وساطة عمانية وخليجية لم تنجح فى إنهاء الخلاف المصرى السعودى
مغزى عدم مشاركة مصر فى اجتماع رؤساء أركان التحالف الإسلامى بالرياض
تشير مؤشرات عديدة أن هناك أتجاهاً مصرياً تِجاه الابتعاد عن المعسكر الخليجى - الأمريكى الذى أظهر عدم نجاحه فى عدد من الملفات، سواء فى سوريا أم اليمن أم العراق، وتتجه بوصلتها بشكل أكبر إلى المعسكر الروسى - الإيرانى - العراقى - السورى، خصوصا أن حكم المحكمة الإدارية بمصرية تيران وصنافير، سيزيد على الأرجح من حجم الفجوة بين القاهرةوالرياض، وهى الفجوة التى اتسعت أخيرا وربما تؤدى إلى مزيد من الاقتراب بين القاهرة وبغداد وطهران، وقد ظهر ذلك واضحا فى عدم مشاركة مصر فى اجتماع لرؤساء الأركان لدول التحالف العسكرى الإسلامى ضد داعش فى الرياض الأحد الماضى، وكذلك صفقة النفط العراقى لمصر، بعد رفض آرامكو السعودية الالتزام بعقدها وإمداد مصر بالنفط. الأمر المؤكد أن الخلاف المصرى - السعودى لم يبدأ فقط بتيران وصنافير، لكنه بدأ قبل ذلك فى الاختلاف فى الرؤى حول الملف السورى والتقارب المصرى - الروسى الذى لم يكن مريحا للرياض بسبب دعم موسكووطهران لبشار الأسد، وكذلك رفض مصر الانخراط بشكل أكبر عسكريا فى اليمن، إلا أن قضية الجزر أدت لمزيد من الاحتقان فى العلاقات المصرية - السعودية. ولهذا جاء الاجتماع لرؤساء أركان 13 دولة فى التحالف العسكرى الإسلامى ضد داعش الأحد الماضى بدون مشاركة مصرية، دليلا واضحا عن حجم الابتعاد المصرى - السعودى، حيث عقد الاجتماع بناء على دعوة هيئة الأركان فى وزارة الدفاع السعودية بمشاركة كل من السعودية والإمارات والبحرين وقطر وعمان والكويت والأردن والمغرب وتونس ولبنان وتركيا وماليزيا ونيجيريا، إضافة إلى ممثلين من القيادة المركزية الأمريكية ولم تشارك فيه مصر. والمعروف أن القاهرة كانت قد اقترحت إقامة قوات عربية مشتركة فى القمة العربية التى عقدت فى شرم الشيخ مارس 2015 لمكافحة التحديات التى تواجه المنطقة العربية، خصوصا خطر الإهاب وعقدت بالفعل اجتماعات لمسئولين عسكريين عرب فى إطار الجامعة العربية، إلا أن السعودية عرقلت تلك الفكرة بعد ذلك، واقترحت تشكيل قوات إسلامية بدون إيران بالطبع، وهو الاقتراح الذى لم يسفر عن أى تحركات على الأرض. وربما كانت تلك التحركات السعودية هى النواة التى أدت فيما بعد لابتعاد القاهرة عن الرياض تدريجيا، خصصوا بعد اختلاف الرؤى حول الأزمة السورية وكذلك الفشل فى إدارة أزمة ترسيم الحدود وجزيرتى تيران وصنافير، ولم تفلح الوساطات الإماراتية والكويتية وأخيراً العمانية فى حل الخلاف. ويبدو واضحا أن هناك تقاربا مصريا مع محور روسيا، إيران، العراق، سوريا، وربما تركيا أيضا التى بدأت التنسيق مع موسكو لعقد مؤتمر للنظام والمعارضة السورية فى «أستانا» بكازاخستان نهاية هذا الشهر، وربما كانت أبرز ملامح هذا التقارب صفقة النفط العراقية لمصر التى لم تكن لتحدث إلا بمباركة فارسية خصوصا أنها تأتى بعد إيقاف السعودية إمداد مصر بمنتجات بترولية مكررة بواقع 700 ألف طن شهريا لمدة خمس سنوات، بموجب اتفاق بقيمة 23 مليار دولار بين «آرامكو» والهيئة المصرية العامة للبترول، وأيضا أثار إصرار طهران على حضور مصرى فى مؤتمر «لوزان» حول سوريا أكتوبر الماضى الانتباه إلى وجود تنسيق مصرى - إيرانى فى ملف سوريا. وكان الرئيس عبد الفتاح السيسى قد التقى إبراهيم الجعفرى، وزير خارحية العراق 21 