تصدر قريبا عن الدار المصرية اللبنانية دراسة بعنوان "حوار حول القرآن والشعر" في نماذج من أعمال الشاعر أحمد الشهاوي أعدتها الباحثة التونسية حياة الخياري وكانت قد نالت عنها درجة الدكتوراه من جامعة سوسة–تونس. وأشرف عليها الدكتور عبد العزيز شبيل والشاعر الدكتور منصف الوهايبيوكان الشاعر الدكتور محمد الغزي أحد أعضاء لجنة المناقشة. وتبدأ الدراسة بمقدمة تمهيدية حول حوار القرآن والشّعر، لافتة إلى الأثر الذي أحدثه الاجتهاد في تفسير القرآن والحاجة إلى الانفتاح على الشّعر، وتعالج الدراسة شعر الشهاوي انطلاقا من كثافة المعجم القرآني في نصوصه نظما ونثرا. والتي تتسم بظاهرة "التناصّ" حيث يبرز التداخل النصي بين المعجم القرآني وكتابات الشهاوي. وأحمد الشهاوي شاعر من جيل الثمانينيات، من أبرز أعماله " الأحاديث ، ركعتان للعشق ، الوصايا في عشق النساء، أسوق الغمام " وقد ترجمت أعماله إلى عدة لغات ونالت حضورا كبيرا واستهدفها عدد من الأصوليين بفتاوى تكفيرية بسبب اعتماد صاحبها على استلهامات من النصوص الدينية. وترى الدراسة أن حوار القرآنيّ والشّعريّ ليس بالأمر الطّارئ على الأدب العربيّ المعاصر، ذلك أنّ الوظيفة الإفهاميّة/ الإبلاغيّة كانت أسبق من الوظيفة الإنشائيّة/ الجماليّة. فقد كان القرآنُ السَبَّاقَ إلى محاورة الشّعر رفعا لما علق بالذّاكرة العربيّة من التباس بين جملة من المفاهيم. أهمّها: "الشّعر" و"الكهنوت" و"السّحْر". لذلك دعا الله بوضوح وصرامة إلى ضرورة الفصل بين القرآن والشّعر في آيات عديدة. وترى الباحثة أن عروبة القرآن إذا كانت موضع إجماع، فإنّ اللّغويين والمفسّرين قد اختلفوا في تحديد ضوابط البيان وعلاقته بمعايير فصاحة اللفظ ومدى قدرته على ضمان شروط التواصل ناهيك عن تحقيق مطلب الإعجاز اللّغويّ. وهنا طُرحت مسائل "الغريب" و"المُشْكل" و"المتشابه". ولمّا كان الشّعر هو المعيار الأرقى لفصاحة العربيّة قبل الإسلام، فقد اتّخذه بعض الصّحابة ملاذا يبدّد حيرتهم كلّما اشتبهت عليهم ألفاظ من غريب القرآن، وأشكلتْ تراكيبه، والتبست معانيه. ممّا دفعهم إلى فتح منافذ الحوار بين الآية القرآنيّة والبيت الشعريّ، أي بين السُّوَر المُنْزَلة والصّوَر المشكَّلة. وتعاود الباحثة التأكيد على أن القرآن الكريم والشّعر اشتركا في المَجاز، لكن الاختلاف كان في المقاصد، فتمثل المجاز القرآني في الثقافة العربية بحسبها، لم يتمّ بمعزل عن معيار حاضر بديهةً عند المفسّرين والبلاغيين القدامى، ألا وهو المجاز الشعريّ. وإن دلّ ذلك على شيء، فإنّما يدلّ على أنّ المعجم القرآني لا يمكن أن يكون مكتفيا بذاته بل إنّ لغة القرآن لم تفهم بمعزل عن غيرها من لغات العرب، والعجم أحيانا. وفي الأثناء، فإنّ كلّ عمليّة تأويل للمقال القرآني بالعودة إلى المقام الشّعري، تتمّ بالتزامن مع عدول عن "الحقيقة" واقتياد للعبارة باتّجاه "المجاز"، وهذا ما لمسه المفسّرون والفقهاء قبل النّقاد والأدباء. ومن أهم ما تشير إليه الباحثة في دراستها الإشكالية "حوار القرآنيّ مع الشّعريّ" أن هذا الحوار سرعان ما أفلت من زمام اللّغويّين والمفسّرين معا ليطرح منافسة غير معلنة بين فصاحة القرآن وفصاحة الشّعر، حتّى أنّها طفت على منابر الأدباء وسجالات النقّاد خصوصا مَن تأثّر منهم بحركة المعتزلة، في هذا السّياق يُروى أنّ أبا العلاء المعرّي ألّف كتابا في معارضة القرآن سمّاه "الفُصول والغايات في مجاراة السُّوَر والآيات". وقد قيل له في شِعره الذي عارض به القرآن: ""ما هذا