تقرير إيمان عمر الفاروق التوغل والتغلغل فى الشرق الأوسط، هما بالطبع أحد أهم الأهداف المبتغاة من الانقلاب التاريخى فى هيكل المخابرات المركزية الأمريكية غير المسبوق منذ إنشائها عام 1947، وتحتل سوريا موقع القلب بتلك الخارطة الجديدة، ففى تصريح كاشف لأسباب هذا التغير الدراماتيكى، قال جون برينان مدير السي. آي. إيه، بالعام الماضى فى معرض دفاعه عن خطته المقترحة آنذاك: «إن تعقد القضايا الأمنية وزيادة حجمها مثل الحرب بسوريا والأزمة الأوكرانية وراء التغيير المحتمل بجهاز الاستخبارات الأمريكى «، ولكن تلك الخطة لم تمر بسلاسة، ومازالت تواجه هجوما ومعارضة داخلية واسعة النطاق، واقعيا لن تتمتع بتأثير يُذكر، فهى لن توقف هذا المد الأسطورى لموجات الجواسيس، لكنها تبقى ذات دلالة مهمة. الخطة الجديدة التى تم الإعلان عنها نهاية الأسبوع الماضي، يكتنفها الغموض وتحيطها السرية التامة على حد تعبير صحيفة «الواشنطن بوست»، فلم يتم تحديد جدول زمني لتلك التغييرات، أو أسماء مرشحة لقيادة الأقسام والإدارات الجديدة، ومازالت التفاصيل والملامح الدقيقة لها غير واضحة المعالم. ولم نعثر فى بحثنا عن دول بعينها فى الشرق الأوسط وإفريقيا باعتبارهما المنطقتين اللتين تضمنهما الإعلان عن التغييرات الهيكلية للمخابرات الأمريكية، عن أيه تفاصيل أو تصريحات باستثناء التصريح الذى أوردناه بالمقدمة عن سوريا، وكان جون برينان مدير المخابرات الأمريكية، قد صرح به أمام اللجنة المشكلة لتقييم خطته المقترحة بنهاية 2014، وبالتحديد فى شهر سبتمبر، والتى حملت اسم «خطة الطموح». ووفقا لما أوردته مجلة «فورين بوليسي» الشهيرة بتقرير معنون «من الفضاء الإلكترونى إلى إفريقيا: المخابرات الأمريكية تنظر لحروب المستقبل» تم نشره بتاريخ 6 مارس الجارى يتضح لنا أن التغييرات التى تم الإعلان عنها أخيرا هى خلاصة دراسة امتدت لثلاثة أشهر، قادها فريق بحثى من تسعة خبراء تجاوزت خبراتهم مجتمعين عشرات السنين، قاموا خلالها بإجراء مسح خاص بموظفى وكالة الاستخبارات المركزية، أحاديث مع مدراء سابقين للمخابرات الأمريكية ونوابهم، فضلا عن عدد من مستشارى الأمن القومى السابقين وخبراء الشئون الإدارية، وتم تسليم التقرير النهائى للجنة بمنتصف ديسمبر 2014. استقالة فرانك هذا لا يعنى أن الأمور تسير على ما يرام داخل أروقة المخابرات الأمريكية فثمة بوادر انقسام داخلى عبر عن ذاته فى تصريحات بعض المسئولين، إلا أن ذروته قد تجسدت فى استقالة فرانك أرشيبالد، مدير «الخدمة الوطنية السرية» لوكالة المخابرات المركزية، والذى يُعد مقر العمليات الأكثر سريةً بالمخابرات الأمريكية، وقد جاءت استقالته وسط تقارير عن الخلافات الداخلية بشأن إعادة هيكلة جهاز المخابرات، وفق ما جاء بصحيفة «ذا ديلى بيست» بمطلع العام الجاري. وقد شاع اسمه فى عام 2013، على أنه المسئول عن هذا الجهاز. ويُذكر أنه قام بجولات فى باكستان ومناطق مختلفة بإفريقيا، وترأس أيضًا قسم وكالة الاستخبارات المركزية فى أمريكا اللاتينية. وذكرت وكالة أسوشيتد برس أنّ أرشيبالد كان وراء «العمل السرى الذى أسهم فى إقالة الرئيس الصربى سلوبودان ميلوسيفيتش من السلطة». وأكد المتحدث باسم وكالة المخابرات المركزية دين بويد، « أنّ استقالته جاءت بعد حياة مهنية طويلة ومتميزة فى وكالة المخابرات المركزية». إعدام الوثائق تلك ليست هى الأزمة الأولى من نوعها التى تفجر ثورة انتقادات فى وجه جون برينان منذ توليه منصب مدير المخابرات المركزية الأمريكية، فقد سبق أن تعرض لموجة هجوم ضارية فى شهر نوفمبر من العام الماضي، إثر اقتراحه التخلص من رسائل البريد الإلكترونى الخاصة تقريبا بكل موظفى الوكالة عقب تركهم لمناصبهم. بينما رأى معارضوه أن الأمر يجب ألا يتم بمثل تلك السرعة، وذلك وفق ما جاء بموقع «ناشيونال بابليك راديو «وهو هيئة إعلامية تضم عدد من الإذاعات الأمريكية. وكانت وكالة المخابرات المركزية قد تقدمت فى شهر سبتمبر من العام الماضى باقتراح لهيئة «الأرشيف القومي» بإعدام رسائل البريد الإلكترونى الخاصة بموظفيها وعملائها الذين يُقدر عددهم بالآلاف فور انتهاء خدمتهم بها، فيما عدا كبار موظفى الوكالة والذين يُقدر عددهم ب22 مسئولاً رفيع المستوي، وجاء الاقتراح ضمن عدد من الملاحظات الروتينية رغم ما ينطوى عليه من مخاطر بالغة. وكان فى مقدمة المنتقدين