حسناء الجريسى - كانت وزارة الثقافة في زمن فاروق حسني، لا تخلو من انتقادات المثقفين، بسبب امتلاء أجندتها بالمؤتمرات والمهرجانات، وكان هذا الجانب هو الأكثر حيوية في الوزارة، برغم كل شيء، الآن بعد عامين من الثورة اقتصر نشاط السيد الوزير صابر عرب، على افتتاح معارض الفن التشكيلي، ولم يعد هناك أثر لمؤتمرات الإبداع الروائي والنقد والترجمة والشعر والمسرح، هل يفتقد المثقفون مؤتمرات فاروق حسني، برغم كل الانتقادات التي كانت توجه إليها؟ أيا كانت الإجابة فإن هذه المؤتمرات كانت تضع مصر في قلب المشهد الإبداعي العربي، وتمثل همزة الوصل الوحيدة بين المثقفين المصريين والعرب. مبدئيا فإن الأيام المقبلة ستشهد عودة مؤتمر الشعر في الفترة من 18إلى 21 مارس الجارى، لكن هذا لا يمنع من الإشارة إلى تقليص الميزانية الخاصة بوزارة الثقافة، كما أن هناك استخفافا بالثقافة في التقرير الذي أعدته الحكومة عنها، فلم يتجاوز الحديث عنها سوى أربعة سطور، لا تغني ولا تسمن من جوع، واكتمل التضييق بإصدار د.هشام قنديل، رئيس مجلس الوزراء قرارا يقضي بعدم إقامة أية مؤتمرات إلا بموافقة رئاسة الوزراء، فهل من المفترض أن تكون هذه هى حال الثقافة بعد قيام ثورة 25يناير وإغلاق حظيرة فاروق حسنى؟ هل أصبح المثقفون تحت رحمة رئيس الوزراء أيا كان اسمه؟ يقول د.طارق نعمان - رئيس الإدارة المركزية بالمجلس الأعلى للثقافة - في العامين الماضيين لم تقم الوزارة أية مؤتمرات نظراً للظروف التى تمر بها مصر، وبالنسبة لمؤتمر الشعر فإن دورته الطبيعية كانت عام 2011، وتم تأجيلها بسبب أحداث ثورة 25 يناير. ويؤكد: المفترض أن مؤتمر الشعر سوف يقام فى الفترة من18إلى 21 مارس الجارى، ويأسف قائلاً: « هناك بعض العراقيل التى تواجهنا الآن ونحاول جاهدين التغلب عليها» موضحاً أن هناك توجها جديدا من قبل رئاسة مجلس الوزراء بأن « نخطرها بكل المؤتمرات قبل دورة انعقادها، ما يخضع العمل الثقافى لرقابة مجلس الوزراء «. ويستاء د.النعمان من هذا الأمر قائلا: « لا يليق بوزارة الثقافة أن توضع تحت هذه الرقابة المقيتة، التى تجعل المؤتمرات والأنشطة الثقافية خاضعة للسلطة، فهذا يعيق الفاعليات التى تبرز اسم مصر فى المحافل العالمية، مشيرا ًإلى أن « السلطة لا تدرك قيمة العمل الثقافى فى مصر ولا تعرف قيمة قوتها الناعمة، وإلا لما صدر هذا المنشور العجيب». ويرفض بشدة ما يمارس على الثقافة من تهميش مؤكدا أن العمل الثقافى يراد خنقه لصالح فصيل معين، خصوصاً أن الميزانية المخصصة للثقافة ضعيفة جداً، ويرى أن التصدى لهذا الأمر يقع على عاتق وزير الثقافة د.محمد صابر عرب ود.سعيد توفيق الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة. عندما توجهنا بالسؤال إلى الدكتور سعيد توفيق، عن دور المجلس، وما سيتم بشأن المؤتمرات؟ أجاب: «يبدو أن هناك قرارا سابقا تم تفعيله ولابد من إعادة النظر فيه، فالموافقات تستغرق وقتا طويلا وهذا يعرقل الإجراءات التى تتخذ بشأن إقامة المؤتمرات». ويناشد رئيس الوزراء بأن يعيد النظر فى هذا القرار خصوصاً أن مثل هذه المؤتمرات تحتاج إلى إعداد مسبق، فأى مؤتمر يحتاج إلى لجان متخصصة تعد له وتجتمع باستمرار لمناقشة الآليات التى تقام عليها. وفيما يتعلق بهذا الأمر ترى فريدة النقاش، أن المسألة أشمل من قيام المؤتمرات ألا وهى مدى رؤية النظام الذى يحكم مصر للثقافة،نحن أمام جماعة تعمل كل مؤسساتها على مبدأ السمع والطاعة، وتؤكد أنه مبدأ معاد للثقافة، وبالتالى إذا ما ساد مفهوم السمع والطاعة، فإن الثقافة تتعرض للتهميش والحصار كما نرى الآن فى كل المجالات الثقافية التى بدأت تتراجع. وتعتقد أن مسألة إخضاع المؤتمرات أو الموافقة عليها لرقابة مجلس الوزراء، هو تطبيق للمبدأ الشمولى الذى يعنى العلاقة الجوهرية بين الاتجاه السياسى، الذى يحكم مصر وبين المواطنين، فهو اتجاه تأسس على نظرة شمولية للثقافة والسياسة، وتجلى فى قرارات كثيرة جدا منذ أن تولى الإسلاميون السلطة فى مصر. وتؤكد النقاش أن النظام الإسلامى لن يسمح بأن تزدهر الثقافة بعيداً عن قبضته، وهذا ما جعل صناعة الكتاب تعانى مشاكل كثيرة فى الفترة الأخيرة، وها هى المؤتمرات تتعرض للتهميش، وتقليص الميزانية بحجة أن ما تتخذه الدولة من قرارات ضد الثقافة يأتي بدافع التقشف. والحل من وجهة نظر النقاش هو أن يتكاتف المثقفون فى كل المجالات ومن كل التوجهات بمؤسساتهم المختلفة، ليشكلوا قوة ضغط على الحكم القائم حتى يشلوا قبضة يده على الثقافة. بينما يرى الناقد د.صلاح قنصوه، أن هذه المؤتمرات الثقافية مرتبطة بتنمية الوعى،فهى لاتتناول قضايا تمس الواقع السياسى المعاش بالمعنى المتعارف عليه، فكل الاهتمام الآن موجه ناحية الأهداف السياسية، مشيراً إلى أنه لابد من أن تكون القاعدة التى تبنى عليها المؤتمرات صلبة، لأن الطاقات كلها موجهة ناحية قضايا الحياة،فليس هناك مكان للبحث فيما نختلف فيه أو نبحث عنه فى القضايا الثقافية. ولأنه يعرف جيداً مدى البيروقراطية المصرية يوضح الروائى يوسف القعيد أن هذه المؤتمرات ستقام بالحد الأدنى من التكلفة المالية، ولذا يجب رفضها من قبل المجلس الأعلى للثقافة، فهذه القرارات معناها التضييق فى الإنفاق وفى الدعوات، ما يؤثر على الوضع الثقافى والدور الرائد لمصر. ويتساءل القعيد: هل اختص رئيس مجلس الوزراء وزارة الثقافة وحدها بهذا القرار أم أن كل الوزارت يطبق عليها هذا الإجراء؟ ويقول: لو أن هذا القرار متعلق بالثقافة وحدها فمعنى ذلك أننا لن نعقد أى مؤتمر بعد ذلك على الإطلاق. ويطالب المثقفين بأن يكون لهم موقف واضح تجاه هذا القرار»يحمل شعار «ارفعوا أيديكم عن الثقافة» ولا ينتهى الضغط إلا بعد إلغاء قرار رئيس الوزراء، ويطالب اتحاد الكتاب بالمشاركة فى هذه الحملة، ويعترف بأن النظام السابق على الرغم من تدهور الثقافة فى عهده إلا أنه لم يقيد المؤتمرات والمهرجانات الثقافية، فهذا الشأن مستحدث بعد ثورة 25يناير وكان من المفترض بعد الثورة أن يتسع سقف الحريات وتزدهر الثقافة بدلا من تكبيل كل ما يمسها. أما الشاعر أحمد طه، فعلى الرغم من رفضه قرار رئيس مجلس الوزراء، إلا أنه يرى أن ما يحدث فى مصر من اضطرابات يحول دون انعقاد أى مؤتمر، ويعتقد أن المؤتمرات فى هذا الوقت ستكون بلا جدوى، لذلك من الأفضل تأجيلها، فمجلس الوزراء لا يراقب نشاطات المجلس، لكنه يختص بوضع الميزانية المالية، مؤكداً أن الأجواء الحالية لا تسمح بكتابة الإبداع فكل المشاعر مليئة بترقب وقلق لما يحدث من مؤامرات سياسية، ما جعل بديل الإبداع هذه الأيام برامج «التوك شو». بينما يشير الشاعر والناقد د.