أبناء سيناء: الإرهاب أوقف الحياة وشهدائنا مع الشرطة والجيش طهروها بدمائهم    4 أيام متواصلة.. موعد إجازة شم النسيم وعيد العمال للقطاعين العام والخاص والبنوك    بعد ارتفاعها.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي 2024 وغرامات التأخير    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الجمعة 3 مايو 2024 في البنوك بعد تثبيت سعر الفائدة الأمريكي    رسميًّا.. موعد صرف معاش تكافل وكرامة لشهر مايو 2024    عز يعود للارتفاع.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 3 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    انقطاع المياه بمدينة طما في سوهاج للقيام بأعمال الصيانة | اليوم    إسرائيل تؤكد مقتل أحد الرهائن المحتجزين في غزة    فلسطين.. وصول إصابات إلى مستشفى الكويت جراء استهداف الاحتلال منزل بحي تل السلطان    إبراهيم سعيد يهاجم عبد الله السعيد: نسي الكورة ووجوده زي عدمه في الزمالك    أحمد شوبير منفعلا: «اللي بيحصل مع الأهلي شيء عجيب ومريب»    الأرصاد تكشف أهم الظواهر المتوقعة على جميع أنحاء الجمهورية    نكشف ماذا حدث فى جريمة طفل شبرا الخيمة؟.. لماذا تدخل الإنتربول؟    قتل.. ذبح.. تعذيب..«إبليس» يدير «الدارك ويب» وكر لأبشع الجرائم    جناح ضيف الشرف يناقش إسهام الأصوات النسائية المصرية في الرواية العربية بمعرض أبو ظبي    فريدة سيف النصر توجه رسالة بعد تجاهل اسمها في اللقاءات التليفزيونية    فريق علمي يعيد إحياء وجه ورأس امرأة ماتت منذ 75 ألف سنة (صور)    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدده    معهد التغذية ينصح بوضع الرنجة والأسماك المملحة في الفريزر قبل الأكل، ما السبب؟    خبيرة أسرية: ارتداء المرأة للملابس الفضفاضة لا يحميها من التحرش    جمال علام يكشف حقيقة الخلافات مع علاء نبيل    ضم النني وعودة حمدي فتحي.. مفاجآت مدوية في خريطة صفقات الأهلي الصيفية    إسرائيل: تغييرات في قيادات الجيش.. ورئيس جديد للاستخبارات العسكرية    محمد مختار يكتب عن البرادعي .. حامل الحقيبة الذي خدعنا وخدعهم وخدع نفسه !    "عيدنا عيدكم".. مبادرة شبابية لتوزيع اللحوم مجاناً على الأقباط بأسيوط    قفزة كبيرة في الاستثمارات الكويتية بمصر.. 15 مليار دولار تعكس قوة العلاقات الثنائية    مجلس الوزراء: الأيام القادمة ستشهد مزيد من الانخفاض في الأسعار    موعد جنازة «عروس كفر الشيخ» ضحية انقلاب سيارة زفافها في البحيرة    سفير الكويت: مصر شهدت قفزة كبيرة في الإصلاحات والقوانين الاقتصادية والبنية التحتية    ليفركوزن يتفوق على روما ويضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي    طبيب الزمالك: شلبي والزناري لن يلحقا بذهاب نهائي الكونفدرالية    رسائل تهنئة شم النسيم 2024    الحمار «جاك» يفوز بمسابقة الحمير بإحدى قرى الفيوم    أول ظهور ل مصطفى شعبان بعد أنباء زواجه من هدى الناظر    شايفنى طيار ..