ستيفن أفتيرجوود – مدير مشروع اتحاد علماء أمريكا للسرية الحكومية – والمعروف بمواقفه المعارضة دوما لسياسات المخابرات الأمريكية والذى اكتشف أن "الأرشيف القومى " أعطى الوكالات الفيدرالية ما يُشبه الضوء الأخضر للمضى قدما فى تنفيذ مثل تلك الإجراءات، والأخطر أن وكالة المخابرات الأمريكية كانت قد أقدمت بشكل أحادي- منذ 9 سنوات- على إعدام عدد من تسجيلات الفيديو الخاصة ببعض المتهمين بقضايا إرهابية بحيث لا يمكن استرجاعها وهى خطوة فى منتهى الخطورة. إلا أن إدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما أعطت توجيهات بصدد الاقتراح الخاص بإعدام رسائل البريد الإلكترونى بمنح كل الوكالات الفيدرالية مهلة زمنية بسقف زمنى أقصاه نهاية 2016، لاقتراح السياسات التى تراها ملائمة لإعادة فرز رسائل البريد الإلكترونى لديها وتخزينها بالشكل المناسب والتخلص من تلك التى تراها غير ذات أهمية. وبينما كانت معظم الوكالات تميل إلى التخلص من الرسائل الإلكترونية لموظفيها بعد مضى ما يقرب من 7 سنوات عليها، فإن وكالة المخابرات الأمريكية كانت لديها خطة أخرى تتمثل فى الاحتفاظ بالرسائل الخاصة بموظفيها طالما كانوا فى الخدمة الرسمية على أن يتم التخلص منها عقب تركهم الخدمة بثلاث سنوات. أما كبار الموظفين الاثنين والعشرين، فيتم الاحتفاظ بكل الرسائل الخاصة بهم كوثائق مهمة دائمة. ويرى دوجلاس كوكس – أستاذ القانون بجامعة سيتى بنيويورك – أن القضية الأساسية فى هذا الأمر، أن أغلب تلك الوثائق لا تظهر أهميتها على نحو فورى، فقد نحتاج إليها حتى بعد مضى سنوات عديدة. الكاميرات الديجيتال الوجه الآخر للانتقادات تبدى فى سيل من التصريحات المعارضة لتلك الخطوة، أوردت صحيفة «نيويورك تايمز» بعض منها، فمثلا أدلى مارك لونيثال - محلل سابق بالسي. آي. إيه – بتصريح للصحيفة قائلا: "أعتقد أن الخطة المعلنة لن تمر بسهولة بل ستعترضها صعاب عديدة خصوصاً من قبل الجواسيس السريين الذين كانوا يضعون حدودا بينهم وبين المحللين ولا يفضلون الإفصاح عن مصادرهم الخاصة ". وأضاف قائلا: إن أحدا لم يُخبره بتلك الخطة بشكل شخصى، وأنه سمع بها عقب الإعلان عنها رسميا! مايكل موريل – نائب مدير السي. آي. إيه سابقا- صرح لصحيفة «الواشنطن بوست» قائلا: «ستواجه مثل تلك الإجراءات معارضة ممن شب على الهيكل التقليدى الكلاسيكى للمخابرات الأمريكية ولكن ذلك لن يستمر طويلا». وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية قد ذكرت أن مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية "سي.آي.إيه" جون برينان، يخطط لإعادة تعيين آلاف الجواسيس ومحللى الاستخبارات السريين فى إدارات جديدة، ضمن عملية لإعادة هيكلة الوكالة التى يمتد تاريخها لنحو67عاما، فى خطوة وصفها برينان بأنها ستجعلها أنجح فى مواجهة التهديدات والأزمات الحديثة. ونقلت الصحيفة - فى سياق تقرير أوردته على موقعها الإلكترونى اليوم السبت - عن مصادر مختلفة، بداية من البنتاجون ووصولا إلى الشركات الأمريكية، قولها" إن خطة برينان ستتخلى جزئيا عن هيكل الوكالة الحالى الذى يفصل بين الجواسيس والمحللين، نظرا لأنهم يستهدفون مناطق أو بلدان معينة، وبدلا من ذلك، سيعاد تكليف ضباط السي. آي. أيه فى عشرة مراكز بمهام جديدة، تركز على الإرهاب وانتشار الأسلحة، والشرق الأوسط، والمناطق الأخرى حيث سيعهد إليهم بالمسئولية عن عمليات التجسس، وتحليل المعلومات الاستخباراتية والعمليات السرية". وقدم برينان خلال مؤتمر صحفى عُقد الأربعاء قبل الماضي، القليل من التفاصيل حول الكيفية التى سيجعل بها الهيكل الجديد لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية أفضل فى مهارات التجسس، فى عصر التجسس الإلكترونى والاضطرابات فى منطقة الشرق الأوسط، بيد أنه قال إن الهيكل الحالى الذى يقضى بعزل الجواسيس والمحللين السريين كل على حدة، مع القليل من التفاعل والرد على رؤسائهم - كان ينطوى على مفارقة تاريخية، نظرا للكم الهائل من القضايا العالمية التى تواجهها الوكالة. وإن كان البعض يعارضه باعتبار أن الدمج بينهما يمكن أن يُشكل مصدرا للفساد الإداري. أخيرا من الطرائف أن برينان فى محاولة منه لإقناع الرأى العام بمنطقية خطته شبه الهيكل الحالى للمخابرات الأمريكية بشركة "كوداك " للتصوير وأنها لم تستطع منافسة الكاميرات الديجيتال!