الاقتصاد الإبداعى هو ذلك الخليط من الأنشطة والأفكار التى تعتمد على الرؤى الجديدة الخلاقة التى تسد ثغرات السوق وتوظف التكنولوجيا وثورة المعلومات والاتصالات فى هذه الأنشطة. هذا الاقتصاد الإبداعى الذى يتماشى مع فكرة رواد الأعمال يشق طريقه حاليا بسرعة كبيرة فى العديد من دول العالم حيث يولد نحو 10% من إجمالى الوظائف الجديدة فى بلد مثل إنجلترا ويصل حجم ناتجه السنوى إلى 85 مليار جنيه استرلينى. السؤال هو أين تقف مصر من هذا النوع الجديد..؟! الإجابة تشير إلى امتلاك مصر للعديد من الأنشطة الاقتصادية المرتكزة على الإبداع مثل أنشطة السينما والمسرح والغناء والرسم والنحت والمشغولات اليدوية وغيرها. لكن هل تستحوذ هذه الأنشطة على نصيبها العادل من كعكة الاقتصاد القومى وكيف يمكن دعمها وتنميتها؟ الإجابة عبر التحقيق التالى: - إطار تنظيمى: بداية ترى د. إجلال راتب مستشار مركز العلاقات الاقتصادية الدولية ان مصر تتميز بتوافر العديد من الصناعات الإبداعية التى تساعد على نمو الاقتصاد الإبداعى وزيادة الدخل وتوليد فرص عمل جديدة وزيادة الصادرات وهذا يتطلب اهتمام الدولة بتحفيز الإبداع عن طريق المؤسسات المختلفة وكذلك وضع إطار تنظيمى لمساعدة المبدعين والفنانين للاستفادة من حقوق الملكية الفكرية وبراءات الاختراع كذلك يجب ان تتبنى الدولة إنشاء مركز ابتكار للصناعات الإبداعية مما يساعد على تشجيع الصناعات الإبداعية وجذب الاستثمارات المختلفة. وقالت: إن مصر تتميز بصناعاتها الإبداعية فى العديد من القطاعات المختلفة مثل الحرف اليدوية والمجوهرات وأعمال المعادن والزجاج والسيراميك والدعاية والإعلان والتصوير والمنتجات السمعية والبصرية والنشر والكتب والمجلات فضلا عن التراث الثقافى مثل الآثار والسياحة. وقد زادت صادرات مصر من السلع الإبداعية من 619 مليون دولار فى عام 2008 إلى 1.1 مليار دولار فى عام 2010 الى 4.4 مليار دولار فى عام 2014 إلا ان نسبة صادرات السلع الإبداعية فى مصر ضئيلة للغاية اذا ما قورنت بإجمالى الصادرات الإبداعية على مستوى العالم وبما يعادل 31%. كما بلغت قيمة الواردات الإبداعية فى مصر عام 4102 نحو 6.7 مليار دولار مقابل 766 مليون دولار عن عام 2010 ونحو 521 مليون دولار عام 2008 وتعد أهم الصادرات الإبداعية: السجاد والغزل اليدوى والصوتيات والمرئيات كالأفلام وتصميم المجوهرات والديكور وتصميم الألعاب والنحت. أما بالنسبة لأهم الواردات الإبداعية فهى أيضا السجاد والغزل اليدوى والأشغال اليدوية والخوص والأفلام. وفيما يتعلق بالخدمات الإبداعية فتتمثل فى الإعلانات وبحوث السوق واستطلاعات الرأى العام والخدمات الشخصية والثقافية والترفيهية. - مشكلة التنافسية: ويقول هشام باشا خبير تطوير الأعمال بمركز تحديث الصناعة: إن المركز بدأ منذ نحو 6 أشهر برنامج لدعم الصناعات الإبداعية فى مصر ونسعى لتطوير فكر الحرفيين فضلا عن تطوير مهاراتهم وذلك بهدف ايجاد سوق مستدام لمنتجاتهم إلا أننا نواجه مصاعب دولية لتسويق تلك المنتجات، حيث لابد من طرح منتجات حرف يدوية بجودة عالية وأسعار أقل وهو ما يشكل عبئا تنافسيا إلا أننا نجحنا فى إطلاق العلامة التجارية »كريتيف إيجبيت« كما أسهم البرنامج فى تحول 50 حرفيا من القطاع غير الرسمى للقطاع الرسمى وزادت العمالة بين الحرفيين المنضمين للمشروع من 68 إلى 850 عاملا كما ارتفع عدد الموردين المشتغلين مع المشروع الى 106 موردين وارتفع متوسط