الانتحار من أكبر الذنوب وعظائم الآثام.. تلك الظاهرة، انتشرت بين الطلاب في الأيام الماضية، خاصة طلاب مرحلة الثانوية العامة، والانتهاء من الامتحان. وسنويًا.. مع بدء عملية امتحانات الثانوية العامة، تظهر المؤشرات على صعوبة الامتحانات، مع سماع انتحار بعض الطلاب للتخلص من حياتهم بعد الفشل في الإجابة النموذجية للموضوع وتحقيق حلم الأسرة. "بوابة الأهرام".. تتعرض لهذا الكابوس المفزع ، مع استطلاع آراء خبراء تربية وأطباء علم نفس مع أخذ رأي الدين في هذه الظاهرة، خصوصًا بعد تكرار محاولات الانتحار مع بداية موسم الامتحانات على اعتبار أن هذه المرحلة فاصلة في مستقبل الشباب . في البداية ، قالت الدكتورة بثينة عبدالرءوف الخبيرة التربوية، إن ظاهرة انتحار طلاب الثانوية العامة بعد أداء الامتحانات لم تحدث إلا في مصر فقط، خلاف بقية دول العالم التي تنتهي من مرحلة الثانوية دون أي معوقات أو أزمات، مؤكدة أن هذا يرجع لوجود خطأ في الفكر المجتمعي تجاه العملية التعليمية. وأرجعت حالة الهلع والفزع لدى طلاب الثانوية العامة والاضطراب النفسي أثناء العملية الامتحانية، نتيجة الضغط النفسي الذي تعيشه الطلاب فترة الامتحانات وعدم وجود المناخ المناسب لهم، ووضع أمر أن تحقيق النجاح والحصول على المجموع الأعلى في الثانوية العامة هو الحياة وعدم تحقيق ذلك هو الفشل، وهذا ناتج عن عدم وجود التوعية المجتمعية للأسر، خاصة ناحية التعليم وأهميته. وأشارت إلى أن التعليم العالي في مصر أصبح له بدائل كثيرة خلاف الزمن الماضي، فأصبح الآن الجامعات الخاصة والمعاهد والجامعة العمالية، خلاف ما كان في الماضي بوجود جامعة القاهرة وعين شمس، موضحة أن البدائل موجودة، لذا لابد من وجود التوعية المستمرة للأسر للحد والقضاء على هذه الظاهرة المخيفة. وأكدت الخبيرة التربوية، أن البنات أكثر تأثرًا من الشباب، في هذه الفترة والضغط العصبي، نظرًا لوجود العاطفة بالبنات أكثر من الشباب، موضحة أن الشاب يستطيع التعامل أكثر مع الظروف خلاف الفتاة التي تجلس معظم الأوقات بالمنزل. ورأت، أن هناك أسبابًا لهذه الظاهرة، من ضمنها أن المجتمع والأسر والإعلام مشاركون في ذلك، لعدم وجود ما يقيم الطلاب وتوعيتهم بشكل أفضل، لافتة إلى أن نظام الثانوية العامة وتغيير نظم القبول التي يتم الحديث عنها ليس السبب ولكن السبب هو ثقافة مجتمع ولابد من مشاركة المنظمات المجتمعية في التأهيل الأفضل للطلاب مع وجود منظمات كثيرة بالمجتمع، منها المجلس القومي للمرأة ومجلس الأمومة والطفولة، موضحة أن نظرة الأسر لمفهوم الثانوية العامة خاطئ، لكون النظر لها أنه مجرد درجات وليس قيمة تعليمية. ويرى الدكتور محمد المهدي، أستاذ الطب النفسي، بجامعة الأزهر، أن التضخيم والتهليل بشكل مبالغ فيه لموضوع امتحانات الثانوية العامة، أحد عوامل تكرار انتحار العديد من الطلاب في مرحلة الثانوية العامة بعد أداء الامتحان وصعوبته وعدم وضع الإجابة التي ترضيه وترضي أسرته، مضيفًا أن وضع الطالب أو الطالبة على المحك في هذا الوقت يسبب التوتر والاكتئاب، مما يجعله يفعل أي شىء للتخلص من هذه الحالة. قال أستاذ الطب النفسي، إن مرحلة الثانوية العامة، مرحلة مثل أي مرحلة عادية، مشيرًا إلى أن التضخيم من قبل الأسر في المقام الأول لهذه