محمد أحمد ماهر: أبويا كان شبه هيقاطعنى عشان الفن    جامعة فرنسية تغلق فرعها الرئيسي في باريس تضامناً مع فلسطين    اليوم.. الأوقاف تفتتح 19 مسجداً بالمحافظات    حسام موافي يكشف سبب الهجوم عليه: أنا حزين    بعد تصدره التريند.. حسام موافي يعلن اسم الشخص الذي يقبل يده دائما    تعرف على طقس «غسل الأرجل» بالهند    البطريرك يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يحتفل برتبة غسل الأرجل    سفير الكويت بالقاهرة: رؤانا متطابقة مع مصر تجاه الأزمات والأحداث الإقليمية والدولية    فلسطين.. قوات الاحتلال تطلق قنابل الإنارة جنوب مدينة غزة    د.حماد عبدالله يكتب: حلمنا... قانون عادل للاستشارات الهندسية    برج السرطان.. حظك اليوم الجمعة 3 مايو 2024: نظام صحي جديد    جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات    بسبب ماس كهربائي.. إخماد حريق في سيارة ميكروباص ب بني سويف (صور)    مباراة مثيرة|رد فعل خالد الغندور بعد خسارة الأهلى كأس مصر لكرة السلة    فوز مثير لفيورنتينا على كلوب بروج في نصف نهائي دوري المؤتمر الأوروبي    بطريقة سهلة.. طريقة تحضير شوربة الشوفان    تركيا تفرض حظرًا تجاريًا على إسرائيل وتعلن وقف حركة الصادرات والواردات    مدير مشروعات ب"ابدأ": الإصدار الأول لصندوق الاستثمار الصناعى 2.5 مليار جنيه    القصة الكاملة لتغريم مرتضى منصور 400 ألف جنيه لصالح محامي الأهلي    «يا خفي اللطف ادركني بلطفك الخفي».. دعاء يوم الجمعة لفك الكرب وتيسير الأمور    صحة الإسماعيلية تختتم دورة تدريبية ل 75 صيدليا بالمستشفيات (صور)    أستاذ بالأزهر يعلق على صورة الدكتور حسام موافي: تصرف غريب وهذه هي الحقيقة    بالفيديو.. خالد الجندي يهنئ عمال مصر: "العمل شرط لدخول الجنة"    محافظ جنوب سيناء ووزير الأوقاف يبحثان خطة إحلال وتجديد مسجد المنشية بطور سيناء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دراسة جديدة تثير الجدل: «الشيماء» أخت الرسول ماتت «كافرة»..والفيلم "كذبة" صنعتها السياسة.. وعلماء الدين: الرأى الفاصل عند وزير الثقافة!
نشر في الأهرام العربي يوم 11 - 11 - 2013


إيهاب عطا
فى التاريخ البشرى وعلى امتداد حقبه المتوالية لم نشهد أسطورة كاذبة وغريبة فى غرابة أسطورة شخصية "الشيماء" والتى عرفنا من التاريخ الإسلامى أنها كانت أخت الرسول (ص) من الرضاعة، وهى أسطورة من نوع مختلف تمت صناعته، بطريقة جديدة تدعو للدهشة والوقوف عندها لندرك المدى الذى يمكن الوصول إليه من تزييف الوعى الدينى وتشويهه وإدخال الأكاذيب على الإسلام حتى فى أدق خصوصياته، واختلاق الشبهات على شخص الرسول (ص) نفسه، فهذه المرة لم تتم صناعة تلك الأسطورة بأيد غريبة على الإسلام بل تمت بأيد عربية مسلمة وتحت مسمع ومرأى من الأزهر الشريف، والذى يعانى الفتور والضعف فى دوره الريادى فى الحفاظ على هوية الإسلام الآن ولم تتم صناعة هذه الأسطورة بطريقة تراكمية على مدار التاريخ وعلى امتداد حقب متوالية – كما هى الحال فى صناعة معظم الأساطير – لكنها تمت فى فترة حديثة جدا من التارخ وبالتحديد فى النصف الثانى من القرن العشرين.
