أطلق عليها الفنان الراحل عبد الوارث عسر لقب" شادية الكلمات "، فهي لم تكن تغني مثل غيرها، بل كانت تشدو بالكلمات في لحن منفرد داخل اللحن الأساسي ، وتعيد صياغة هذه الكلمات بصوتها الجميل فتخرج بكل ما تحمله روحها من شقاوة وخفة ظل لتسكن قلوب الناس قبل أن تسكن آذانهم. رغم أن بداية الفنانة شادية سينمائية على يد المخرج أحمد بدرخان من خلال دور صغير في فيلم" أزهار وأشواك " ، إلا أن صوتها استطاع أن يفرض نفسه بقوة ويضعها في مصاف كبار المطربين ، فهي لم تظهر في عصر بلا قامات غنائية ولكنها جاءت لتنافس كبار أهل الطرب مثل أم كلثوم وسعاد محمد وعبد الوهاب ونجاة ونجاح سلام و فايزة أحمد وعبد الحليم وفريد الأطرش ومحمد فوزى وغيرهم كثير من مطربي زمن الفن الجميل ، ولكنها كانت لها منطقة خاصة لم تستطع مطربة أن تجاريها فيها ، حيث الصوت الذي يتميز بالطرب وفي نفس الوقت بالدلع والشقاوة ، الذي يجعل كل من يسمعه يتراقص مع صوتها وهو يشعر بالطرب الجميل . آخر ليلة لم تترك شادية مجالا لم تغن فيه ، فقد غنت بصوتها الذي وصفه البعض ومنهم عبد الوهاب وأم كلثوم ب"الخفيف" لكل الناس ، ففي الناحية العاطفية عبرت عن الحب بشكل جعل كل المحبين يعشقون أغانيها ويتغنون معها في كل مراحل الحب التي صاحبتهم فيها ، بما فيها من حنين وغرام وسهر وعذاب وفراق ، فمن ينسى لها " مكسوفة منك " ، و" اتعودت عليك " ،" أخر ليلة " ، "ان راح منك يا عين"، "حبينا بعضنا"، "شباك حبيبي "، "يا حبيب عود لي تاني" ، "مخاصمني بقاله مدة" ، "على عش الحب"، "قولوا لعين الشمس" .حتى حالات الحب التي توجت بالخطوبة والزواج لم تنساها ، بل أن أهم أغنية تعبر عن فرحة الخطوبة كانت من نصيبها وهي أغنية " يا دبلة الخطوبة " التي لا تزال تغني حتى اليوم مع كل عريس يقوم بتلبيس عروسته شبكتها ، وسط فرحة وتراقص كل الأهل والأصدقاء والمدعوين على هذا الصوت الذي لا يزال باقيا وإن رحلت صاحبته عن عالمنا . حب شادية لوطنها لم يكن مجرد كلام ، بل أغنيات نابعة من القلب ، ليس فقط من خلال مشاركتها في الاوبريتات الوطنية مثل الاوبريت الشهير " وطني حبيبي " بل بأغانيها الفردية مثل "ادخلوها سالمين " و " مصر اليوم في عيد " ، " بلدي يا حبة عيني " ، " عبرنا الهزيمة " ، " يا أم الصابرين "يا مسافر بور سعيد " ، فأغلب هذه الأغاني لا تزال محفورة في وجدان كل المصريين، وكلما جاءت مناسبة وطنية انطلق صوت شادية مغردا للوطن فمن ينسي صوتها الذي كان يجلجل في كل مكان في مصر أثناء ثورتي 25 يناير و30 يونيو بأغنية " يا حبيبتي يا مصر " التي كان يغنيها الجميع وهم يحملون الأعلام حبا في الوطن ، وكلما حققنا نصرا انطلق صوتها ب" مصر اليوم في عيد " ولا يزال صوتها يشجع على السياحة وما تحمله مصر من أمن وأمان واستقرار في أغنيتها " ادخلوها سالمين " . خد بإيدي وطرقت شادية بصوتها باب الأغاني الدينية فتميزت فيها ، منذ أغنية "قل أدعو الله إن يمسسك ضر " للموسيقار كمال الطويل في فيلم" اشهدوا يا ناس" إخراج حسن الصيفي، وحتى أخر أغنية ختمت بها مسيرتها الفنية وهي " خد بأيدي" التي كانت بمثابة اعتزالها الحياة الفنية والاختفاء عن الأنظار حتى رحيلها . تفردت شادية بالأغاني الدرامية خفيفة الدم التي كانت تضيف بريقا للأفلام التي غنت بها ، خصوصا أن هناك أفلاما كانت تصر على عدم الغناء فيها لكي تؤكد على موهبتها في التمثيل ، فمن ينسي أغنيتها " أنا اسمي إيرما دوس " التي كتبها الشاعر حسين السيد وكيف أنها أغنت كثيرا عن حوار طويل كان يمكن أن يتضمنه السناريو ، أيضا تميزت شادية ببراعتها في الدويتوهات السينمائية مع عمالقة الغناء مثل عبد الحليم حافظ التي شاركته مجموعة من الأغاني الثنائية مثل" حاجة غريبة" وغيرها ومع فريد الأطرش والديتو الشهير لهما " يا سلام على حبي وحبك " في فيلم" انت حبيبي " إخراج يوسف شاهين. علاوة على الديوتيوهات التي قدمتها مع ممثلين شاركوها بالغناء مثل الفنان كمال الشناوي في أغنية " دور عليه تلقاه " ، ومع الفنانة فاتن حمامه في أغنية " الو ألو أحنا هنا ونجحنا اهو في المدرسة " . إن راح منك ياعين عملت شادية مع عمالقة الشعر والموسيقى، الذين تميزوا معها بألحانهم وأشعارهم لها، وتنقلوا من خلال صوتها لمناطق جديدة بالنسبة لهم ، فهل يعلم الكثيرون أن السنباطي صاحب الألحان الرصينة والجادة يلحن لصوتها أغنية " 3 شهور ويومين اتنين " التي قدمتها في فيلم " ليلة من عمري " للمخرج عاطف سالم ، ونفس الشيء بالنسبة للموسيقار محمود الشريف فهل يعلم الكثيرون أن أول الحانه لها " يا حسن ياخولي الجنينة أدلع يا حسن "في فيلم "ليلة الحنة " من إخراج أنور وجدي ، أيضا تعانق صوتها بألحان المجدد منير مراد فكان أول ما تغنت له " واحد اتنين " ثم بعد ذلك غنت له "إن راح منك يا عين" في فيلم" ارحم حبي" إخراج حلمي رفلة ، علاوة على الكثيرين مثل عبد الوهاب والموجي وغيرهما . بسبوسة يذكر أن شادية توقفت عن الغناء بشكل كام بعد عام 1964 حتى تركز في العمل كممثلة ، وظلت كذلك حتى اعادها بليغ حمدي والابنودي بأغنية" يا سامراني اللون " عام 1966 ، ومن بعدها واصلت رحلتها مع الغناء ، حيث كان يحرص الناس على الذهاب لحفلاتها وسماعها عبر الإذاعة وعشقها الناس ليس في مصر فقط ولكن في كل البلدان العربية ووصل صوتها لكل انحاء الدنيا من خلال محبيها العرب ، بل أعجب بها غير العرب وتغنوا بأغانيها كما حدث مع مطربة صينية التي تغنت بأغنيتها " بسبوسة ". رحلت شادية صاحبة الصوت المرح والمبهج تاركة خلفها رصيدا خالدا من الأغنيات التي تمنحنا البهجة والسعادة، التي كلما استمعنا إليها رددنا " يا حبيتي يا شادية " .