إبراهيم العشماوى تطورات ميدانية لافتة النظر فى المواجهات العسكرية فى اليمن، التى تجاوزت عشرة أشهر، جزء منها يندرج فى إطار الحرب النفسية والمبالغات والدعاية الإعلامية، لكنها تعكس إصرارا واضحا على الحسم العسكرى على خلفيات مجريات الأحداث فى سوريا، ورغبة السعودية ودول التحالف العربى فى تحييد روسيا وإيران عن الملف اليمنى. القوات الحكومية اليمنية تقترب من العاصمة، وتنجح فى تحقيق اختراقات مهمة فى الحزام الأمنى المحيط بصنعاء، فى منطقة نهم التى تبعد 30 كيلو مترا عنها، كما وصلت إلى مشارف منطقة نقيل بن غيلان الإستراتيجية، المطلة على ثلاثة من أكبر ألوية الحرس الجمهورى الموالية للرئيس السابق على عبدالله صالح.
وقالت مصادر سياسية يمنية ل (الأهرام العربى) إن تكثيف التحرك العسكرى باتجاه صنعاء لا يستهدف بالضرورة إسقاطها عسكريا، لأن ذلك سيكون له تكلفة باهظة بشريا وماديا، وإنما خنق الوجود الحوثى بها وشل عناصر القوة لدى القوات التابعة للرئيس السابق على صالح وإجبارها على التسليم. وتنسجم هذه التصريحات مع تأكيدات أطلقها العميد الركن أحمد عسيرى، المستشار بوزارة الدفاع السعودية، والمتحدث باسم قوات التحالف العربى فى اليمن، الذى أوضح أن الجيش الوطنى اليمنى أصبح قريباً جداً من محافظة صنعاء، لكن من الصعب التكهن بالجدول الزمنى للسيطرة على المدينة بشكل كلى وكامل، مشيرا إلى أن ميليشيا الحوثى الانقلابية وعلى عبدالله صالح تضعان الألغام وتعبثان بالطرق الرئيسية، بهدف منع القوات من الوصول إلى صنعاء، ما سيؤثر بطبيعة الحال على التوقيت الزمنى لتطهير العاصمة من الحوثيين بالكامل. أضافت المصادر اليمنية أن متغيرات المعادلة العسكرية فى الأيام الماضية أسهمت فيها عدة عناصر، من أهمها التعزيزات العسكرية الكبيرة لقوات يمنية تلقت تدريبات فى دول الخليج واستقطاب مشائخ القبائل فى المناطق القريبة من صنعاء، وإقناعهم بالتخلى عن المتمردين، فضلا عن اتصالات مع قيادات عسكرية تابعة للمتمردين وإغرائها بمناصب فى المرحلة الجديدة. وبحسب قائد عمليات المنطقة العسكرية الثالثة فى المقاومة الشعبية اليمنية العميد شيخ زيد ثابت، فإن كتيبة المهام الخاصة بدأت الانتشار على جبهات القتال وأنها تتقدم نحو صنعاء، وتشكل التعزيزات الدفعة الثانية من القوات الخاصة التى تم تدريبها حديثا وتخرجت قبل أسبوعين، وزودت بكل الأسلحة والتجهيزات اللازمة، حيث يتوقع أن تشارك فى عمليات الجيش الوطنى والمقاومة الشعبية اليمنية فى شرق صنعاء. وفى السياق نفسه أعلنت قيادة المنطقة العسكرية الخامسة، مديرية ميدى غرب محافظة حجة شمال غرب البلاد، منطقة محررة بشكل كامل من المسلحين الحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق. وذكرت قيادة المنطقة فى بيان أن وحدات من ألوية الجيش استكملت تطهير المدينة من حقول الألغام والمتفجرات، التى زرعها الحوثيون فى منازل المواطنين والمؤسسات الحكومية، مشيرة إلى أن مديرية ميدى ستكون مقر انطلاق العمليات العسكرية إلى مديريات ومحافظات مجاورة. ومن جانبها رفضت جماعة الحوثى الاعتراف بأى تقدم لقوات الشرعية، وبثت صورا لمقاتليها فى مناطق بفرضة نهم، بعد توغلهم بها فى إطار معارك تتسم بالكر والفر فى المنطقة. وأعلنت مصادر قريبة منهم أن المسلحين والقوات الموالية لصالح احتشدوا بمنطقة نقيل شجاع فى منطقة الشرفة بمديرية بنى حشيش شرق العاصمة صنعاء، بعد تقدم القوات الشرعية فى نهم بغرض الالتفاف على المقاومة من منطقة حريب فى الجنوب من نهم. وفى محاولة لتعويض خسارتها فى نهم، شددت جماعة الحوثى حصارها لمدينة تعز ومنعت دخول الماء والغذاء والدواء بالتزامن مع استمرار القصف العشوائى للأحياء السكنية بالأسلحة الثقيلة، سقط على إثرها ضحايا من المدنيين فى مناطق فى الوازعية وحيفان والتربة والمسراخ وعدد من أحياء المدنية .