لم نجد فى أى مرحلة من مراحل صناعة أسطورة "الشيماء" من خلال فيلمها الملفق للمخرج الراحل الكبير حسام الدين مصطفى وسيناريو وحوار الكاتب صبرى موسى، وبطولة الفنانة سميرة أحمد والراحل أحمد مظهر، أى مقاربة للحقيقة، حيث يرسم الفيلم ملامح شخصية غريبة على التاريخ الإسلامى الذى سجلته المراجع وكتب السير والتراجم والتى تعرضت لحياة الرسول المصطفى (ص) وأصحابه وأهل بيته رضى الله عنهم أجمعين، وهو ما يعد افتئاتا وكذبا على رسول الله ويشوه تاريخه وحياته (ص) والدعوة الإسلامية بكاملها فى غفلة من الأزهر الشريف الذى تجاهل تدقيق الفيلم بالصورة اللائقة والمفترضة لشخصية مثل هذه، لظروف سنعرف خلال السطور المقبلة أنها سياسية بالدرجة الأولى.
الفيلم اعتمد على خطوط عريضة لا نبالغ إذا سميناها أكاذيب واضحة كالشمس، منها أن الشيماء كانت فى العقد الرابع من عمرها وقت أن التقت الرسول (ص) بعد غزوة حنين، وهذا مخالف للحقيقة تماما لأنه من المؤكد أنها كانت تكبر الرسول بما يزيد على عشر سنوات، وكانت تساعد أمها حليمة السعدية فى حضانة وتربية الرسول (ص) فى طفولته، وهو ما ذكره د. محمد حسين هيكل فى كتابه الرائع «حياة محمد ص 127» تحت عنوان «محمد من ميلاده إلى زواجه» (وأقام محمد فى الصحراء سنتين ترضعه حليمة وتحضنه ابنتها الشيماء) .
اقتضت الحبكة الدرامية أن تجعل من الشيماء منشدة الإسلام، والتى ضحت بالنفيس والغالى من سمعتها، وكادت تخاطر بحياتها بعنادها ودفاعها عن رسول الله والذود عنه وعن دينه بين قومها(بنى سعد) فى بداية دعوته (ص) بل وجمعها التبرعات والمؤنة التى سربتها لبنى هاشم فى شعب أبى طالب فى فترة مقاطعة قريش لبنى عبد المطلب عقابا للرسول الكريم، وهو ما لم يحدث مطلقا، بل تثبت المراجع أن أشخاصا بعينهم هم من قاموا بذلك، وهو ما جاء فى كتاب الرحيق المختوم ص 112فى فصل "المقاطعة العامة (ثلاثة أعوام فى شفى شعب أبى طالب" فيقول: (وكان حكيم بن حزام يحمل قمحا إلى عمته خديجة رضى الله وقد تعرض له مرة أبو جهل فتعلق به ليمنعه فتدخل بينهما أبو البخترى ومكنه من حمل القمح إلى عمته) .
وفى الفيلم نجد أن الأساس الذى يدفع الشيماء للقيام بهذا السلوك الشريف لمناصرة أخيها فى الرضاعة محمد بن عبد الله (ص) غير ثابت ومشكوك فيه، وهو إسلامها وإعلانه وثبوته كما ثبت إسلام غيرها من الصحابة والصحابيات الجليلات، وهو ما سوف يتضح بعد قليل.
ويأتى الفيلم فى نهايته ليعلن إسلام بجاد زوجها، وهو شىء أثبتت المراجع أنه لم يحدث مطلقا، والفيلم فى مجمله كذبة كبرى لا تغتفر، فالتفاصيل الدقيقة التى ذكرها عن الخلاف الذى دب بين الزوجين المتحابين ( الشيماء وبجاد) بسبب الإسلام الذى فرق بينهما، إنما هى مسروقة وملفقة ولم تحدث، بل إن الأصل فيها إذا أردنا بطن الحقيقة ولبها أن نسمى هذا الفيلم" زينب بنت محمد(ص)" أى السيدة زينب بنت رسول الله وتفاصيل قصتها مع زوجها أبى العاص بن ربيع ثابتة ومؤكدة، وأنها رضى الله عنها أسلمت وظلت فى رفقة زوجها فى مكة حتى بعد هجرة الرسول وصحابته، ثم اتفق أبوها (ص) مع زوجها أبى العاص أن تهاجر إليه فى المدينة، ثم لحق بها زوجها بعد أن أعلن إسلامه على مرأى ومسمع من قريش فى مكة.
