تزين الفوانيس الورقية ذات الألوان الزاهية وأكوام من لعب الأطفال شارع هانج ما في هانوي حيث تستعد فيتنام لمهرجان "منتصف الخريف" السنوي غدا الأحد. ومن بين الأشياء المميزة في هذه المناسبة فطائر القمر الشهيرة والمعروفة بطعمها اللذيذ: وهي فطائر حلوى مستديرة تعطى عادة كهدايا وخاصة للأطفال. ومع ذلك يرى البعض أن منح هذه الهدايا اتخذ دورا ينذر بالسوء بشكل أكبر في السنوات الأخيرة حيث علب الفطائر التي تصل قيمتها لمئات الدولارات تمنح للرؤساء وشركاء الأعمال أو أخرين مقابل خدمات معينة . ويقولون إن استخدام الفطائر كرشوة يهدد بتراجع القيمة التقليدية للعادة المعروفة. وظلت الفطائر التي تصنع تقليديا من حبوب زهرة اللوتس الممزوجة بالحنطة والفول السوداني والمقانق الصينية لأجيال تمنح للأصدقاء ولافراد العائلة كنوع من المحبة وأيضا كنوع من الندور للأسلاف. والحدث الذي يحتفل به أيضا في الصين هو مهرجان حصاد في ضوء القمر ، كما أن الفطائر نفسها تتخذ اسمها من صفار بيض مملح في المنتصف والذي يرمز إلى القمر. ورغم ذلك، ظهرت أشكال باهظة الثمن في السنوات الأخيرة. ففي محل بفندق راق في وسط هانوي، تغلف فطيرة القمر في علب ذهبية مغرية ويوضع حولها زجاجة من الويسكي تباع بحوالي 3.68مليون دونج (176 دولار). والمجموعات الأرخص والتي يصل سعرها حوالي 30 دولارا هي "مناسبة للعائلة والأصدقاء" بينما العلب غالية الثمن هي "لرؤساء العمل فقط" حسبما يقول البائع الشاب. وتقول هانج وهي محاسبة (28 عاما) في شركة خاصة في هانوي ولم ترغب في ذكر اسم عائلتها إنها سمعت أن الشركة سوف تخفض عدد العاملين بسبب مصاعب اقتصادية، ولذا قررت أن تشتري هدية لرئيس قسم الموارد البشرية. وتقول "أنا فكرت في نوعية الهدية التي أعطيها لرئيسي في العمل وقررت أن فطيرة القمر ستكون مناسبة مع قدوم الخريف". وتكلف الفطيرة أكثر من مئة دولار قليلا أو ما يعادل راتبها الشهري، وتقول إنها تعتزم أن تسأل رئيسها في العمل عن خفض الوظائف عندما تقدم له الفطيرة. وترى ناشطة مكافحة الفساد لي هين دوك أن مهرجان منتصف الخريف وهو احتفال تقليدي للأطفال قد تعرض للتشويه. وتشير إلى "أن الناس يمنحون ما اسميه أنا (فطائر القمر الممتازة) إلى رؤسائهم في العمل ليحصلوا على امتيازات لهم". وتضيف "من الواضح أن منح فطائر القمر غالية الثمن قد خرب تماما تقاليدنا الجميلة والمفعمة بالمعاني... ومن الواضح أن الذين يحصلون على الهدايا الثمينة يفعلون أشياء سيئة". ويقول جايرو ألكونو ألفارو مستشار سياسة مكافحة الفساد في برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة إن تقديم هدايا ثمينة مقابل امتيازات يشوه التقاليد المحترمة لمنح الهدايا في فيتنام. ويقول "من الصعب أن تصدق شخصا ما في فيتنام سوف ينفق مبلغا كبيرا من المال بما يتجاوز التقاليد الثقافية دون توقع شىء ما مقابل له". ويعتقد كوينه فام هوونج من المعهد المحلي لعلم الاجتماع أنه بينما أن القيمة الثقافية لمنح فطائر القمر لا تزال موجودة، إلا أنها أصبحت مرتبطة بشكل متزايد بالفساد. وتقول "الناس الذين يريدون الحصول على شئ ما من خلال الفساد يمكن أن يفعلوا ذلك في أي وقت". وتضيف "أفضل فرصة هي السنة القمرية الجديدة، ولكن الأوقات الأخرى من العام يمكن أيضا استخدامها لهذا الغرض". ويقول ألكونو ألفارو إنها مشكلة تعترف بها الحكومة. في عام 2007، أصدر رئيس الوزراء قرارا بشأن لائحة الهدايا تنص على أن أي هدية تزيد على قيمة 500 ألف دونج (حوالي 25 دولارا) ويقبلها الموظفون العموميون يجب أن يبلغوا عنها ويعيدوها. ويضيف "يبدو أن القرار قد تم نسيانه بالفعل". ولا يتفق الجميع مع فكرة أن العادات قد تعرضت للتشوية. ويرى نجوين ثي ديو وهو أستاذ بجامعة تيمبل في فيلاديلفيا والمؤلف المشارك في كتاب الثقافة والعادات في فيتنام أن المناسبات مثل مهرجان منتصف الخريف هي فرصة للشعب الفيتنامي للإعراب عن امتنانه تجاه فاعلي الخير في شكل فطائر أو فاكهة أو زهور أو مال. ويضيف "كلما كانت مكونات الهدية غالية الثمن مثل الذهب وزعانف القرش أو عش طائر، كلما كان الامتنان معبر عنه بشكل أفضل". وقال مؤخرا لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) "التقاليد يجري ابتكارها ثم إعادة ابتكارها وخاصة في مجتمع مثل فيتنام التي انخرطت في المجتمع الدولي". وبالنسبة للمحاسبة هانج، فأن فطيرة القمر فرصة بالنسبة لها للتأثير على رئيسها في العمل في وقت يتسم بالغموض الاقتصادي. وتقول "أعتقد أن آخرين ربما قدموا له فطائر القمر"، وتضيف "وإذا كنت أعطيته فطيرة عادية فإنه ربما لن يتذكرني".