مابين معارض ومؤيد لمراقبة منظمات المجتمع المدني للانتخابات المقبلة، تمضي الأحداث إلى مصيرها، فهناك من يشككون وهناك من يخونون وهناك من يتوجسون، ولا يبدو ثمة فارق كبير بين أداء دورها كمنظمات مصرية، وبين كونها ممثلة لجهات خارجية، حيث يتضح مما يلي - بلا جدال- أن تمويلها أجنبي من الألف للياء. فمراقبة الانتخابات هي مسألة قديمة، تعود إلى1960 عندما تم إحضارها من قبل الأممالمتحدة، وقد سعى المجتمع المدني المصري منذ عام 1990 لمراقبة الانتخابات، لكنها لم تترسخ بصورة نهائية، إلا في عام 1995، عندما تم إحراز تقدم الرواد الأوائل في مجال مراقبة الانتخابات في مصر. وبدعوة من الدكتور سعيد النجار، رئيس جمعية النداء الجدي، والدكتور سعد الدين إبراهيم، شُكل ما سمي المجلس المصري المستقل لمراقبة الانتخابات، هذا المجلس في البداية واجه تحديات صعبة للغاية من جهات حكومية، لكنها كانت قادرة على الأقل لوضع أسس جيدة، والتى كانت أول تحرك للمنظمات الأهلية، حيث كان هناك تحالف للمراقبة ضم ست منظمات هي: المنظمة المصرية لحقوق الإنسان و مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية ومركز المحروسة للبحوث والتدريب والمعلومات ومركز المساعدة القانونية لحقوق الإنسان ومركز الدراسات والمعلومات القانونية. ومركز حقوق الإنسان المصري لتدعيم الوحدة الوطنية وقد ضم ذلك التحالف أيضا أكثر من مائة شخصية عامة. وراقبت المنظمة المصرية أيضا 10% من دوائر الجمهورية والذى يقدر ب22 دائرة وكانت قيمة التمويل 30ألف دولار، وأصدرت تقرير المراقبة "الديمقراطية فى مصر المصير المجهول " ثم بعد ذلك وفى عام 1997 قامت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان بمراقبة انتخابات المجالس المحلية وأصدرت تقريرها (الانتخابات من طرف واحد)، حيث قامت المنظمة وقتها بمراقبة 20% من الدوائر. وفى الانتخابات البرلمانية لعام 2000 لم يكن هناك أي رقابة واضحة، وكانت هناك محاولات فردية، حيث لم تراقب سوى المنظمة المصرية ووجهت الحكومة وقتها إنذارًا شديد اللهجة لمنظمات المجتمع المدنى بعدم مراقبة الانتخابات وإلا سيتم القبض على مراقبيها، ولكن في عام 2005 كانت القفزة النوعية الواضحة في عملية الرقابة على الانتخابات جاءت مع بدايات عام 2005 بحكم ما شهدته البلاد من أحداث سياسية متوالية في هذه الفترة وأبرزها إعلان الرئيس السابق في 26 فبراير 2005 عن مبادرته بتعديل المادة ( 76 ) من الدستور ليصبح اختيار رئيس الجمهورية بالانتخاب المباشر بين أكثر من مرشح بدلًا من الاستفتاء. فضلا عن التحول الكبير في رؤية المنظمات لعملية الرقابة حيث بدأت تتخلى عن الرقابة الفردية لتظهر أشكال من التحالفات والتكتلات مثل:- الحملة الوطنية لمراقبة الانتخابات، والتى راقبت بتمويل قدره 600ألف دولار من المعونه الأمريكية وكانت هذه الحملة مشكلة من جمعية حقوق الإنسان للمساعدة الأمريكية والمنظمة العربية للإصلاح الجنائى، ومركز أندلس لدراسات التسامح وحقوق الإنسان والجمعية المصرية لتنمية الديمقراطية، وفى نفس قام مركز ابن خلدون بتشكيل تحالف لمراقبة الانتخابات مكون من 11 منظمة حديثة النشأة منها مركز ماعت وعالم واحد للتنمية وحقوق الإنسان ومركز الحوار والتنمية وغيرها من المنظمات وذلك بتمويل أمريكى قدرة 250 ألف دولار ،فيما قامت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان بتكوين الائتلاف المدنى لمراقبة الانتخابات ضم 22 منظمة حقوقية وحصلت على تمويل من الاتحاد الاوروبى قدرة 100ألف دولار، بالإضافة إلى بعض المنظمات التي قامت بالرقابة منفردة مثل الجمعية المصرية لدعم التطور الديمقراطي وجمعية المشاركة المجتمعية. وقد بلغ عدد المنظمات التي قامت بالرقابة على الانتخابات البرلمانية لعام 2005 اثنين وخمسين منظمة طبقا لما ورد في تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان وهى جميعها تحالفات نجحت في