ديسمبر الماضى، حيث تم التأكيد على دعم القاهرة لبغداد، وتأتى الزيارة بعد دخول اتفاقية إمداد مصر بمليونى برميل شهريا من نفط البصرة الخفيف قابلة للزيادة بشروط دفع ميسرة لحيز التنفيذ. وكانت القاهرة وبغداد قد وقعتا الاتفاقية فى مارس الماضي، ونوقشت بنودها مجددا أثناء زيارة طارق المُلا وزير البترول لبغداد نهاية أكتوبر الماضى. وأيضا جاء الحوار الجانبى بين سامح شكرى، وزير الخارجية ونظيره التركى مولود جاويش أوغلو على هامش مؤتمر باريس للسلام، ليؤكد أن هناك بوادر تفاهم بين القاهرة وأنقرة لارتباط المصالح فى الوقت الحالى بسبب الملف السورى، وقد حاول المستشار أحمد أبو زيد المتحدث الرسمى لوزارة الخارجية التقليل من شأن مغزى اللقاء، مشيرا أن الوزيرين كثيرا ما يلتقيان على هامش الاجتماعات الدولية، وأن الحديث دار حول سوريا، حيث أكد شكرى أهمية وضرورة إتاحة الفرصة للمعارضة السورية الوطنية مثل «مجموعة القاهرة» للمشاركة فى محادثات «أستانا»، إذا ما كانت هناك رغبة جادة فى أن تكون المحادثات شاملة وموضوعية وذات أثر فاعل فى حل الأزمة السورية. الأمر الواضح حاليا إذ أن هناك تقارباً مصرياً - إيرانياً سيكون له مزيد من التداعيات على العلاقات المصرية - السعودية فى الفترة المقبلة، وربما يؤدى هذا التقارب لرفع مستوى العلاقات الدبلوماسية إلى سفير بعد أن ظلت عند مستوى قائم بالأعمال ومكتب لرعاية المصالح منذ عودة العلاقات عام 1991، وأيدت مصر عام 1999 انضمام إيران إلى عضوية مجموعة ال15 وسعت لإقناع بعض دول أمريكا اللاتينية التى كانت رافضة لهذا الانضمام، وتبادل الرئيسان الأسبقان حسنى مبارك ومحمد خاتمى التهنئة تليفونيا بعد انضمام إيران عام 2000 فى المؤتمر الذى استضافته القاهرة آنذاك, ووصلت العلاقة بين البلدين عام 2003 إلى مرحلة متقدمة عبر عنها اللقاء الذى جمع الرئيسين الأسبقين محمد خاتمى وحسنى مبارك فى سويسرا على هامش مؤتمر قمة المعلوماتية. وفى عام 2004 عاد التوتر بعد إحباط أجهزة الأمن المصرية محاولة إيرانية لزرع جاسوس مصرى يدعى محمد عيد استطاع دبلوماسى إيرانى يعمل فى القاهرة تجنيده، حيث كان يخطط للقيام بعمليات تفجير فى مصر والمملكة العربية السعودية وهو ما نفته إيران. وعادت العلاقات للتحسن بعض الشىء بعد ثورة يناير، واستضافت طهران نهاية عام 2012 وفدا من المسئولين ورجال الأعمال المصريين، وذلك خلال ما عرف وقتها بالمنتدى الاقتصادى المصرى - الإيراني. كما قام الرئيس السابق محمد مرسى بزيارة إيران، وهو يعد أول رئيس مصرى يزور إيران بعد قيام الثورة الإسلامية، وتسليمه رئاسة حركة عدم الانحياز بشكل شخصى لإيران خلال افتتاح القمة 16 للحركة فى طهران، حيث اجتمع مع الرئيس الإيرانى الأسبق محمود أحمدى نجاد على هامش القمة. وفى سبتمبر عام 2012 استقبل مرسى وزير خارجية إيران على أكبر صالحى الذى زار القاهرة ضمن مجموعة المبادرة الرباعية لحل الأزمة السورية، وتم خلال اللقاء استعراض ملف الأزمة السورية. وفى يناير عام 2013 كانت هناك زيارة أخرى لعلى أكبر صالحى وزير خارجية إيران لمصر، واستقبله الرئيس الأسبق، وقام صالحى بتسليم رسالة خطية من الرئيس الإيرانى أحمدى نجاد، الذى زار مصر فى فبراير عام 2013، للمشاركة فى أعمال قمة الدول الإسلامية التى انعقدت فى مصر، إلا أن هذه التطورات لم تدفع إلى تحسين العلاقات المصرية - الإيرانية بالكامل وارتقائها إلى التمثيل