لأنني أعرفه عن قرب، وأتابع بشغف نجاحاته اللافتة، في المهام الرسمية التي توكل إليه، على جميع المحاور والمستويات الدولية والمحلية، منذ أن بدأ ملحقًا دبلوماسيًا في عقد الثمانينيات، وصولًا إلى موقعه المرموق الحالي مساعدًا لوزير الخارجية، فإنني أتوجه إليه مباشرة بما أكتبه اليوم، لعلي أساهم في تعريف قارئ "بوابة الأهرام" به وبقدراته المهنية الفذة، من ناحية، بالإضافة إلى إيضاح بعض من ملابسات المهمة الصعبة جدًا، المسندة إليه، سفير معتمد لمصر في إيطاليا. فبعد انتظار "ممل" لقرار إيطالي بتعيين السفير، "جامباولو كانتيني"، سفيرًا جديدًا لها بالقاهرة وتصحيح موقفها تجاه مصر، بدأ العد التنازلي لخطوة مصرية مماثلة بتسلم السفير هشام بدر مهام منصبه سفيرًا لمصر في روما، خلفًا للسفير المتميز وشعلة النشاط، عمرو حلمي، الذي انتهت مهمته الرسمية بروما في نهاية شهر يناير الماضي. منذ ذلك الوقت، أي (7) أشهر، ظل منصب السفير المصري في روما شاغرًا، في حين بقيت القاهرة بدون سفير معتمد لإيطاليا، لمدة أطول، تقترب من العشرين شهرًا، وبالتحديد منذ قرار حكومتها "المتسرع" بسحب السفير، عقب العثور على جثة الباحث الإيطالي الشاب، جوليو ريجيني، وبها آثار تعذيب، على أحد الطرقات الصحراوية بالجيزة، في شهر فبراير من عام (2016). حسب وصف أوساط دبلوماسية، فإن السفير الإيطالي الجديد بالقاهرة "جامباولو كانتيني"، شخصية محترمة ومتزنة ومتمرس في العمل الدبلوماسي ويختلف عن سلفه، الذي وصفته الأوساط نفسها، بأنه ارتكب أخطاء جسيمة وكان أحد أسباب تفاقم الخلافات بين إيطاليا ومصر، وليس الحل. في الوقت نفسه، سوف يقدم السفير هشام بدر خطاب اعتماده بعد أقل من شهر في روما، ويصبح الملف الإيطالي، المثقل بالأعباء والآفاق الواعدة، في عهدته. سيبدأ السفير هشام بدر مهمته على أرضية صلبة من المهنية والتمرس والتفاني في العمل الدبلوماسي، فضلا عن تمتعه بشخصية مبتكرة ومحترمة ومتزنة، وسوف يكمل بكل تأكيد ما شيده سلفه، السفير القدير عمرو حلمي، من علاقات قوية وعلى أعلى المستويات مع جميع المسئولين الإيطاليين، صبت جميعها في تعظيم المصالح المصرية. في معرض شرحه لمبررات تصحيح موقف بلاده، قال وزير الخارجية والتعاون الدولي الإيطالي "أنجيلينو ألفانو": " الحقيقة أن مصر تعد محورًا رئيسيًا في قضايا بالغة الأهمية بالنسبة لإيطاليا لا سيما تلك المتعلقة باستقرار ليبيا ومكافحة الإرهاب". وأضاف: " لكن هذا لا يعني أن إيطاليا تعتزم طي صفحة البحث عن الحقيقة حول مقتل "جوليو ريجيني"، بل على العكس فسوف يحتوي خطاب التكليف الذي سأسلمه للسفير "جامباولو كانتيني" على العديد من التوصيات لمتابعة تطور التحقيقات في القضية خطوة بخطوة". وقال: " بهذا المعنى فإن سفيرنا في القاهرة سيعالج ثلاثة جوانب تشمل التحرك السياسي والدبلوماسي وعدم تناسي القضية ودعم العمل الإنساني، موضحًا أنه في المجال السياسي – الدبلوماسي تم اتخاذ قرار بإرسال خبير إيطالي إلى القاهرة سيكون مكلفًا بمتابعة التعاون القضائي في قضية "ريجيني"، ومشددًا على أن ذكرى "جوليو" لن تنسى فسوف يطلق اسمه على الجامعة الإيطالية المصرية، وعلى قاعة المحاضرات في المركز الثقافي الإيطالي في القاهرة، كما ستقام مراسم تذكارية في يوم اختفائه في جميع الدوائر المؤسسية الإيطالية في مصر، وعلى المستوى الإنساني ستزداد مشروعات التعاون الإنمائي التي تمولها إيطاليا في مجال حماية حقوق الإنسان وتعزيزها في مصر". ختم الوزير الإيطالي تصريحاته بالقول: "هذه بعض المبادرات التي سيكون السفير "كانتيني" مكلفًا بها لكي نؤكد الرغبة في البحث عن الحقيقة حول مقتل "جوليو ريجيني" بروح من التعاون بين هيئات التحقيق في البلدين". قصدت سرد كل ما أمكن نقله من تصريحات للوزير الإيطالي "أنجيلينو ألفانو"؛ لأنها ستكون بمثابة "الأجندة " وجدول الأعمال لمسار العلاقات الثنائية المصرية - الإيطالية خلال المرحلة المقبلة طبقا للتوجه الإيطالي، ولخطاب التكليف المرتقب الذي سيسلمه بعد وقت قصير، السفير "كانتيني" للوزير سامح شكري. على الجانب الآخر، وفي التقرير القيم الذي نشرته "بوابة الأهرام" يوم الثلاثاء الماضي للزميل عبدالرحمن علي عطية تحت عنوان: "عودة السفير الإيطالي للقاهرة، الأسباب والمكاسب"، وصف عدد من الدبلوماسيين وخبراء السياسة هذه الخطوة بأنها انتصار للدبلوماسية المصرية وتصحيح للموقف الإيطالي، وأن على كل مواطن مصري أن يفتخر بالأسلوب الهادئ المتزن الذي أدارت به الدبلوماسية المصرية الظرف الطارئ في مسيرة العلاقات الثنائية مع إيطاليا، وقد أدى هذا الأسلوب الهادئ والمتزن - في النهاية - إلى تخطي نيات شريرة لدوائر مشبوهة في الخارج وفي الداخل، حاولت وتحاول بلا جدوى، حصار مصر والإضرار بمصالحها، لا قدر الله. في مقدمة المتحدثين ل "بوابة الأهرام" كان السفير محمد العرابي وزير الخارجية الأسبق، والدكتورة نورهان الشيخ، أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة، والدكتور جمال سلامة، أستاذ العلوم السياسية والدكتور علاء الغمري، عضو مجلس إدارة غرفة شركات السياحة. أكد المتحدثون جميعهم عمق العلاقات الإستراتيجية بين مصر وإيطاليا وضرورة الحفاظ عليها والعمل على تنميتها، وأشاروا إلى أن قرار إيطاليا بتصحيح موقفها تجاه مصر خطوة مهمة لإعادة العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية إلى سابق عهدها. من المعروف أن إيطاليا كانت ولا تزال، هي الشريك الأوروبي الأكبر لمصر، وهناك مصالح مشتركة بين البلدين، أهمها الاقتصادية والتجارية، بالإضافة إلى الاستثمار في مجالي الغاز والنفط وصولًا إلى تدفق السياحة، ومن حسن الطالع أن كل هذه المصالح لم تتأثر بأزمة الباحث الشاب "جوليو ريجيني". [email protected]