المفاوضات مؤجلة فيما تشتد المعارك على جبهات مختلفة باتت مفاوضات جنيف للتسوية السياسية بعيدة فى الوقت الحالى، انتظارا لما ستسفر عنه العمليات العسكرية، التى ستمهد الطريق فى نظر مراقبين للجلوس إلى طاولة المفاوضات. واتهم نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية اليمنى عبدالملك المخلافى، خلال لقائه السفير الأمريكى ماثيو تولر الانقلابيين بأنهم لا يريدون السلام ويعملون على تنفيذ أجندة إقليمية، تضر بأمن واستقرار اليمن والمنطقة. واعتبر أن الميليشيا الحوثية وصالح الانقلابية لا تتمردان على الشرعية فحسب، بل على المجتمع الدولى، وذلك من خلال رفضهما تطبيق قرارات مجلس الأمن الدولى. كما طالب المخلافى الولاياتالمتحدة بتقديم الدعم للحكومة فى جهودها لمحاربة الإرهاب والتطرف، وممارسة مزيد من الضغط على الميليشيا الانقلابية والدفع نحو تطبيق قرار مجلس الأمن 2216.
صفقة سياسية وتشير بعض المصادر الدبلوماسية اليمنية إلى اتصالات تحاط بقدر كبير من السرية عبر وسطاء محليين ودوليين، لاستثمار تقدم الجيش الوطنى فى إبرام اتفاق سياسى ولو خارج نطاق مقررات مجلس الأمن، فى ضوء عجز أى طرف عن تحقيق أى انتصار عسكرى حاسم، وكذلك فى ضوء مخاوف المجتمع الدولى من تفكك اليمن، وسيطرة الجماعات الإرهابية على أجزاء واسعة منه. وكشفت المصادر عن احتمال إبرام صفقة ذات أبعاد إقليمية، تؤدى فى النهاية إلى تقاسم الحكم ودمج خليط المسلحين فى قوات الجيش والأمن، والاتفاق على آلية لاستلام المدن ومواجهة الإرهاب، على أن يظل الفاعلون السياسيون وأدواتهم القديمة كما هى، بما فيهم الحوثيون الذين سيكونون طرفا رئيسا فى منظومة الحكم المقبلة، والأمر كذلك بالنسبة إلى رجال على عبد الله صالح وحزبه، وتتوقع المصادر نفسها أن يكون تعيين نجل الرئيس السابق أحمد على صالح رئيسا لحزب المؤتمر، مقابل مغادرة والده البلاد لفترة محددة جزءا من الصفقة المنتظرة.
مواجهات القاعدة بينما تستمر المعارك فى شمال اليمن، هناك معركة أخرى ذات لون خاص فى الجنوب مع التنظيمات الإرهابية وفى مقدمتها داعش والقاعدة وأنصار الشريعة. فقد نجحت الطائرات الأمريكية بدون طيار فى اصطياد هدف ثمين هو جلال بلعيد المرقشي، الذى يصنف على أنه آخر القادة العسكريين فى الجيل الأخير من التنظيم فى اليمن، وقد قتل الكثير منهم فى ظروف مماثلة. وبلعيد هو الرجل الأول للقاعدة فى محافظة أبين وكان يتحرك بشكل مكثف، فى إطار مثلث محافظاتعدن وأبين ولحج، إلى جانب أنه كان يتكئ على ما يشبه الحماية القبلية من قبيلة المراقشة، التى شهدت مناطقها انطلاق أولى عمليات المتشددين، حيث شكلت جبال المراقشة، فى السابق، معقلا مهما لتلك الجماعات المتشددة، منذ ما بعد عودتها من أفغانستان. وتأتى العملية فى إطار تعقب الأجهزة الأمريكية لقيادات وعناصر القاعدة فى اليمن التى لم تتوقف، برغم مغادرة القوات الأمريكية الخاصة بمكافحة الإرهاب، التى كانت ترابط فى قاعدة العند، بمحافظة لحج بجنوب البلاد، للقاعدة العسكرية الإستراتيجية قبيل اجتياحها من قبل الميليشيات الحوثية . وتخشى واشنطن من أن يفسح انشغال السلطات اليمنية بظروف الحرب مع المتمردين الحوثيين فى توسع التنظيمات المتطرفة التى باتت تسيطر على مدن سواحل محافظة حضرموت وأجزاء واسعة من محافظة أبين إلى جانب بعض أجزاء محافظة شبوة. ويؤكد الباحث اليمنى فى الجماعات الإرهابية سعيد الجمحى، أن العمليات العسكرية ضد تنظيم القاعدة لطرده من المناطق التى يسيطر عليها حاليا، معركة مؤجلة إلى حين اكتمال السيطرة على العاصمة صنعاء، وإنهاء انقلاب الحوثى صالح على السلطة والشرعية، كما يؤكد أن المعارك التى تدور والتى تدار من الجو ضد القاعدة، تحقق انتصارات قوية، وقد تكون تمهيدية للمواجهات المباشرة على الأرض، مع تأكيده، أيضًا، أن تنظيم القاعدة فى اليمن فقد الكثير من قياداته ومن الصعب تعويض تلك القيادات.
انهيار اقتصادى وعلى الصعيد الاقتصادى تسببت الحرب الدائرة فى اليمن فى انهيار المؤشرات التنموية والحياتية وفقا للمنظمات الدولية. وقال البنك الدولى فى تقريره الفصلى الأخير لاقتصاد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إن هناك نحو 21.1 مليون شخص يمنى يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، وأصبح ٪80 من سكان البلاد أو 20 مليونا من 24 مليون نسمة فى عداد الفقراء، وهى زيادة نسبتها ٪30 منذ إبريل 2015 حينما اشتدت المعارك. وأكد تقرير البنك الدولى وقوع أضرار تتراوح بين أربعة مليارات وخمسة مليارات دولار بأربع مدن يمنية وهى: صنعاء العاصمة وعدن وتعز ولحج، لكن البنك قال إن الحروب هناك وفى مناطق أخرى، ربما تسبب خسائر أكبر فى رأس المال البشرى.