لا يكاد يمر يوم علينا دون سماع خبر –أو أكثر- عن تدهور الاقتصاد وظلام المستقبل الذى ينتظر البلاد خلال الشهور المقبلة، ولا تخلو تصريحات كثير من المسئولين فى ما يشبه التحذير من خطورة الوضع الاقتصادى، الذى وصفته صحيفة الاندبندنت البريطانية بأنه العقبة الأبرز فى مسار الثورة المصرية. بينما تزدحم الفضائيات وصفحات الجرائد على (الفاضى والمليان) وعن كل ما كثر (ردحه) وقل (نفعه)، حتى تاه المواطن العادى وضاعت منه القدرة على التفسير، ما بين العباسية والتحرير، ولأن النخب المصرية –بلا استثناء– ضالعة فى تقديس الفضاء الألكترونى وخبيرة فى الانجراف وراء تيار مواقع التواصل الاجتماعى، إلا أنهم جميعًا –أى النخب والنشطاء السياسيون– غارقون فى كهوف ما قبل اختراع الأرقام. لأن الأرقام لا تكذب ولا تتجمل، آثرت "بوابة الأهرام" فى هذا التحقيق البحث عن أى صوت مصرى يجيد (عقلنة) الأشياء دون ضجيج لعلنا نستطيع تقديم خدمة اقتصادية كفؤة ليس للقارئ فحسب بل ولصانع القرار أيضا، وللنخب والنشطاء ممن استطاعت الحكمة أن تجد لهم سبيلًا. طالعتنا الأخبار مؤخرًا أن وفد (صندوق النقد الدولى) سيستأنف زيارته للقاهرة مطلع العام الجارى لغرض استكمال مباحثاته مع الحكومة بشأن تقديم قرض قيمته ( 3.2 مليار دولار) عقب أنباء عن تعثر جولات سابقة قال (الصندوق) إن سببها يكمن فى الوضع الأمنى المتدهور والذى شهدته البلاد جراء أحداث شارع محمد محمود، نوفمبر الماضى، وفق تسريبات عن اشتراك (الصندوق) لرفع الدعم الحكومى عن المحروقات (البنزين والسولار) والكهرباء. جاء ذلك بعد أن قامت (موديز) بخفض التصنيف الائتمانى للسندات الحكومية المصرية للمرة الرابعة على التوالى عام 2011، مما ينذر بكارثة اقتصادية قد تتعرض لها مصر لتتحول معها إلى (صومال على النيل) – على حد قول أحد المحللين الغربيين – فى أسوأ السيناريوهات المحتملة، إلا أن الكثير من الساسة فى مصر بعد الثورة يظنون أن المسألة الاقتصادية تنحسر فى تعويض الخسائر الناتجة عن المناخ السياسى المضطرب عن طريق الاقتراض والمساعدات الدولية – الموعودة بها منذ فترة – والتى سنصل معها لنقطة الصفر، عندئذ نبدأ الانطلاق نحو اقتصاد أفضل، واضعين فى الاعتبار تصريح دكتور سمير رضوان، وزير المالية فى حكومة دكتور عصام شرف، أن أداء الاقتصاد المصرى قبل 25 يناير 2011 كان ممتازًا إلا أن المشكلة انحسرت فى انعدام عدالة التوزيع، وهو ما قامت الثورة من أجله بالتأكيد. أثناء عملية البحث عن تلك المصادر، غير النمطية، التقينا نموذجين من الشباب المصرى دون التقيد بمعايير نخبوية، التقيت أحد الأصدقاء الجدد وهو من مؤسسى (اتحاد الشباب الليبرالى المصرى)، واسمه عمرو البرجيسى، ويعكف على إعداد رسالة الماجيستير فى الفلسفة السياسية من جامعة (شيكاجو) الأمريكية، وقبل أن يستهل حديثه معى قدم لنا رسمًا بيانيًا وجدولًا إحصائيًا كى نبدأ معهما تقييم الوضع الاقتصادى الحالى واستشراف ملامح مستقبله.