كان السر الكبير، والذى كان لابد من اكتشافه وراء قصة صناعة هذا الفيلم وهو القرار السياسى والسيادى الذى أدى إلى (سلق) هذا الفيلم فيخرج إلى النور بهذا الشكل الفج الكاذب، وبداية الخيط نأخذه من مذكرات اعتماد خورشيد الشاهدة على انحرافات صلاح نصر، مدير المخابرات الأسبق فى عهد الرئيس عبد الناصر، حيث تعترف بين السطور، بأن قرار تصوير الفيلم جاء بأمر مباشر من عبد الناصر، وبتكليف زوجها المنتج أحمد خورشيد بإنتاج الفيلم كتعويض وترضية له على ما اقترفه صلاح نصر فى حقه وحق زوجته اعتماد خورشيد، فخرج الفيلم خلال أشهر إلى النور دونما حاجة إلى تدقيق أو تفحيص أو تمحيص من الأزهر، وهذا لا يمنع أن يكتب على تيتر الفيلم أسماء أعضاء لجنة تدقيق من الأزهر، لكن هل يرفض أحد تفاصيل قصة ابنة خير الأنام (ص) لتكون قصة فيلم يروج للدعوة الإسلامية ولشخصية ارتبطت فى الأذهان بكونها أخت الرسول من الرضاعة " الشيماء"؟.
فى بحثنا عن تلك الشخصية دققنا النظر فيما يزيد على 60 مرجعا ومصدرا من كتب التاريخ والسير وتفاسير القرآن الكريم، نذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر "الإصابة فى تمييز الصحابة" للإمام الحافظ ابن كثير، أسد الغابة فى معرفة الصحابة لابن الأثير، ألقاب الصحابة والتابعين للإمام الجيانى الأندلسى، البداية والنهاية لابن كثر، التنبيه والإشراف للمسعودى، الرحيق المختوم للمباركفورى، السيرة النبوية لابن هشام، الكامل فى التاريخ لابن الأثير، ومن أهم كتب السير والتى أفادتنا كثيرا رغم أنها ليست معروفة للعامة من المسلمين وهى "السيرة الحلبية فى سيرة الأمين المأمون إنسان العيون".
كانت أولى المفاجآت التى قابلناها فى بحثنا هذا أن الشيماء لا يمكن بأى حال من الأحوال أن نطلق عليها لقب صحابية، وهو المشهور عنها بالخطأ وثبت فى أذهان العامة والخاصة من المسلمين، وهو ما وجدناه مسجلا فى كتاب "الإصابة فى تمييز الصحابة لابن حجر العسقلانى" فى القسم الرابع (فيمن ذكر فى كتب الصحابة غلطا) (11384) الشيماء بنت الحارث بن عبد العزى بن رفاعة فيقول: ( ... قال أبو نعيم لها ذكر وأوردها أبو سليمان عن الطبرى ولم يورد لها حديثا وهى أخت الرسول (ص) من الرضاعة وقال أبو عمر الشيماء أو الشماء اسمها حذافة، ذكر بن إسحاق من رواية يونس بن بكير وغيره عنه أن إخوة النبى (ص) من الرضاعة عبد الله وأنيسة وحذيفة بنو الحارث وحذافة هى الشيماء غلب عليها ذلك، قال وذكروا أن الشيماء كانت تحضن رسول الله (ص) مع أمها وقال ابن إسحاق عن أبى وجزة السعدى أن الشيماء لما انتهت إلى رسول الله (ص) قالت يا رسول الله إنى لأختك من الرضاعة، قال وما علامة ذلك قالت عضة عضضتها فى ظهرى وأنا متوركتك، فعرف رسول الله العلامة فبسط لها رداءه ثم قال لها ها هنا فأجلسها عليه وخيرها فقال إن أحببت فأقيمى عندى محبة مكرمة وإن أحببت أن أمتعك فارجعى إلى قومك فقالت بل تمتعنى وتردنى إلى قومى فمتعها وردها إلى قومها، فزعم بنو سعد بن بكر أنه أعطاها غلاما يقال له مكحول وجارية فزوجت إحداهما الآخر فلم تزل فيهم من نسله بقية، أخرجه المستغفرى من طريق سلمة بن الفضل عن بن إسحاق، هكذا وقال بن سعد كانت الشيماء تحضن النبى (ص) مع أمها وتوركته، وقال أبو عمر أغارت خيل رسول الله (ص) على هوازن فأخذوها فيما أخذوا من السبى فقالت لهم أنا أخت صاحبكم، فلما قدموا بها قالت يا محمد أنا أختك وعرفته بعلامة عرفها، فرحب بها وبسط رداءه فأجلسها عليه ودمعت عيناه فقال لها: إن أحببت أن ترجعى إلى قومك أوصلتك وإن أحببت فأقيمى مكرمة محببة، فقالت بل أرجع فأسلمت وأعطاها رسول الله (ص) نعما وشاء وثلاثة أعبد وجارية ).
