لم يعد مقبولا فى ظل الثورة المعلوماتية والتطور العالمي السريع والمذهل فى قطاع تكنولوجيا المعلومات، الاعتماد أو الارتكان على المعلومات النمطية فى المعاملات الاقتصادية والتعاملات التجارية والمحاسبية للدولة مع المواطنين والمستثمرين سواء فى تحصيل مستحقاتها السيادية من الضرائب أو تقديم الخدمات الحكومية، البنية المعلوماتية أو بعبارة أخرى قاعدة المعلومات المميكنة من صلب الاقتصاديات الحديثة، ليس فقط لتوفير الشفافية ومواجهة فساد وبيروقراطية الجهاز الإدارى، بل لتحقيق السرعة وزيادة القدرة التنافسية، وأيضا تحقيق العدالة الاجتماعية فى عدم إهدار الدعم ووصوله إلى مستحقيه ومواجهة التهرب الضريبي. فى هذا السياق يمكن فهم أهمية المنظومة الجديدة للبنية المعلوماتية، وحرص الرئيس عبد الفتاح السيسى على الإسراع من الانتهاء من ميكنة جميع الخدمات الحكومية، وفقا لدراسات وتقديرات الخبراء فإن حجم التهرب الضريبى يتراوح بين 400 إلى 500 مليار جنيه سنويا، السبب الرئيسى فيها يعود إلى غياب منظومة البنية المعلوماتية التى تربط جميع أجهزة الدولة، وتعمل على تقليل ومحاصرة التعاملات النقدية والتحول إلى الاقتصاد غير النقدى، بما يسهم فى إتاحة المعلومات الدقيقة عن جميع التعاملات المالية ولاسيما فى قطاع المهن الحرة الذى يقع خارج المنظومة الضريبية، وفقا لرئيس مصلحة الضرائب فإن أكبر مكاتب المحاماة فى مصر يدفع 3 آلاف جنيه ضرائب سنويا فقط وهو أقل من الضرائب على أتعاب قضية واحدة من تلك القضايا التى تصل أتعابها إلى ملايين الجنيهات، ولم يخف على أحد تلك المبالغ التى يتقاضاها كبار الأطباء والمكاتب الهندسية ونجوم الفن والرياضة وغيرهم من أصحاب المهن الحرة، سوى مصلحة الضرائب حيث يتعمد هؤلاء ألا يتضمن التعاقد إلا على مبلغ زهيد جدا بقصد التهرب من دفع الضرائب، لا يخفى على من تردد على عيادات الأطباء الذين تصل رسوم الكشف لدى بعضهم إلى 1500 جنيه، لا يحصل على فاتورة بما يدفعه مطلقا، المنظومة المعلوماتية ستسهم فى التحول إلى الاقتصاد غير النقدى ومكافحة هذا التهرب الضريبى الذى يمثل تعديا على حقوق الدولة والمجتمع. المنظومة الجديدة للبنية المعلوماتية تسير بخطى سريعة ووفقا للوزير محمد عرفان رئيس هيئة الرقابة الإدارية، فإن هناك 94 ألف ملف ضريبى، تم ربط ضرائب مستحقة على الممولين بقيمة 5 مليارات جنيه، وتفريغ 60 ألف ملف يدويا وميكنة 33 ألف ملف، المنظومة المعلوماتية تسهم فى انسيابية تسديد الضرائب المستحقة، وتضع حدا للمنازعات الضريبية ولاسيما أن هناك 900 مليار جنيه قيمة هذه النزاعات بين الممولين ومصلحة الضرائب منذ 10 أو 15 عاما ماضية، وفقا للوزير عرفان، كما أن الميكنة ستنهى مشكلة حقيقية فى تحصيل الضرائب العقارية، فعلى الرغم من أن قانون الضرائب العقارية مضى على تطبيقه 5 سنوات، فإنه لم يتم الانتهاء من حصر كل العقارات التى تخضع للضريبة فى مصر، ما انعكس على أن نسبة تحصيل الضريبة لم تتجاوز 50%، بما يتضمنه من إهدار موارد على الخزانة العامة. ولنا أن نتخيل لو أن حجم التهرب الضريبى فى حدود 500 مليار جنيه وفقا للتقديرات وتم تحصيلها بعد الميكنة - أو حتى الجانب الأكبر- كيف سينعكس هذا الأمر إيجابيا على عجز الموازنة العامة، وزيادة الموارد السيادية للدولة، بما يسهم فى زيادة قدرتها على تطوير الخدمات الأساسية فى قطاعى الصحة والتعليم إلى جانب المرافق العامة.