الدبلوماسى على مستوى السفارات. وكان سامح شكرى قد أكد فى نهاية مارس الماضى ردا على سؤال ل «الأهرام العربى» أن علاقات مصر بالمملكة السعودية تمتلك من الخصوصية التى تحول دون دخول أطراف أخرى وتأثيرها عليها، مشدداً فى الوقت نفسه على أنه «لا مجال حالياً لإطلاق أى حوار بين مصر وإيران». وعن العلاقات بين مصر وإيران قال الوزير شكرى: «لم تتهيأ الظروف بعد لوجود حوار إيجابى يؤدى إلى تحقيق نتائج إيجابية، وهذا لا يمنع مستقبلاً من إجراء مثل هذا الحوار. وفى شهر إبريل الماضى أعربت مصر عن انزعاجها حيال التقارير التى تشير إلى ضبط شحنات أسلحة إيرانية أثناء تهريبها إلى اليمن، وأكدت أن استمرار تهريب الأسلحة لليمن يعكس استمرار سياسة التدخل الإيرانى غير البناء فى الشأن العربى، ويقوض من التطلعات إلى إعادة بناء جذور الثقة بين إيران وجيرانها»، إلا أن ذلك لم يمنع من لقاء وزير الخارجية سامح شكرى مع نظيره الإيرانى محمد جواد ظريف على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة سبتمبر الماضى، للحديث حول العلاقات الثنائية والملف السورى وعدد من القضايا الإقليمية، وتشير كل تلك اللقاءات إلى إمكانية إعادة انطلاق للعلاقات بين القاهرةوطهران فى الشهور المقبلة، خصوصا إذا استمر الفتور فى العلاقات المصرية -السعودية.
اسرار زيارات شكرى لسلطنة عمانوالبحرين تجرى حاليا جهود دبلوماسية حثيثة لتقريب وجهات النظر بين عدد من الدول العربية، خصوصا مصر والسعودية قبل عقد القمة العربية، خصوصا حول الملف السورى، وتشارك مصر فى عدد من المؤتمرات التى ستعقد خلال الأسابيع المقبلة لمحاولة إيجاد حل للملف السورى، حيث من المنتظر أن تشارك مصر فى مؤتمر الأستانة بكازاخستان والتى تنظمه روسيا بمشاركة تركية، وبحضور عدد من الدول وممثلين لبشار الأسد وللمعارضة السورية للوصول إلى اتفاق سياسي حول مستقبل الوضع فى سوريا. كما اتفق وزراء الخارجية للاتحاد الأوروبى فى اجتماعهم الأيام الماضية، على تنظيم مؤتمر دولى فى مارس المقبل فى بروكسل، حول مستقبل سوريا والشرق الأوسط من المنتظر أن تشارك به مصر أيضا، وذكرت فريديريكا مونجرينى الممثل الأعلى السياسيات الأمنية والسياسية بالاتحاد الأوروبى أن المؤتمر له هدف سياسي فى الأساس، إلى جانب إعادة التأكيد على أهمية تحقيق الالتزامات التى تعهدت بها الدول المانحة فى مؤتمر لندن نهاية العام الماضى، والذى شاركت به مصر حول سوريا، مشيرا أن الوقت حان للوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية ومصالحة وطنية. ومن جانب آخر فمن المنتظر أن تبحث القمة العربية المقبلة فى عمان بالأردن مارس المقبل الأزمة السورية، وتجرى حاليا محاولات لتقريب وجهات النظر بين الدول العربية للاتفاق على صيغة البيان الختامى للقمة قبل عقدها حتى لا تحدث صدامات داخل القمة بين القادة العرب. وتأتى زيارة سامح شكرى منذ عدة أيام لسلطنة عمان وزيارته للبحرين الثلاثاء الماضى فى هذا الإطار، سعيا لتقليل الخلافات حول عدد من الملفات، خصوصا بين مصر والسعودية. وحمل شكرى إلى العاصمة البحرينيةالمنامة رسالة شفهية من الرئيس عبد الفتاح السيسي إلي الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البحرين، من أجل تعزيز العلاقات الثنائية ومتابعة برامج ومشروعات التعاون القائمة، وسبل التعامل مع الأزمات التي تعاني منها المنطقة العربية وتمثل تهديدا للأمن القومي العربى.