إحداث تطور في عملية الرقابة والتغلب على العقبات والقيود التي بدأت برفض تام لفكرة الرقابة وصولًا إلى الحصول على حكم بالسماح بالرقابة بعد ذلك فكرة الرصد والذى نص على " منظمات المجتمع المدني من حقها مراقبة الانتخابات من داخل وخارج مراكز الاقتراع، وكذلك في مراكز فرز الأصوات. وجاء فى نص الحكم " أن المنظمات غير الحكومية والمؤسسات القانونية المستقلة لها الحق في التفاعل مباشرة مع السلطات الانتخابية دون اللجوء إلى وسيط ، سواء كان المجلس القومي لحقوق الإنسان أو أي شخص آخر". وفى 2007 وبتمويل أمريكى قامت مؤسسة النقيب للتدريب، ودعم الديمقراطية بتشكيل الائتلاف المصرى لدعم الديمقراطية الذى ضم 9 منظمات وكانت قيمة التمويل 750ألف دولار من المعونة الأمريكية وقامت الجمعية المصرية لدعم الديمقراطية وبتمويل أمريكى أيضا قدره 750ألف دولار بمراقبة الانتخابات. وفى 2008 راقب مركز ابن خلدون انتخابات الشورى بتمويل أمريكى وراقبت ماعت وعالم واحد بتمويل أمريكى ولكن من مؤسسة "ميرى"-مبادرة الشرق الأوسط-وكان قدره 100ألفلادولار أما مؤسسة النقيب والتى كان لها نصيب الأسد فراقب ب900ألف دولار من أمريكا. وفى 2010 بالتعاون مع فريدم هاوس قام الناشط الحقوقى محمد محيى بتأسيس مشروع "شارك وراقب" لمراقبة الانتخابات وذلك بتمويل من المعونة قدره 350ألف دولار، وراقب إبن خلدون بتمويل مشترك من مؤسسة المستقبل الأردنية ومبادرة الشرق الأوسط وكان قدره 250ألف دولار، وكان للجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية نصيب من تمويل الاتحاد الاوروبى لمراقبة الانتخابات قدره 300ألف يورو وذلك بالتعاون مع جمعية نظرة ومركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان. أما عن انتخابات 2011 فلم يتضح حتى الآن سوى مشروع شارك وراقب الذى أعلن أن مشروعه وتمويله سيكون من المعونة الأمريكية ويقدر ب600ألف دولار ومؤسسة النقيب التى ضربت الأرقام القياسية وبتمويل 10 ملايين جنيه وهو تمويل سويدى من مؤسسة سيدا أما المنظمة المصرية لحقوق الإنسان بشراكة مع الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان تراقب وسائل الإعلام بتمويل دنماركى بما يوازى تقريبًا 300ألف دولار. وعن الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية وبالتعاون مع جمعية نظرة ستراقب الانتخابات بتمويل أوروبى قدره 650ألف دولار. وقد خيل لأصحاب هذه منظمات أن الثورة هى طوق النجاة لهم من قبضة النظام السابق وأنهم بعد الثورة سينطلقون فى العمل دون أدنى رقابة ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن فقد كان العمل الحقوقى من أكثر الأعمال الذى وضع تحت رقابة وبدا وجهه سيئ ليس أمام السلطات فحسب، بل وأمام الشعب أيضا وأصبحوا الخونة والعملاء حتى فكرة الرقابة على الانتخابات بدأت تنحصر، فكان فى عهد النظام البائد يطلق عليها متابعة الانتخابات، أما بعد الثورة فجاء المجلس العسكرى ورئيس اللجنة العليا للانتخابات عبد المعز إبراهيم بلفظ جديد على أذن الحقوقيين وهو السماح لمنظمات المجتمع المدني المحلية والأجنبية بمشاهدة الانتخابات، غضب النشطاء الحقوقيين بسبب عدم وضوح المقصود بكلمة "مشاهدة" مؤكدين أنه ليس لها أي مدلول ولا يعنى وجود رقابة على الانتخابات وهو ما يدل على وجود نية للتزوير ،وأن هناك مراقبين حقوقيين للانتخابات وليس مشاهدين. يقول سعيد عبد الحافظ، مدير مؤسسة ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان: لايوجد ما يسمى بالمشاهدة لمعايير الدولية الحرة والنزيهة لمراقبة الانتخابات ولكن منظمات المجتمع المدنى لها الحق فى مراقبة سير إجراءات المراحل الثلاث للعملية الانتخابية، ولكن باستخدام المجلس العسكرى واللجنة العليا للانتخابات هذا اللفظ يتضح نيتها فى السيرعلى نفس نهج الذى كان يمشى عليه النظام السابق والذى كان يستخدم لفظ متابعة وهو يحتمل أكثر من مشاهدة ولكن