ربما لا يملك أحد حتى اليوم تفسيرا لما جرى في تلك الأيام القريبة، حتى هؤلاء الشبان الذين خرجوا باتجاه ميدان الممر في الإسماعيلية يوم 25 يناير الماضي، فالتظاهرات التي كان قد تم الاتفاق عليها مسبقا بين مختلف القوى السياسية والحركات الشبابية، بدأت بأعداد بسيطة للغاية، “كانوا هم نفس الوجوه والأسماء التي كنا نعرفها عن ظهر قلب، ويخرجون معنا في كل التظاهرات والوقفات الاحتجاجية في السابق"، ويضيف هيثم عبد الفتاح، الأمين المساعد للحزب الناصري بالإسماعيلية: “لم يكن عددنا يزيد عندما خرجنا إلى ميدان الفردوس وسط المدينة على ثلاثمائة، قبل أن ينقلب كل شيء بعد نحو ساعة رأسا على عقب، وينفجر الطوفان". في الإسماعيلية، وعلى الهاتف، قبل أن يقرر النظام السابق قطع الاتصالات، كانت الأخبار تأتي من السويس طازجة دائما، “الشرطة أطلقت الرصاص الحي على المتظاهرين في الأربعين"، و كان الخبر بمثابة الشرارة التي أضرمت النار في الصدور المحتقنة. في شارع جانبي، متفرع من شارع الثلاثيني الرئيسي، وقف أمين الحزب الوطني المنحل بالإسماعيلية وبصحبته قيادة حزبية معارضة في محاولات يائسة لتهدئة الناس: “لا يوجد قتلى.. إنها مجرد شائعات.. قل لهم يا مصري"، في الوقت الذي كان مئات من شباب ألتراس الإسماعيلي “يلو دراجونز" يتدفقون على الميدان في مجموعات ضخمة من ناحية أحياء المحطة الجديدة والشهداء وعرايشية مصر، بينما صوت الثوار المحاصرين يرتفع: “يا أهالينا ضموا لينا". لحظات وينفلت الجمع الحاشد لينطلق في شوارع الإسماعيلية الرئيسية في مجموعات صغيرة، فشلت معها فرق الأمن المركزي في السيطرة على الموقف، وكان الهدف هو التجمع عند ميدان الممر ومنه إلى مبنى المحافظة الرئيسي لحصارها وإجبار المحافظ الأسبق عبد الجليل الفخراني بصفته ممثلا لنظام مبارك على الرحيل من المدينة، ويقول فايز الجبالي، أمين حزب التجمع السابق: “بدا الأمر وكأنه هبّة شعبية بامتياز، لقد تجاوز ما كان الجميع يخطط له من كونه تظاهرة احتجاجية، كان الغضب باديا على الجميع، وكان سقف المطالب يرتفع بصورة لم نشهد لها مثيلا". في صباح 26 يناير كانت شوارع الإسماعيلية تغلي حزنا على الشهداء الذين سقطوا في ميدان الأربعين، وكان القرار الذي انتهت إليه القوى الوطنية، هو الاستمرار في التظاهر لتخفيف الضغط الأمني عن السويس، لتقدم المدينتان في مناوبات كر وفر متتالية على مدى أيام عاصفة 45 شهيدا، سقط معظمهم يوم الجمعة 28 يناير الدامي وهو الأمر الذي دفع ثوار الإسماعيلية إلى حصار مبنى أمن الدولة في صباح اليوم التالي وإشعال النيران به، ليسقطوا أول قلاع وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي، وليسطروا بدماء شهدائهم الزكية صفحة جديدة من صفحات المقاومة على ضفة القناة.