إلاّ جيّد، غير أنّه ليس عليه طلاوة القرآن." فقال: "حتّى تصقلَه الألسنُ في المحاريب أربع مائة سنة، وعند ذلك أنظروا كيف يكُون.". وانتهى معظم النقّاد القدامى إلى تفضيل المجاز القرآنيّ على المجاز الشّعريّ لاعتبارات عقائديّة، لكنّهم بالمقابل فتحوا الباب على مصراعيه أمام حوار الشعريّ والدينيّ، دون أن يقدح الشّعر في قدسيّة القرآن، أو يُتّخذ الدّين حجّة للجم قرائح الشّعراء. وبحسب الكتاب أدرك نقّاد الأدب أنّ لكلّ مقام مقاله، فمثلما رُسمت لعلوم التّفسير والفقه شروطها الدينيّة وضوابطها المعرفيّة، فقد وضعت للنقد الأدبيّ مقوّماته وآليّاته التي ضبطوا لها أسسا تضمن أريحيّة الكتابة الإبداعيّة وتراعي جماليّاتها. من المنطلق ذاته، حرص النقّاد على التعامل مع الاقتباس اعتمادا على معايير فنيّة جماليّة، ولم يجد علماء القرآن حرجا في أن يسوقوا نماذج من الآيات القرآنيّة التي ضمّنها الشّعراء قصائدهم حتّى الخمريّة منها، ما يؤكد إنّ اللّفظ القرآنيّ يكفّ كونه لغة "سماويّة" بمجرّد أن يتنزّل ضمن منظومة الإبداع "البشريّ" ليستحيل "أسلوبا" يتماهى مع ذات الأديب ولغته. وفي دراستها ترى الباحثة أنها اختارت نصوص الشّاعر أحمد الشّهاوي لكثافة الحضور القرآني فيها، ثمّ لما واجهته من جدل عقائديّ ونقديّ كثيرا ما كان مجانبا للمعايير الموضوعيّة من حيث مدى مراعاتها للخصوصيّة الرّمزيّة المميّزة للكتابة الأدبيّة عند الشهاوي وغيره من الأدباء الذين اعتبروا النصّ القرآني من المشترَك الثقافي الذي لا يمكن أن تحتكره أيّة طائفة أوجماعة تحت أيّة ذريعة. وتتوقف الباحثة أمام ما تسميه ب"القلق الوجوديّ " في هذه النصوص وترى أن مصدره تضخّم الإحساس بهاجس الزّمن وعجز الشاعر عن الإمساك بزمام قدَره، وهي حقيقة إنسانيّة وإلهيّة، وهو ما جعل النقاد يتناولون أعمال الشهاوي ضمن منظومة الأدب الصوفي. وترى الدراسة أنه بالإضافة إلى استيعابه المنظور الصّوفيّ فقد تميّزت مقاربة أحمد الشّهاوي بتوافر صورٌ شعريّة كثيرا حتّى تُجمع على تكريس المخزون الرّمزيّ لدحر العدم معتمدةً المعجم القرآنيّ رافدا أساسيّا في استمداد رموز الحياة، بل إنّها لا ترى حرجا في استثمار الذّاكرة الثقافيّة لبعدها العقائدي عساها تبدّد المأساة وتقلبها إلى ملهاة، كما في كتاب "الوصايا في عشق النساء " وتنتهي الدراسة إلى القول بأن أحمد الشّهاوي يمثل نموذجا شعريّا نشأ في بيئة عقائديّة سُنّيّة تنهل من ثقافة الإنشاد الصّوفي المنتشرة بين مختلف الطّرق الصّوفيّة وتكشف الباحثة تأثر الشّهاوي بالطّريقة الصّوفيّة "الشّاذليّة" التي تركن إلى طريقة في الإفضاء يغلب عليها الطّابع الغنائيّ المقدّم كطرق للاحتفاء بانصهار الذّوات الفرديّة في ذوات جمعيّة لا تقطع كلّيا مع عوالمها "النّاسوتيّة"، لذلك فهي تغازل المواجد أكثر ممّا تخاطب التأمّلات العرفانيّة الباطنيّة التجريديّة. وتعتقد الباحثة أنّ جنس الوصيّة ليس هو الجهة الأنسب لاقتياد المعنى بعيدا عن القرآن والشّعر، إذ تبدو عمليّة التناصّ مع القرآن أشدّ كثافة وعمقا في النّصوص الشعريّة إذا ما قورنت بالنصوص النثريّة لا سيّما في كتابيْ "الوصايا في عشق النّساء". وتعالج الرسالة التي ستصدر في جزءين عن الدار المصرية اللبنانية، بالتفاصيل موضوعات شائكة من بينها "- تفسير القرآن والحاجة إلى الانفتاح على الشّعر .. أسس حوار القرآنيّ والشّعريّ في أدبيات الشّاعر أحمد الشّهاوي .. استراتيجيا التناصّ مع الحرف القرآنيّ.. فنيات الإنشاد الصّوفيّ في توظيف الحرف.