المرحلة وأنها هي من تحدد مصير المستقبل بالنجاح أو الفشل فكر خاطئ وتأهيل غير مناسب من الأسر لأولادها، موضحًا أن ساعات الامتحانات التي يتم تحديدها للطالب، وهي من تحدد مصيره فكر خاطئ في الناحية التعليمة، فلابد من البعد عن موضوع تحصيل الدرجات من ساعتين أو 3 ساعات ووضع نظم أخرى للطلاب لتحصيل الدرجات منها الأنشطة الطلابية وورش العمل حتي يتم تأهيل الطالب بناحية نفسية جيدة تبعده عن الشد العصبي والبعد التوتر المستمر. وأكد المهدي، أن عيادات الطب النفسي بمصر، أثناء فترة امتحانات الثانوية العامة، تمتلئ بطلاب الثانوية نتيجة المعاناة النفسية والضغط المتواصل سواء عصبيًا أو نفسيًا، لافتًا إلى أن الأسرة لها دور كبير في ذلك بتهئية الطالب أو الطالبة وتوفير له المناخ المناسب وعدم الإحساس أن هذه المرحلة مرحلة التفوق أو الفشل في الحياة، وتوعيته بأنها مرحلة مثل أي مرحلة تعليمية ستمر مثلما مرت غيرها. واستنكر بشدة، أستاذ الطب النفسي، فكرة تقسيم الكليات لطلاب الثانوية العامة لكليات قمة وكليات قاع، مؤكدًا أن هذه التفرقة تعد تفرقة عنصرية ساهمت بشكل كبير في تكرار ظاهرة الانتحار الطلاب لعدم تحقيقه كلية قمة، والإحساس بداخله أن عدم دخوله كلية القمة هو الفشل الذريع في الحياة والتفكير في مقولة "الموت أشرف من هذا الفشل"، مشددًا على توعية الطلاب بأن كل مرحلة تعليمة لها القيمة والقامة وليس الفشل. ومن نايحة رأي الدين في الانتحار، قال الشيخ أحمد ممدوح، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن الانتحار من عظائم الذنوب وكبائر الآثام ، وقد ورد في الحديث الصحيح الوعيد الشديد لمرتكب تلك الجريمة في حق نفسه، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( مَن تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومَن تحسَّى سمّاً فقتل نفسه فسمُّه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومَن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً )، وقال: ( مَن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة )، وقال: (كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكيناً فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات . قال الله تعالى : بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة). وأشار ممدوح، إلى أن الإنسان دائمًا في إخفاقاته يلاحظ المنحة المختبئة في المحنة، وليست نهاية العالم ولا آخر فرص الوجود أن يفشل الطالب في مادة أو حتى يرسب في سنة، ولعل الله كتب له ذلك لأمر ليس فيه إلا مصلحته في مستقبل أيامه، وإنما القوي الواثق في الله هو الذي يجعل إخفاقاته تجارب تزيد من خبرته في الحياة ولا تكن حجرًا يسد عليه طريقه بل يصعد فوقه ، علمًا بأن البلاء إذا أصاب الإنسان فصبر عليه فإنه يكون سببًا للتكفير عن ذنوبه ورفعة درجاته؛ وقد ورد في الحديث أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: ( مَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ ). وطالب أمين الفتوى بدار الإفتاء، أولياء الأمور الذين لم يكن الحظ محالفًا لأبنائهم في الاختبارات بألا يزيدوا في إحباطهم وتحطيم معنوياتهم بل يقدموا لهم الدعم النفسي اللازم، ويتجاوزوا ما حصل ويلتفتوا إلى القادم.