أيا كانت القوى التى طالبت قطر بوقف احتضان الإرهاب ودعمه، وأيا كانت أهداف هذه القوى وخلفياتها، فذلك لا ينفى للحظة واحدة أن قطر واحدة من أخطر مراكز الإرهاب ودعمه وتسويقه والتغطية عليه. وكانت بذلك جزءا أساسيا من برنامج ومشروع نشر الفوضى الهدامة، وتمرير الشرق الأوسط الإسرائيلى الجديد، عبر الإرهاب ومنظماته وثقافته ومنابره .
ولا تتعلق المسألة، فقط، ببناء أكبر جامع للوهابية فى الدوحة، ولا بادعاء النسب العائلى والقبلى، الذى أنتجته الاستخبارات البريطانية فى شركة الهندالشرقية قبل قرون، ولا باحتضان قطر للإخوان القطبيين منذ ستينيات القرن الماضي، سواء فى وزارة التربية والتعليم أو غيرها من مؤسسات هذه المحمية البريطانية.
فثمة ما هو أخطر من ذلك، خصوصا بعد الانقلاب العائلى الداخلى الذى ترافق مع صعود حقبة الغاز، وإطلاق فضائية الجزيرة فى سياق المقاربات الإسرائيلية للمؤتمرات الاقتصادية الإقليمية، التى تلت اتفاقيتى أوسلو ووادى عربة.
فخلال قمتى الدار البيضاء وعمان، كان شمعون بيريز وفريقه الإسرائيلى يلتقون مع ممثلى قطر فى أروقة المؤتمرين لرسم الشكل الجديد للشرق الأوسط وموقع قطر فيه عبر الغاز وخطوطه، وعبر الفضائية المنشودة، الجزيرة.
لقد كانت الفوضى الهدامة التى عرفت باسم الربيع العربي، وبالأحرى ربيع الإسلام السياسى الأمريكى، القاسم المشترك بين رجال الانقلاب القطرى العائلى وفضائيته، وبين الفريق الإسرائيلى ومهندسه، شمعون بيريز .
وبرعاية قطر والفريق الإسرائيلي، تصاعدت أصوات يهودية داخل الإدارة الأمريكية لاستبدال الحرس البيروقراطى وأنظمته العربية، بتحالف من الإسلاميين الأمريكيين والليبراليين ونشطاء مراكز التمويل الأجنبى العاملة باسم حقوق الإنسان (أكاديمية التغيير، الأوتوبور، فورد فاونديشين، المجتمع المفتوح، وغيرها) مما يفسر الصعود المشترك لرموز هذا التحالف عبرالجزيرة (القرضاوى جنبا إلى جنب مع عزمى بشارة، رجل الكنيست الذى تم تسويقه كقومى عربى تقدمى) .
ويشار هنا إلى الوثيقة المهمة المنشورة باسم نوح فيلدمان، اليهودى الأمريكى، الذى كلفه بريمر، بعد العدوان على العراق وتحطيم دولته المركزية، بوضع دستور جديد يستبدل الدستور العراقى السابق بدستور طائفي، وذلك علما بأن فيلدمان هذا زار مصر خلال سيطرة الإسلاميين على الحكم بزعامة محمد مرسى، وقدم اقتراحات لتعديل الدستور المصري، كما قدم اقتراحات مماثلة إلى (المعارضة السورية) تحول سوريا إلى فيدرالية طائفية.
ففى تلك الوثيقة، دعا فيلدمان إلى تبنى جماعات الإسلام السياسى الأمريكى، وتعزيز حظوظهم فى السلطة بالتعاون مع تيارات ليبرالية وبعض الأوساط العسكرية، وتحدث عن أسماء محددة فى تلك الوثيقة، مثل الغنوشى والقرضاوى وعزمى بشارة والعديد من الناشطين العرب مع الدوائر الأمريكية المهتمة بالشرق الأوسط ( مراكز دراسات وإعلام وأبحاث) .
وامتدت رؤية قطر – بيريز – فيلدمان لتشمل مكتب هيلارى كلينتون والعاملات فيه مثل فرح بانديت وهوما عابدين، والأهم مكتب بريجنسكي، المستشار السابق للأمن القومي، الذى رحل أخيرا، وقد لاحظ أن هذه الرؤيا لا تستقيم دون مركز إقليمى قادر على استغفال الشارع العربى والإسلامي، ومؤهل فى الوقت نفسه لتحقيق وظيفة إقليمية دولية أخرى، هى تطويق روسيا الأوراسيا بحزام إسلامي، ناعم وخشن .
هكذا ولدت إستراتيجية الانبعاث العثمانى ووظيفته فى الشرق الأوسط وإزاء روسيا، فصار أردوغان الركن الثالث مع فريق الدوحة وفريق بيريز، وصارت الجزيرة الناطق الإعلامى باسم هذا الحلف، وكان من شروط تل أبيب لدعم هذا المثلث أن تحصل على ضمانة من الشركاء الفلسطينيين للدوحة وأنقرة بالتخلى عن شعار تحرير فلسطين، فأطلقت حماس باقتراحات تركية- قطرية شعارات مثل صلح الحديبية وصلح الرملة كغطاء للاعتراف غير المباشر بإسرائيل، وذلك بذريعة الهدنة طويلة الأمد.
ومع تصاعد الصعوبات أمام ربيع الإسلام الأمريكى والفوضى اليهودية – القطرية التركيه، كان لا بد من الاستعانة بالجماعات الإرهابية المسلحة لتسريع هذا الربيع واستنزاف الجيوش العربية المستهدفة وتحطيمها، ولم يكن ذلك ممكنا دون أو قبل إعادة إنتاج، القاعدة، وتسويقها كجزء من هذا الربيع وهذه الفوضى، هنا وهناك وبأسماء مختلفة حسب كل حالة، كما اعترف الظواهرى نفسه فى شريط من الأشرطة التى بثتها الجزيرة.
وليس بلا معنى أن تجسد حالة من حالات القاعدة باسم جبهة النصرة فى سوريا والقلمون اللبناني، هذه اللعبة وعلى المكشوف، سواء بعمليات الاختطاف التى تنفذها ودخول قطروتركيا على خط الوساطة، أو بالتشبيك مع قطر، ومع تركيا بالتسهيلات الاستخباراتية واللوجستية، ومع تل أبيب: المستشفيات الميدانية فى الجولان لجرحى النصرة والدعم المدفعى والجوى الإسرائيلى ضد الجيش السورى.