مبيعاتهم الى مليون جنيه شهريا، مشيرا إلى أن الدولة تسعى جاهدة لتوسيع نطاق الحرف والصناعات الإبداعية بهدف استيعاب أكبر قدر من البطالة وتحويلهم إلى قوة داعمة للاقتصاد المصرى بدلا من كونهم طاقة مهدرة غير مستغلة. ويرى أن تطوير الصناعات الإبداعية يحتاج إلى إستراتيجية قومية تضم حلقات التعليم والتدريب والتسويق لكى يصبح الاقتصاد الإبداعى داعما للدولة. وتحدثت عزة فهمى مصصمة المجوهرات عن نقص العمالة باعتبارها أهم المعوقات المهددة للقطاع الإبداعى فى مصر فيجب على العاملين بالصناعات الإبداعية التفريق التام بين الفنان والحرفى ونتمنى أن تلعب الحكومة دورا فعالا فى إقامة مدارس وأكاديميات تهتم بتطوير مهارات المصممين والحرفيين على حد سواء إذ إننا نضطر لاستقدام حرفيين من خارج مصر، كما نواجه نقصا بالغا فى المهارات من المصممين أيضا. وأشارت إلى أنها طورت أعمالها من خلال ورشة أدارتها بنفسها برأس مال زهيد للغاية حتى أصبحت الآن علامة تجارية دولية وأن الصناعات الإبداعية كانت البداية التى انطلقت منها معظم الاقتصاديات الناشئة حتى بلغت مراحل متقدمة ولعل تجربة النمو الآسيوية خير دليل وتعتقد أننا فى حاجة إلى بعض الإنجازات فى مجال الاقتصاد الإبداعى ونحتاج إلى إعادة النظر فى مناهج التعليم وأولها الفنون والموسيقى فى المدارس الابتدائية وأن البداية سوف تأتى من معلمى ومعلمات المرحلة وحيئذ سوف يجد الأطفال ومنذ البداية ما سوف يبرعون فيه وحينها يمكن توجيههم إلى مدارس فنية حقيقية متطورة يحصل خريجوها من الشباب على أفضل الوظائف بالمؤسسات الصناعية الكبرى أو لإقامة مشروعات خاصة صغيرة وذلك من شأنه إحداث حركة فنية وصناعية ضخمة تبدأ من تلك الإنجازات الصغيرة وهو ما حدث فى اقتصاديات الدول التى ارتفع الناتج القومى لها بمعدلات متنامية خلال عدد محدود من السنوات. وتقول كاثى كوستيل رئيسة مركز الفنون الإبداعى فى المجلس الثقافى البريطانى إن المجلس الثقافى البريطانى من خلال برنامج التعاون المصرى البريطانى القائم حاليا سيعمل على الجمع بين صانعى السياسات المصريين والبريطانيين والممارسين من اجل تبادل الخبرات وبناء القدرات للرياديين والمبدعين والعمل على إنشاء قاعدة معلوماتية باللغة العربية تدعم العاملين فى الاقتصاد الإبداعى . وقد بدأ التعاون بين المجلس الثقافى البريطانى ومركز تحديث الصناعة ومؤسسة »نستا« البريطانية لإعداد مدربين على النشاط الإبداعى وذلك من خلال ورش عمل فى مصر على مدى الثلاث سنوات القادمة وهى مدة عمل البرنامج كما يتضمن البرنامج سفر المدربين إلى بريطانيا بهدف رفع الوعى حول دور النشاط الإبداعى فى توليد الوظائف وبصفة خاصة فى مجال تطوير المدن الإبداعية والمراكز الإبداعية. وأشارت كاثى إلى أدوات التدريب الإبداعية متمثلة فى أدلة وكتيبات إرشادية عن كيفية تحديد الأهداف والانطلاق نحو مشروع مبتكر وتحديد المسار والخطط المالية له وآليات التسويق والتواصل مع العملاء. وتحدثت كاثى عن التجربة البريطانية فى الاقتصاد الإبداعى قائلة: إنه بدأ الاهتمام بأنشطة الإبداع الفنى مما يقرب من 20 عاما ولم يكن هناك فى تلك الأوقات أى إحصائيات عن دور هذه الأنشطة فى دعم الاقتصاد الإنجليزى من خلال ما توفره من موارد حتى أصبح الاقتصاد الإبداعى جزءا أساسيا من الاقتصاد البريطانى ويولد نحو 84 مليار جنيه إسترلينى سنويا فضلا عن 3 ملايين وظيفة أى ما يقرب من 10% من حجم الوظائف فى إنجلترا.