والواضح هنا من رواية بن حجر أن الشيماء ذكرت على سبيل الخطأ فى كتب الصحابة أو على أنها كانت واحدة منهم، وهذا بسبب الروايات التى لم يحققها أصحابها وتناقلوها عن ابن إسحاق وغيره كابن سعد، والتى سوف نرى أن الجميع قد اعتمد عليها فى تصنيفها ضمن الصحابة وذكرها على أنها كانت صحابية جليلة على حد تعبير البعض، حيث أشار فى روايتها السابق ذكرها أنها أسلمت .
العلماء والفقهاء وكتاب السير الذين ذكروا اسم الشيماء فى كتبهم ينقسمون إلى قسمين، الأول يذكرها على أنها صحابية جليلة كان لها رؤية، أى أنها رأت الرسول وتعاملت معه (ص)، اعتمادا على روايات لا يُعرف لها مصدر ولا أصل أو فصل ولم يتحققوا منها أو يحققوها كراوية ابن سعد التى ذكرت الآن، ورواية أبو عمر التى سيلى ذكرها، والقسم الثانى يذكرها على أنها كانت أخت الرسول من الرضاعة فقط مستشهدين بذلك الموقف فى الجعرانة دون التطرق إلى مسألة إسلامها من عدمه، وبالتالى كونها صحابية أم لا ! وهؤلاء هم الذين حققوا رواية ابن اسحاق وقارنوها بتلك الروايات فلم يجدوا لها مصدرا موثوقا يأخذونها عنه، ولم يجدوا من الأدلة ما يشجعهم فى القول بأنها أسلمت على الإطلاق بل إنهم يأخذون حتى مسألة العطايا والهدايا التى أهداها الرسول (ص) لها – وهذا ما زعم به بنو سعد وليس يقينا نأخذ به - كان كنوع من التشريف .
إننا نلاحظ أن فى الجزأ الأول من النص أو الرواية الأولى بل حتى فى الثانية أيضا نجد أنها تقول للصحابة أنا أخت صاحبكم، أى أنها لم تكن مؤمنة قبل أن تأتى الرسول (ص) أسيرة، وكذلك مسألة إشهار إسلامها هذه لم تتأكد ولم يذكرها جمهور الفقهاء والعلماء من كتاب السيرة النبوية.
فى كتاب "زاد المعاد فى هدى خير العباد" - الجزأ الثالث فى فصل "فى غزوة حنين وتسمى غزوة أوطاس" يقول ( فعرف رسول الله (ص) العلامة، فبسط لها رداءه وأجلسها عليه وخيرها فقال : ( إن أحببت الإقامة فعندى محببة مكرمة وإن أحببت أن أمتعك فترجعى إلى قومك )؟ قالت :بل تمتعنى وتردنى إلى قومى، ففعل، فزعمت بنو سعد انه أعطاها غلاما يقال له مكحول وجارية فزوجت أحداهما من الآخر فلم يزل فيهم من نسلهما بقية . وقال أبو عمر : فأسلمت، فأعطاها رسول الله (ص)ثلاثة أعبد وجارية ونعما وشاء وسماها حذافة وقال : والشيماء لقب) .
