ما يتعلق بالأمن القومى، ليس "توك شو"، يتنافس فيه الجميع على الكاميرا للحصول على مزيد من الأضواء وجذبا للإعلانات السياسية والحزبية، وأى قضية أو أزمة مهما استحالت يمكن للمصريين تجاوزها، ولكن حين يتصدر المتخصصون ويناقش ذوو الكفاءة ويقرر صاحب العقيدة الوطنية تأتى النتيجة الرائعة. وهذا ما حدث بالضبط حين واجه المصريون أعتى ساتر ترابى فى التاريخ وبحثوا عن كيفية التغلب عليه، فجاءت فكرة تجاوز خط بارليف من تجربة عظيمة، هى العمل فى السد العالى، فكرة وتجربة المقدم باقى زكى يوسف. اللواء باقي يوسف تخرج في كلية الهندسة جامعة عين شمس سنة 1954، ثم انضم في العام نفسه للقوات المسلحة كضابط مهندس في سلاح المركبات. وفي عام 1964 انتدب للمشاركة في مشروع بناء السد العالي إلى أن حدثت النكسة عام 1967، عاد إلى الجيش الثالث الميداني ليصبح «قومندان»، لتشكيل من تشكيلات الجيش الثالث الميداني، ثم رئيسا لفرع مركبات الجيش الثالث في حرب أكتوبر 1973. كاننت هناك اجتماعات أسبوعية، خصوصا فى سلاح المهندسين وبالطبع " سرية"، الغرض الوحيد منها كيفية تحطيم خط بارليف، وكانت كلمة "تحطيم" تعنى فى المقام الأول ضربه بالقنابل والصواريخ، وكان المقدم باقي يوسف قد عمل كمهندس في عمليات بناء السد العالي وشاهد كيف تتم إزالة الرمال بواسطة المياه، ومن ثم نشأت عنده الفكرة البديلة المدهشة والتى وعلي الفور عرضها على قائد فرقته المرحوم لواء أركان حرب سعد زغلول عبد الكريم، موضحا له أنه أثناء عمله بالسد العالي من عام 1964 وحتى 1967 كان يجرى استخدام المياه المضغوطة لتجريف جبال الرمال ثم سحبها وشفطها في أنابيب خاصة من خلال مضخات لاستغلال مخلوط الماء والرمال في أعمال بناء جسم السد العالي، أما في حالة الساتر الترابي شرق القناة «خط بارليف»، فالمطلوب لفتح الثغرات به هو توجيه مدافع مياه مضغوطة إليه لتجرى رماله إلى قاع القناة، وعلي الفور وضع الفكرة موضع دراسة وعرضت علي الرئيس جمال عبد الناصر، وأصدر أوامره بوضع الفكرة موضع التجريب، وبدأ المقدم مهندس – في ذلك الوقت- باقي يوسف عمليات التجريب والتدريب. وبعد نجاح التجارب التي زادت على 300 تجربة تم إقرار الفكرة، وفى سرية تامة تم تدبير المضخات الميكانيكية والتوربينية عن طريق استيرادها من ألمانيا بحجه أنها من أجل إطفاء الحرائق، وقد سخر الألمان منا بقولهم أي حريق يستلزم الطلمبات ذات القوة الجبارة هذه، وتم تدريب الأفراد والأطقم والمجموعات على أساليب التنفيذ، ولم تكتشف مخابرات العدو حقيقة ما يحدث. وتم التنفيذ الرائع للفكرة يوم السادس من أكتوبر عام 1973 بصورة أذهلت العالم وكان من نتائجها الفورية التي تحققت في البدايات الأولى لأعمال العبور ما يلي: تم الانتهاء من فتح أول ثغرة في الساتر الترابي الساعة السادسة من مساء يوم السادس من أكتوبر 1973. وتم فتح 75 % من الممرات المستهدفة ( 60 ) ممرا نحو الساعة العاشرة من مساء يوم السادس من أكتوبر عام 1973 بعد انهيار نحو 90 ألف متر مكعب من الرمال إلى قاع القناة. ثم عبر أول لواء مدرع من معبر القرش شمال الإسماعيلية في الساعة الثامنة والنصف من مساء يوم السادس من أكتوبر عام 1973. وكما يقول المهندس باقي زكي يوسف: كان الساتر الترابي عبارة عن كثبان رملية طبيعية موجودة أصلا، وبعد ذلك عندما جاء ديليسبس وحفر القناة وضع الحفر علي الناحية الشرقية، فجاء الإسرائيليون واستخدموها كحائط وقاموا بتعليته وبدأوا يقربونه ناحية الشرق فمالت بدرجة 80 درجة، ونحن كنا نعيش مع مولد الساتر الترابي, وفي مايو 1969 اجتمعوا في قيادة الفرقة وأخذنا مهمة أن نعبر القناة وكان ضمن المقترحات لتدمير الساتر الترابي استخدام الصواريخ أو المتفجرات أو المدفعيات بكل أنواعها أو الطيران بالقنابل، وكان أقل وقت لفتح ثغرة من 12 إلي 15 ساعة، وكانت الخسائر المتوقعة في حدود 20% من القوات يعني 20 ألف شهيد فسمعت هذا الكلام واندهشت واستفزتني الخسائر البشرية فأخبرت القادة العسكريين أن هناك حلا بسيطا جربناه من قبل في السد العالي ومن ثم بحثنا وجربنا فكرة الخراطيم المائية. وحول مدى نجاح الفكرة وتأثيرها يقول: يوم 6 أكتوبر بدأ العمل في فتح الساتر الترابي منذ انطلاق الحرب، وفي تمام الساعة العاشرة مساء كان مفتوحا 60 ثغرة علي طول امتداد الضفة الشرقية للقناة، وكانت كافية لإتمام العبور علي مدار ذلك اليوم وفي الساعة الثامنة ونصف عبر لواء مدرع شرق القناة قبل ميعاد عبوره بساعتين من ثغرة تم فتحها بالمياه، وذلك دون وقوع أي خسائر بشرية عدا 87 جنديا فقط في الموجات الأولي للعبور بدلا من 20 ألف شهيد.