صلاح الراوى، إلى أن قرار د.قنديل يختص بعقد المؤتمرات المحلية والدولية، والمقصود به أن تكون الدولة على علم بهذه المؤتمرات، مفسراً ذلك بأن «الإخوان المسلمين» لديهم حالة رعب من اتصال المثقفين بالكتاب والأدباء فى أنحاء العالم، لذلك فكل ما يتخذونه من قرارات يكون بغرض تهميش الثقافة فى الفترة المقبلة، لذلك فالأنشطة الثقافية ليست موجودة على أجندتهم ومفردة الثقافة ليست واردة فى مشروعهم السياسى، وهذا هو منهجهم العام. ويؤكد أن هذا القرار محسوب عليهم خصوصاً بعد قيام ثورة 25يناير، ويصفهم بأنهم أعداء للثقافة،قد يرون هذه الفاعليات « وجع دماغ من وجهة نظرهم»موضحاً أن القرارات التى تتعلق بالمؤتمرات دائماً ما تكون بيد وزير الثقافة، إلا إذا كان هناك اتفاق دولى كما هى الحال بالنسبة لمعرض القاهرة الدولى للكتاب، فلو توقفت مصر لمدة سنتين عن إقامة المعرض يفقد صفته الدولية. ويشير الراوي إلى ضرورة وجود حالة من الاستقرار حتى نستقبل وفودا ثقافية من الخارج، لكن ما تشهده مصر من اضطرابات يجعل من الصعب انعقادها، وهنا يعترف الراوي: «لا أرى أهمية لهذه المؤتمرات فهى لا تقدم جديدا ذا قيمة، فهناك حلقة ضيقة تدير هذه الأعمال، لكن هذا لا يبرر لرئيس الوزراء ممارسة التعسف تجاه كل ما يتعلق بالثقافة». وبلهجة ملؤها الغضب تعتبر بهيجة حسين أن «هذه القرارات نوع من الرقابة الفجة، فالإخوان المسلمون عدوهم الأساسى الثقافة، فلم يظهر فى جماعتهم أديب أو شاعر أو مخرج سينمائي « وترى أن هذه المؤتمرات كانت بمثابة قبلة مصر الثقافية، فكل أدباء العالم منحتهم مصر شهادة ميلاد، وتصف ما تتخذه الحكومة من قرارات تمس الثقافة بالقرارات المجنونة، فهى بذلك تريد أن تقضى على كل ما يميز مصر. وتوضح بهيجة أن الثورة اختطفها تيار يمينى متطرف، تلك الثورة التى دفع الشباب أرواحهم ثمناً لنيل الحرية، وفي لهجة مليئة بالتحدي تؤكد أن « المؤتمرات ستعقد وسيجتمع الشعراء والأدباء فى كل شوارع مصر وميادينها وسننتج كل أشكال الإبداع وسنقاومهم بكتاباتنا، فما يحدث ونشاهده هذه الأيام لم يكن موجودا في زمن الأنظمة الديكتاتورية». أما الشاعر صبحى موسى، فيعترف بأن النظام السابق كانت لديه فكرة قائمة عن تدجين النظام الثقافى وربطه بمؤسسات الدولة، وكان ناجحاً جداً، لقدرته على دمج المثقف في المؤسسة والعمل مع الأنظمة الديكتاتورية، فكانت الإستراتيجية التى يقوم عليها المجلس الأعلى للثقافة فى تلك الفترة محددة وواضحة ومشجعة للعمل الثقافى،خاصة ما يتعلق بالمهرجانات والمؤتمرات الفاعلة، وكان المجلس يتابع تنفيذها، لكنه يطالب خصوصاً فى ظل قيام الثورة بتغيير اللوائح والأفكار التى كانت تقام عليها المؤتمرات فى السابق، وإنشاء لوائح خاصة بمؤتمرات تتماس مع ثورة 25يناير، وتتعلق أكثر بجيل الشباب الذى يختلف عن سابقيه. ويرى موسى ضرورة إعادة النظر في هذه المؤتمرات الثقافية ومحاولة استحداثها لتلائم المرحلة المقبلة، مؤكداً أن البعد السياسى أصبح الغالب على اللحظة الراهنة، مطالبا القائمين على المؤتمرات بأن ينتبهوا للواقع ولا ينفصل موضوع الملتقى عنه ولا يكون بآليات قديمة تعوق الحراك الثقافى وتجعلنا نعود إلى نقطة الصفر.