وهنا نصل إلى ثانى أهم رواية قالت بأن الشيماء قد أسلمت وهى رواية أبو عمر والتى يعتمدون عليها فى إثبات إسلامها والسمو بمكانتها ورفعة قدرها .
ولعل الغرض الذى من أجله كرم النبى (ص) أخته الشيماء وبسط لها رداءه، هو ما ذكره هيكل فى كتابه حياة ص 129(... طبيعى وتلك صلة"محمد" بهؤلاء الرجال الذين أقبلوا عليه من هوازن مسلمين أن يعطف عليهم ويجيبهم إلى مطلبهم، فقد كان دائما شأنه مع كل من أسدى إليه يوما من الدهر يداً).
وما يؤكد ما نذهب إليه فى عدم ثبوت إسلام "الشيماء" هو ما ذكره العديد من كتب السيرة ومنها ما جاء فى "السيرة الحلبية فى سيرة الأمين المأمون إنسان العيون" – المجلد الثالث ص 94، يقول مؤلفها على بن برهان الدين الحلبى ( ... ولما أسرت أخته (ص) من الرضاعة "الشيماء" صارت تقول والله إنى أخت صاحبكم ولا يصدقونها فأخذها طائفة من الأنصار الذين أتوا بها رسول الله (ص) فقالت يا محمد إنى أختك قال وما علامة ذلك? قال لها إن تكونى صادقة فإن بك منى أثرا لن يبلى، فكشفت عن عضدها ثم قالت نعم يا رسول الله حملتك وأنت صغير فعضضتنى هذه العضة، فعرف رسول الله هذه العلامة، وعند ذلك قام (ص) قائما وبسط لها رداءه وأجلسها عليه ودمعت عيناه وسألها عن أمه، فأخبرته بموتها وقال لها: سلى تعطى واشفعى تشفعى فاستوهبته السبى بعد أن قال لها قومها إن هذا الرجل أخوك فلو أتيته فسألته قومك لرجونا أن يحابينا ... وهم ستة الآف فوهبها السبى فما عرفت مكة مثلها ولا امرأة هى أيمن على قومها منها وخيرها (ص) وقال إن أحببت فعندى محببة مكرمة وإن أحببت أمتعك وترجعى إلى قومك، قالت بل تمتعنى وتردنى إلى قومى فأعطاها غلاما يقال له مكحول وجارية وقيل إن القادمة عليه (ص) أمه من الرضاعة التى هى حليمة) .
وفى موضع آخر يقول صاحب ذلك الكتاب مقولة لم يهتد إليها أحد من كتاب السير ولا محققوها من العلماء والأئمة تنهى الجدل حول شخصية الشيماء فيقول : ( أعتق (ص) هوازن قبيلة أمه من الرضاعة التى هى حليمة السعدية وكانوا ستة الآف آدمى، وإنما لأجل أنه (ص) كان له وهو طفل فيهم رباء بفتح الراء والمد أى تربيته فيهم ولأجل أن أخته من الرضاعة أتت فى ذلك السبى وتلك الأخت صغّر كفرها وسباؤها قدرها الرفيع بإخوته (ص) فأعطاها برا وفعل معها معروفا) .
ولا أرى تعليقا أبلغ مما سبق أن شرحه "برهان الدين الحلبى" فى توضيحه لما حدث فى ذلك الموقف، وهو ما يؤكد وما لا يدع مجالا للشك فيما ذهبنا إليه من أن إسلام الشيماء لم يثبت، والرواية التى يستند إليها فى القول بإسلامها غير مؤكدة، ولم يأخذ بها أغلب كتاب السير وضعفها البعض منهم.
ومما سبق نستنتج أن " الشيماء " كانت كافرة طيلة حياتها، كما أشارت الرواية السابقة، وهذا على العكس تماماً مما صوره الفيلم أنها كانت وقت هجرة الرسول مؤمنة أشد الإيمان بالله ورسوله وقد كانت فى ريعان الشباب وفى قمة رشاقتها وقوتها.
