوسف زيدان لم يتورع عن هذا الفعل، فمنذ سنوات، وهو يكتب مقالات ويخرج في لقاءات تليفزيونية جماهيرية يشكك في حق شعب فلسطين في قضيته العادلة، بل يقدم لنا إسرائيل باعتبارها دولة يمكن إقامة سلام معها، بل وصل به الأمر أن يشكك في تاريخية الإسراء والمعراج، وأنه لم يكن نحو المسجد الأقصى، وحول كون المسجد الأقصى أول قبلة للمسلمين، وأن المسجد الحالي ليس هو المسجد الأقصى، وهكذا يغلف خطابه المتصهين بخطاب يقدمه للعالم على أنه خطاب تاريخي، لكن هذه التصريحات تستحق التوقف والتفنيد من قبل المفكرين المنصفين والرفض المجتمعي من قبل عامة الناس. وقالت "من أقوال زيدان في تعليق على زيارة بابا الإسكندرية، تواضرس، للقدس الشريف، إن 'لا قدسَ في المسيحيّة، حيث عاش اليهود، قبل المسيحيّة بمائتي عام على أمل المخلّص، سموه ماشيح، وهي كلمة بالعبريّة تقابلها بالعربيّة، الممسوح بالزيت المقدّس، ما سبّب جلبةً داخل الدولة الرومانيّة؛ فقام عدد من اليهود بالتواطؤ مع الدولة الرومانية لإخبارهم بكل من يدّعي النبوة، حتى جاء الملك إليانوس، وقرر تدمير عاصمة اليهود، أورشليم، أو كما يسميّها اليهود بيت همقداش (بيت المقدس)، وأمر بمسحها عن الوجود، وكان ذلك في عام 70 ميلاديّة، ركّز المسيحيّون على المدينة التي بناها إليانوس، وسموها إيلياء، حتى عندما فتحها عمر بن الخطاب كان اسمها كذلك، وقال إن ما نسميها ب 'العهدة العمريّة' هي تعهد بن الخطاب لأهل إيلياء، وهي لا تحتوي كلمة القدس". وأضافت هويدا صالح: "إذن هو ينفي وجود القدس ليس في الميراث الديني المسيحي وحده، بل في الميراث الديني الإسلامي، في محاولة لنزع رهبة قدسية المدينة، حتى يسهل الصراع على إسرائيل، ومن خلفها أمريكا، وربما إجماع دول العالم، باستثناء أمريكا وإسرائيل، خير رد على عربية مدينة بيت المقدس، وأن ليس من حق إسرائيل اتخاذها عاصمة لها". مقولات صهيونية وختمت حديثها ل"بوابة الأهرام": "لكن لماذا يتبنى زيدان مقولات الكاتب الصهيوني "مردخاي كيدار" عن أن مقداش التي تنطق القدس في العربية ليست مدينة العرب، ويستدل على عدم عربيتها بأن مقداش كلمة عبرية ، ونسي أن القدس في العبرية هي أورشليم، وهي محرفة عن كلمة عربية " أور سالم" حيث سكنتها تلك القبيلة العربية وأنشأتها قبل آلاف السنين. بل إن زيدان يروج لمقولة الصهيوني "نيسيم دانا"، رئيس وحدة العلوم الاجتماعية في جامعة أرئيل الاستيطانيّة، القائل إن الإسراء والمعراج 'كان إلى المدينةالمنورة لا إلى القدس الشريف، فيردد زيدان مع عمرو أديب ضمن برنامج "كل يوم" أن الإسراء كان إلى المدينةالمنورة أما المعراج بحسب قوله "معرفش جابوه منين"، بل يغالي زيدان، ويزايد على الصهاينة أنفسهم قائلاً: "المسجد الموجود في مدينة القدس ليس هو المسجد الأقصى وليس مكانًا مقدسًا"، قائلاً: "مغالطات تاريخية تدخل في باب التفاهات". ولأنه قال إن "الصراع العربي-الإسرائيلي قائم على 'لا سبب'، حيث إن القادة في الجانبين يضحكون على شعوبهم" فكان من الطبيعي أن تخرج السفارة الإسرائيلية في القاهرة بتقديم الشكر له، فهل ثمة مصالح يهدف زيدان إلى تحقيقها؟ أم أنه يراهن على نيل جائزة نوبل بعد أن نال أكبر جائزة في الوطن العربي؟"