بعد الثورة لن نرضى بغير المراقبة الكاملة للعملية الانتخابية من أول تقديم أوراق المرشحين وفترة الدعاية الانتخابية ثم اليوم الانتخابى وأخيرًا الفرز ولفظ مشاهدة لن يمكن المجتمع المدنى من ذلك ولن يمكنه من القيام بدوره الحقيقى. وطالب حافظ أبو سعدة، عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان ورئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، بسرعة وضع ضوابط ومعايير ثابتة بشكل دقيق منعا لأي لبس أو اختلاط لتحقيق مزيد من الفاعلية لدور المجتمع المدنى في المرحلة القادمة وكيفية عمل منظمات المجتمع المدني الدولية ودورها خلال العملية الانتخابية وكيفية تقديم طلبات مشاركة منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية. ووضع آلية لتلقي الشكاوى الخاصة بالعملية الانتخابية مع وضع جدول زمني لها وكيفية الرد عليها وذلك وفقا للمعايير الدولية لانتخابات حرة ونزيهة. وتسأل أمجد عبد اللطيف المدير التنفيذى للمؤسسة الإفريقية للتربية وحقوق الإنسان عن معنى كلمة مشاهدة وماذا يقصد بها المستشار عبد المعز إبراهيم فكل دول العالم لا تعلم سوى "مراقبة المجتمع المدنى للانتخابات " وكلمة مشاهدة هذه اختراع مصري يضاف إلى باقى الاختراعات التى لا يوجد مثيل لها فى العالم، لذلك يجب على اللجنة العليا للانتخابات أن توضح جيدا ماذا تقصد بالمشاهدة. وأكد مجدي عبد الحميد، رئيس الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية، أن كلمة "مشاهدة" التي استخدمها المجلس العسكري ورئيس اللجنة العليا للانتخابات ليس لها أي مدلول فى القاموس السياسي، واعتبرها مجرد تلاعب بالألفاظ في ظل الضغوط والمطالبات بوجود رقابة دولية للانتخابات. وقال إن الموافقة على الرقابة الدولية دليل على نزاهة وشفافية الانتخابات وتقوم جميع دول العالم بها وتفتخر بشهادة الدول الأخرى لها على نزاهة انتخاباتها، موضحاً أن رفض المراقبة الدولية دليل على وجود نية لتزوير الانتخابات. وأشار عبد الحميد إلي أنه وفقاً لهذه البوادر فأنه سيتم السماح للمنظمات الأجنبية بالقدوم لعمل جولات سياحية وليس للرقابة على الانتخابات، لأن اللجنة العليا للانتخابات ستختار بعضهم وتدخلهم بعض اللجان لوقت محدد تحت الحراسة، وهو إجراء تعرف جميع دول العالم أنه دليل على وجود نية بعدم نزاهة الانتخابات. من جانبه يؤكد نجاد البرعى الناشط الحقوقي أن الرافضين للرقابة الدولية بحجة عدم التدخل في شئون مصر هم أشخاص جاهلون، لأن المراقبة الدولية إجراء متبع في كل دول العالم المتحضر مثل أوروبا وأمريكا، مشددًا على أن وجودها يساعد المنظمات المحلية في عملية التنظيم. وأوضح طارق زغلول المدير التنفيذي للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان أن كلمة "مشاهدة" تحتاج لتوضيح من اللجنة العليا للانتخابات لأنها لم تستعمل مسبقًا، مضيفًا أنه فى السنوات الماضية كان الخلاف بين لفظي "متابعة" أم "مراقبة". وقال: "فى المتابعة لا يكون من حق منظمات المجتمع المدني دخول اللجان بل الوقوف فى الخارج وكتابة التقارير، وهو ما اعترضت عليه منظمات المجتمع المدني وحصلنا على حكم قضائي عام 2005 بالمراقبة من داخل اللجان". وأشار إلي أنه وفقا للحكم القضائي يسمح للمنظمة بالاطمئنان على وجود (ستائر – حبر فسفوري – مندوبين للمرشح)، ولا يجوز للمراقب الحديث مع القاضي أو أي شخص داخل اللجنة، كما يسمح له بحضور فرز الأصوات واختيار اللجنة التي يدخلها، موضحاً أن "المشاهدة" الدولية غالبًا ستعنى السماح بوضع كاميرات داخل لجان معينة لوقت معين فقط، وهو أمر مرفوض لأننا نطالب بالمراقبة لا المتابعة. وطالب "زغلول" رئيس اللجنة العليا للانتخابات بتوضيح المقصود بلفظ "مشاهدة" ومعايير التعامل مع منظمات المجتمع المدني وتلقى الشكاوى وغيرها خلال الانتخابات، مشيرًا إلى أن المراقبة تبدأ منذ فتح باب الترشح للانتخابات وليس يوم الانتخاب فقط.