.. وعندما عرضنا القضية على أهل الاختصاص من رجال الدين وعلماء الأزهر، جاءت ردودهم بما لا تتجاوز الصورة السطحية التى سيطرت على أذهان العامة وبسطاء المسلمين، ولم يجزموا بأدلة قاطعة عن إسلامها أو كفرها، وألقوا القضية لدى وزير الثقافة د.صابر عرب باعتباره مختصاً فى هذا الشأن وأستاذ فى التاريخ ، وجاءت على النحو التالى:
د. عبد المهدى عبدالقادر، أستاذ الحديث بجامعة الأزهر بعدما طرحنا عليه قضية الشيماء وما جاء من روايات فى بعض كتب السير والتراجم والتشكيك فى إسلامها وعدم ثبوته قطعيا، ومقارنتها بالفيلم الذى تناول تفاصيل حياتها، بدأ تعقيبه قائلا: " أنا لم أشاهد الفيلم أما درايتى عن الشيماء وهى أخت الرسول (ص)، فهى صحابية ولها مكانتها مثل باقى الصحابة، ومن أراد أن يراجع سيرتها يجدها فى كتب الصحابة وكتب السير، وهى سيرة طيبة ولها مواقف نبيلة تجاه الدعوة، وقد كانت سببا فى أن يتوقف مشركو مكة عن معاداة الرسول، وأن يتأملوا هذا الدين الذى جاء به النبى (ص) وأن يسلموا وهداهم الله إلى الإسلام".
أذهلنا رد أستاذ الحديث المختص فى تحليل كل ما ورد أو له علاقة بقول أو فعل ذكر فيه رسول الله (ص)، فكررنا عليه السؤال مرة ثانية خشية أن نكون قد أسأنا فهمه، إذا ما كان هذا رأيه العلمى فى تلك الشخصية أنه يقصد أن يفرق بين مفهوم الناس عن الشيماء ثم يأتى برأيه هو، وأوضحنا له أن بحثنا حول تلك الشخصية فى كتب السير والمراجع أوصلنا إلى كلام بعيد تماما عما يقوله هو، والذى لا يختلف كثيرا عن وجهة نظر العامة والبسطاء من المسلمين، وبينا له أن ذكر الشيماء فى كتب السير أكد أنها لم تكن شخصية محورية فى حياة الرسول وأنها لم تذكر إلا مرتين اثنتين .
فاجأنا د. عبد المهدى مرة ثانية برده وثنائه الذى نظنه يؤكد صحة ما توصلنا إليه من نتائج بحثية وسلامة وموضوعية منهجنا البحثى، حيث قال"أنت تكلمنى كباحث ماجستير أو دكتوراه فى شخصية الشيماء وليس كمحرر صحفى فى مجلة صحفية، وأنت لا تريد منى تصريحا صحفيا ولكن تريد رأيا علميا مفصلا... وأنت لا تحتاج لرأيى أنا ما دمت أنت قرأت وبحثت فى الكتب والمراجع وقارنت بين الرأى والرأى الآخر، ومعك مصدر المعلومة وهى كتب السير، كالإصابة فى تمييز الصحابة لابن حجر العسقلانى والطبقات الكبرى لابن سعد وابن عبد البر فى الاستيعاب وأنت ستجد ابن حجر العسقلانى فى كتابه الإصابة يتكلم كلاما جيدا جدا، وأنت لا تحتاج للاحتكام إلى رأى الأساتذة ، لأنك تستطيع البحث عن المعلومة، لكن ترجع إلينا عندما لا يكون عندك معلومة وتحتاج تصريحا صحفيا للنشر".
تواصلنا بعد ذلك مع د. محمد الشحات الجندى، عضو مجمع البحوث الإسلامية والأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية الأسبق، وعرضنا عليه القضية وما ورد فى الفيلم، فجاء رده كالتالى، حيث قال: "أنت تتحدث عن فيلم مر عليه وقت طويل فهو ليس حديث الإنتاج، وأنا لا أستطيع شخصيا أن أخبرك بما ورد عن تلك الشخصية فى الكتب".
أوضحنا لعضو مجمع البحوث الإسلامية ملخصا سريعا لروايات ذكر الشيماء فى كتب السير، وتوقفنا عند اختلاف علماء السلف حول نقطة ثبوت إسلامها وكونها مزاعم غير مؤكدة، وهو على عكس ما جاء فى الفيلم الذى يجب أن يكون الأزهر قد راجعه وقتها، وكيف أن الأزهر لم ينتبه أن تلك القصة مستعارة من قصة السيدة زينب بنت رسول الله (ص)، فجاء رده بأن الفيلم لن يخلو من الخيال والنواحى الفنية والحبكة التى تضخم من علاقة الرسول (ص) بأخته من الرضاعة.
واستنكر د. الشحات أن الشيماء لم تذكر فى حياة الرسول (ص) إلا مرتين اثنتين وتساءل عن المرجع الذى أتينا منه بتلك المعلومة، ونفى أن تكون كتب السير قد ذكرت أن الشيماء لم تسلم، ورفض التشكيك فيما جاء فى الفيلم، وتساءل حول المغزى والهدف من وراء البحث حول شخصية الشيماء، وتساءل عن سبب تأخرنا (الصحافة) فى اكتشاف هذا الخطأ فى الفيلم بعد كل هذه الفترة من إنتاجه .
ورجح الأمين الأسبق للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية أن يكون الأزهر قد راجع هذا الفيلم، وطالب بالتأكد من المعلومة قبل نشرها، ووعد أنه سيطرح هذه القضية على مجمع البحوث الإسلامية للنقاش والبحث، وطالبنا بتقديم طلب للمجمع للبحث فيها.
د. حامد أبو طالب، عضو مجمع البحوث الإسلامية، وعضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وعضو المجلس الأعلى للأزهر، ومستشار شيخ الأزهر والعميد الأسبق لكلية الشريعة والقانون، حدد الأسس التى يؤخذ بها فى أى قضية وما يستشهد به قائلا:" فى مناهج البحث العلمى يتحدثون عن توثيق المعلومات وعن المصادر التى يتم التوثيق منها، وهى مصادر معتمدة وغير معتمدة، ولا يصح التوثيق من المصادر غير المعتمدة ومن أمثلتها الأفلام أو المسلسلات أو الأحاديث الشعبية والحواديت الشعبية وما شابه ذلك، فلا يعتد به فى مواجهة المصادر المعتمدة كالمصادر التاريخية للمعلومات التاريخية، وهى كتب التاريخ الأصلية، وفى تلك الكتب المصادر القديمة هى الأصح والأفضل فى الاعتماد عليه.
وردا على سؤال حول إمكانية تغافل مؤسسة الأزهر فى الستينيات عن مراجعة قصة وتفاصيل الفيلم أو عدم اكتراثها لما جاء فيه مقارنة بالمعلومات التاريخية الأصلية لشخصية الشيماء قال: " من المحتمل أن يكون الفيلم لم يمر على المراجعة، وأتذكر أنه فى هذا الوقت كانت هناك موجة قائمة على إلغاء المراجعات وإلغاء الرقابة، فمن المحتمل أن يكون هذا الفيلم قد مر بمعلوماته المغلوطة على حد قولك دون رقابة، من ثم استقى بعض المعلومات من مصادر غير موثوقة، ويكون قد وقع فى الخطأ".
واقترح عضو مجمع البحوث الإسلامية أن نعرض الموضوع على وزير الثقافة وهو د. محمد صابر عرب، وهو مختص فى التاريخ ليفتينا فى تلك القضية، ونحن بدورنا فى «الأهرام العربى » نطرح القضية على جميع طوائف المسلمين خاصتهم وعامتهم للوصول إلى قول فصل قد يؤدى إلى وقف عرض الفيلم بقرار من الأزهر نفسه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.